طارق الشناوي
كلمة و 1/2.. (كاتب الظل).. لقمة العيش وأشياء أخرى!!
قال لى أنه يكتب العديد من الأعمال الدرامية من الباطن ومقابل أجر يحصل عليه من دون أن يعلن عن اسمه، سألته لماذا؟ أجابنى لقمة العيش، قلت له إنه رغيف مغموس بالذل والهوان.
تحرّيت عن الموقف، واكتشفت أنه يكذب، يريد لفت الأنظار إليه، ورغم ذلك فالقضية لا تزال قائمة عالميًا، وأثيرت قبل نحو عشر سنوات من خلال موسيقار يابانى أطلقت عليه الصحافة هناك (بتهوفن المزيف) عندما اعترف أنه استعان بأستاذ فى الموسيقى لضبط العديد من القطع الموسيقية التي نُسبت إليه.
لماذا عدد من الموهوبين لا يزالون يفضلون، البقاء فى الظل وهم مَن يطلقون عليهم (SHADOW WRITER)، كاتب الظل؟
الطرفان متعادلان فى الإدانة مَن يكتب أو يلحن مقابل أجر ومَن ينسب لنفسه (چينات) فنية غير شرعية.
قرأتُ مجددًا مذكرات نجيب الريحانى التي أصدرتها «دار الهلال» بعد رحيله عام 49 بعدة سنوات، وراجعها قبل النشر رفيق مشواره بديع خيرى توأمه الفنى والروحى، ذكر «الريحانى» كيف التقى ببديع لأول مرّة؛ حيث إن «نجيب» كان قد اختلف مع أمين صدقى كاتبه الأثير قبل بديع، فلجأ لأحد أفراد الفرقة وهو فى الحقيقة لم يكن يمتلك موهبة؛ بل كان يستعين من الباطن بكاتب ناشئ وهمس أحدهم فى أذن الريحانى باسم بديع خيرى وعلى الفور التقاه نجيب، وكان يصفه بأنه كان خجولًا وأذاب نجيب هذا الخجل، وكوّنا معًا واحدًا من أهم إن لم يكن أهم ثنائى عرفته الدراما المصرية والعربية سينمائيًا ومسرحيًا، الغريب أن التسجيل التليفزيونى النادر وأظنه الوحيد لبديع خيرى مع مذيعة التليفزيون الراحلة سلوى حجازى، سألته كيف التقى مع الريحانى، لم يأتِ أبدًا على ذكر واقعة الكتابة من الباطن، وقال إن الريحانى سمع باسمه ككاتب موهوب يعرض على مسرح للهواة فذهب إليه وبدأت الرحلة، وبالطبع بديع لم يشأ أن يعترف بتلك الجريمة علنًا وعلى رؤوس الأشهاد.
علينا أن نتحرى الدقة؛ حيث إن الأمر ربما لا يخلو من بعض الشائعات التي يروجها البعض من أجل تحقيق شهرة وأحيانًا من أجل ابتزاز كاتب أو ملحن، الموسيقار محمد عبدالوهاب كثيرًا ما واجه هذه الاتهامات؛ بل إن شكسبير طالته تلك الشائعة ولم يحسمها سوى الكمبيوتر قبل ثلاثين عامًا عندما أدخلوا كل مسرحياته للفحص طبقًا لبرنامج محدد فأثبت الكمبيوتر أنها كلها من فكر وروح وليم شكسبير.
أحد الكُتّاب الشباب قرأتُ له مؤخرًا حوارًا ذكر فيه أنه كان يكتب من الباطن العديد من الأعمال الفنية ولم يشعرنى بأى إحساس بالندم ولم يبرر حتى بأن احتياجه للمال دفعه لذلك، إنه أقرب لما يُعرف فى الحياة الفنية بـ (دراماتورجى) أسطى دراما، ولديه قدرة على اختيار المفردات العصرية والشابة و(الرّوشة)، هل تتذكرون مسرحية (جلفدان هانم) لعلى أحمد باكثير شخصية عاطف الأشمونى التي أداها محمد عوض، ظل طوال أحداث المسرحية نادمًا يردد (أنا عاطف الأشمونى مؤلف قصة الجنة البائسة)، بينما هذا المؤلف لم يشأ أن يذكر كم (جنة بائسة) صاغها من الباطن.
قبل أكثر من سبعين عامًا كان هذا هو القانون السائد فى الدراما السينمائية، مثلاً الكاتب الكبير بهجت قمر والد الشاعر والكاتب الموهوب أيمن بهجت قمر، كان يمارسها فى بداية مشواره، والغريب أنه ظل حتى رحيله يكتب من الباطن، كان «بهجت» قد صار اسمًا كبيرًا فى دنيا الدراما ولكن بعض المخرجين من أصدقائه كانوا يلجأون إليه لكى يصلح السيناريو؛ وبخاصة الحوار، مقابل أجر، وكثيرًا ما كان لا يكتفى بالحوار فقط؛ بل يضيف مَشاهد رئيسية ليحمل الفيلم چينات (قمرية)، وهو ما فعله أيضًا كُتّاب أقل شهرة من «قمر»، مثل أحمد عبدالوهاب وعصام الجمبلاطى وغيرهما.
لديكم أيضًا الموسيقار الكبير بليغ حمدى، فى سنوات الغربة خارج مصر فى نهاية الثمانينيات؛ نظرا لحاجته إلى المال، تنازل أيضًا عن اسمه كشاعر واكتفى فقط بان تُنسب الأغانى إليه مُلحنًا، وصعد اسم شاعر آخر رغم أنه لم يكتب شطرة شعرية واحدة طوال حياته، وحتى الآن لا يزالون يكتبون له!!