
ياسر الغسلان
رونالدو وبنزيما بين الإهدار والاستثمار
كانت وربما ما زالت السينما تعد من أهم الوسائل التى من خلالها تقوم الدول بترويج أچندتها للعالم، مثلها مثل الإعلام الذى لديه القدرة على التأثير على توجهات الناس فى الداخل والخارج، واليوم نعيش فى عصر مختلف عما كان عليه حيث الرياضة هى إحدى تلك الأسلحة التى تعمل على التأثير والتوجيه والإقناع، ومن هنا نجد بطولات كبرى مثل كأس العالم لكرة القدم والأولمبياد وغيرها من البطولات العالمية التى تحظى باهتمام ومتابعة على نطاق واسع تتسابق على تنظيمها الدول وتصرف من أجل إقامتها مليارات الدولارات.
الدور التسويقى والدعائى الذى يبدو واضحاً من مقدمة حديثى لا يخلو من نقص، فكما أنها وسائل تسويقية وترويجية هى فى ذات الوقت مصدر ضخم للمردود المالى، فالرياضة اليوم هى فى الأساس صناعة وتجارة وليست فقط كما يتخيل البعض فعالية للتسلية والركض خلف كرة مدورة.
لا شك أن السعودية أحدثت مؤخراً هزة فى ديناميكية لعبة كرة القدم فى أوروبا، وذلك بعد أن قامت بشراء عدد من نجوم اللعبة العالميين كرونالدو وبنزيما وبأسعار يصفها البعض بالخيالية، الأمر الذى استدعى استنهاض خطاب نقدى لاذع ضد السعودية من لدى البعض وتخوف وتشكك من البعض الآخر.
فبدأت الاتهامات للسعودية تنهال واصفة أن ما تقوم به هو غسيل رياضى وعمل مخطط لإفساد اللعبة فى أوروبا إضافة إلى أنه نوع من التسويق الخفى لحكومة تريد أن تخلق واقعا جديدا لا يتناسب مع الواقع المتفق عليه بين الدول الكبرى، وأن السعودية تستخدم الرياضة لتصنع لنفسها اسمًا فى اللعبة الأكثر شعبية بحيث تتمكن من التأثير على الشعوب وتستميلهم نحوها.
لست مع العقلية (الماذاعنية) التى ترد على أى رأى بالقول (وماذا عن فلان وعلان) إلا أن الأمر هنا يحتم علينا شيئا من المقارنة لنفهم تماماً تناقض الأراء التى ترى أن ما تقوم به السعودية اليوم هو إفساد وإضاعة للمال العام كما يقول البعض، فعندما نظمت الولايات المتحدة الأمريكية بطولة كأس العالم لكرة القدم عام ١٩٩٤ عندما كان الشعب الأمريكى يكاد لم يسمع بهذه اللعبة من قبل، لم تخرج مثل هذه الأصوات ولم يردد أحد أن أمريكا تريد أن تغسل سياسياً أو تسوق لنفسها، وعندما حصلت قطر حق تنظيم ذات البطولة لم يكن أحد يلتفت لمحاولات التنغيص عليها والتى أتت ويا للمصادفة من ذات الدولة التى تتصدر اليوم الهجوم على السعودية وأقصد بها إنجلترا.
يتناسى البعض أن الاحتراف فى السعودية ليس بالأمر الحديث، وأن شراء اللاعبين ليس حالة جديدة بين الأندية السعودية، فقد لعب فى صفوف الأندية السعودية نجوم زمانهم مثل ريفيلينو وبيبيتو وغيرهم، الفرق الوحيد اليوم هو أن الأندية أصبحت تدفع مبالغ تقارع فيها مبالغ الأندية الأوروبية التى تدفع الأموال لشراء اللاعبين كوسيلة استثمارية فى قيمة الأندية وعلامتها التجارية والتى تدر عليهم بأموال طائلة من داخل وخارج أراضيها، وهذا هو تماماً الهدف الذى تسعى السعودى لتحقيقه فى عملية النهوض الأخيرة بالرياضة السعودية، فالأمر كما يبدو فى إحدى جوانبه يتعلق بتأثير الدور السعودى على الجانب الاستثمارى لأنديتهم وليس إفساد الرياضة وغسيل رياضى كما يدعون.
إن الرأى الذى يقول إن ما يُدفع للاعبين هى أموال مهدرة من خيرات الشعب وإنفاق فيما لا ولن يفيد يفتقر إلى حد كبير للنظرة الشاملة للأمور، فهى نظرة تغفل عن كون الرياضة فى عالم اليوم تعد صناعة مزدهرة تدر أموال طائلة على اقتصاديات الدول، فهى تخلق الوظائف وتستقطب الزوار والسياح من الخارج وتحرك بالتالى صناعة السياحة وتحرك التجارة من خلال الملبوسات الرياضة والنقل التلفزيونى والعقود التسويقية وزيادة القيمة السوقية للعلامة التجارية للأندية.. إلخ، ومن يعى أبجديات الاستثمار يعرف أنه من أجل أن تحقق أرباح واستدامة عليك أن تستثمر فى البدء، يبقى التحدى هنا يكمن فى القدرة على الإدارة والتخطيط السليم وليس فى الاستثمار والدفع لهؤلاء النجوم بمبالغ ضخمة كما يقولون.