الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الطريق الثالث.. «تكافؤ الفرص» وسياسات العمل والسكن والأجر فى الحوار الوطنى الطريق إلى العدالة الاجتماعية

الطريق الثالث.. «تكافؤ الفرص» وسياسات العمل والسكن والأجر فى الحوار الوطنى الطريق إلى العدالة الاجتماعية

تشرفت بحضور فعاليات الحوار الوطنى عقب عودة جلساته للانعقاد خلال الأسبوع الماضى، ثم كنت متحدثاً فى لجنة العدالة الاجتماعية بالمحور الاقتصادى فى واحدة من أهم هذه الجلسات، والتى كان موضوعها «تفعيل مبدأ تكافؤ الفرص»، والتى ناقشت عدة موضوعات أبرزها: سياسات العمل، الأجور والمعاشات، الإسكان الاجتماعى وتطوير العشوائيات، والسياسات الضريبية.



وتأتى هذه الجلسة استكمالاً للجلسة السابقة للجنة العدالة الاجتماعية، والتى ناقشت «برامج الحماية الاجتماعية فى ظل الوضع الراهن والتطورات الجديدة»، وظنى أن الجلستين رصدتا إلى حد كبير نجاحاً ملحوظاً للدولة المصرية فى إدارة هذا الملف الحيوى، والذى كان مطلبًا للجماهير التى أسقطت نظامين فى ثورتى يناير 2011، ويونيو 2013، بحسب ما أشار الوزير السابق الدكتور أحمد جلال مقرر المحور الاقتصادى، فى كلمته التى افتتح بها المناقشات فى الجلسة التى عقدت بقاعة المؤتمرات بمدينة نصر، المقر الدائم لفعاليات الحوار الوطنى منذ انطلاق ماراثون جلساته فى الثالث من مايو الماضي.

رؤية مصر 2030

تركز خطة مصر الوطنية 2030 للتنمية المستدامة، والتى انطلقت عام 2016 على أبعاد أساسية من بينها البُعد الاجتماعى والذى يرتكز على الارتقاء بجودة حياة المواطن المصرى وتحسين مستوى معيشته فى مختلف نواحى الحياة وذلك من خلال التأكيد على ترسيخ مبادئ العدالة والاندماج الاجتماعى ومشاركة كافة المواطنين فى الحياة السياسية والاجتماعية.

وأرى أن الحكومة فى «الجمهورية الجديدة»، مسئولة عن وضع سياسات العدالة الاجتماعية وبناء قدرات الأفراد والمؤسسات المجتمعية، من خلال إتاحة الفرص المتكافئة بشفافية للجميع، ليسهم المجتمع بأكمله فى تحقيق النمو الاقتصادى، إن للدولة دورًا منتظرًا فى إطار «الليبرالية الاجتماعية» التى أقرها الدستور، لكنه ليس دورًا فى النشاط الاقتصادى ذاته ولكنه دور فى توجيه هذا النشاط وفتح الآفاق أمامه وتنظيمه وحمايته.

مفهوم العدالة الاجتماعية

وكان المفكر السياسى الدكتور حسام بدراوى، مستشار الحوار الوطنى، قد أوضح فى كتابه «حوارات مع الشباب لجمهورية جديدة»، أن هناك فلسفتين مختلفتين تتعاملان مع العدالة الاجتماعية: الفلسفة الأولى تتعامل مع العدالة الاجتماعية كنتيجة يتعين الوصول إليها بغض النظر عن عدالة الوسائل، مثلما فعلت الشيوعية، وكما يدعو بعض السياسيين فى مصر الآن. 

والفلسفة الثانية تتعامل مع العدالة الاجتماعية على أنها عدالة تكافؤ الفرص ومكافأة المجهود، وفى نفس الوقت إتاحة خدمات وحقوق معينة للجميع، كالتعليم والرعاية الصحية والمواصلات العامة والصرف الصحى والمياه النظيفة مثلًا، بغض النظر عن تفاوت الدخل. وهى الفلسفة الأقرب إلى عقلى ووجدانى فى تحقيق حد معروف من الحقوق، وفى نفس الوقت مكافأة العمل والاعتراف بتعدد واختلاف القدرات والرزق. 

ولقد أثبتت الدراسات والتجارب أن السياسات الاقتصادية التى تعضد الاستثمار فى القوى البشرية وتكافؤ الفرص تسهم فى دعم النمو الاقتصادى والتشغيل وتحقيق العدالة الاجتماعية أكثر من مجرد الأخذ من الأقدر للتوزيع على الأقل قدرة. ويتحقق تكافؤ الفرص من خلال الإنفاق على نظام تعليم أساسى لا يفرق بين الغنى والفقير أو المهمش، ونظام أساسى للخدمات الصحية لا يميز بين الطبقات، وسبل انتقال عامة كريمة إلى العمل من خلال الاستثمار فى البنية التحتية، ومناخ أعمال شفاف يمنع الاحتكار ويحمى أصحاب الأعمال الصغيرة ويُضَمِنهم فى العملية الإنتاجية وفى خلق فرص عمل كريمة وتوليد دخول لأسرهم. 

إيجابيات تستحق الإشادة

وقد حققت الدولة المصرية خلال السنوات العشر الماضية نجاحات مهمة فى ملف «العدالة الاجتماعية»، وهى كثيرة ومتنوعة، استحقت إشادة دولية بها وتقدير وامتنان المصريين، وربما يجدر هنا الإشارة إلى بعضها على سبيل المثال لا الحصر.. 

أولاً: استهدفت الدولة زيادة الأجور والمعاشات بصورة مستمرة، تماشيًا مع حجم التضخم وزيادة الأسعار الناتجة عن أزمات عالمية متتالية، كما اهتمت بشكل خاص بأصحاب المعاشات لتخفيف العبء عليهم ودعمهم، حيث أقر الرئيس السيسى زيادات متتالية لهم تقديرًا لرحلتهم الطويلة فى خدمة الدولة المصرية، وأتمنى الاستمرار فى هذا النهج، والحفاظ على هذه الزيادات بصورة دورية.

ثانياً: تعددت مجهودات الدولة فى توفير سكن آمن وملائم، والأرقام لا تكذب، حيث تم تنفيذ 612 ألف وحدة ضمن مشروعات الإسكان الاجتماعى بتكلفة 98 مليار جنيه، وجار تنفيذ 250 ألف وحدة. وقد استفاد 1.2 مليون مواطن من تطوير المناطق العشوائية وغير الآمنة والتى بلغ عددها 357 منطقة بـ 25 محافظة، بإجمالى 246 ألف وحدة سكنية، وبتكلفة بلغت 63 مليار جنيه.

ثالثاً: شهدت منظومة الإدارة الضريبية «ثورة تطوير» فى عهد الرئيس السيسى، حيث تم تنفيذ إصلاحات تاريخية أدت إلى توسيع القاعدة الضريبية، وإرساء دعائم العدالة الضريبية، وحصر المجتمع الضريبى بشكل أكثر دقة، ودمج الاقتصاد غير الرسمى فى الاقتصاد الرسمى، على النحو الذى أسهم فى رفع الإيرادات الضريبية.

مقترحات وتوصيات

وقد اختتمت كلمتى فى جلسة «تكافؤ الفرص» بعدد من التوصيات والاقتراحات، التى أظن أنها ربما تساعد على مزيد من التفعيل للمبدأ المهم الذى كان محوراً وعنواناً لهذه الجلسة القيمة، التى ناقشت واحدة من أهم قضايا لجنة العدالة الاجتماعية بالمحور الاقتصادى فى الحوار الوطنى، أوجزها فيما يلي:

• إعادة دراسة الواقع الضريبى الحالى، للوصول إلى معادلة أمثل تجمع بين أنواع الضرائب (على الدخل، على الاستهلاك، وضرائب مستخدمى الخدمة)، لتحقيق الكفاءة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية معاً. 

• توظيف الإعفاءات الضريبية والجمركية فى تشجيع الاستثمار والقيام بدور إيجابى فى تكوين القواعد المعلوماتية الخادمة للاقتصاد الفردى الحر.

• السرعة والكفاءة فى الفصل فى القضايا الاقتصادية ومنع أى من أجهزة الدولة من الضغط على أصحاب الأعمال، وربط ذلك بفكرة العائد الاقتصادى لسيادة العدالة فى المجتمع.

• اختصار الإجراءات الإدارية، والاعتماد على التفتيش والرقابة اللاحقة بدلًا من الأذون والتراخيص المسبقة.

• زيادة حد الإعفاء الضريبى الشخصى على الدخل لجميع العاملين بالدولة والقطاع الخاص، مع علمى بأن البرلمان قد أقر قبل شهور رفع هذا الحد، لكنى أرى أن هذا الأمر بحاجة إلى مراجعة سنوية فى ظل زيادة التضخم وتراجع سعر صرف الجنيه.

• الإسراع فى الإعلان عن وثيقة السياسات الضريبية للدولة خلال السنوات الخمس المُقبلة؛ وهذا مقترح كلف به الرئيس السيسى المجلس الأعلى للاستثمار قبل أسابيع، نتفق معه ونقف خلفه ونتمنى سرعة إنجازه.

• سرعة إقرار قانون العمل الجديد بما يضمن حقوق وواجبات العامل وصاحب العمل.