الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
عكس الاتجاه.. انقلابٌ فى النيجر أم فى فرنسا؟

عكس الاتجاه.. انقلابٌ فى النيجر أم فى فرنسا؟

عند استعارة مقولة الأبنودى الشهيرة (الأغنية دى فن أكتبه بصُباع رجلى)، ويقصد سهولته البالغة.. لابد أن نستعير ذات العبارة فى وصف الانقلاب الأخير على الرئيس فى النيجر على يد نفر من حرّاسه أخذوا معه صورة سيلفى وشيّروها، انقلاب تم بإصبع القدم، فى دقيقة وبلا نقطة دم.. لم تتدخل دولة واحدة لمنعه، ناهيك عن شجب «أنتونيو جوتيريس» أمين عام الأمم المتحدة أو انفعال «بايدن»، أو صراخ الجزائر بسبب العِشرة الطويلة مع فرنسا، أو بيان رفض دول غرب أفريقيا جارة النيجر للانقلاب السلس.



النيجر هى البلدة الصحراوية القاحلة الجدباء الواقعة فى أقاصى صحراء الغرب الأفريقى والتى يسمونها (البلدة الحبيسة) المحبوسة أطرافها الأربعة داخل عدة بلاد وبلاد؛ فلا بحر ولا نهر ولا خليج يحوطها سوى نهر النيجر الذى يشقها نصفين.. لم يكن للانقلاب الأخير -والرابع- وقع الصدمة أو الغضب ولا حتى الإثارة، لدى بعض الأشخاص والدول.. وحدها «فرنسا» التى ارتفعت حرارة هوائها ودماغ رئيسها لأكثر من مائة فهرنهايت، فالنيجر واحدة من أهم وآخر مستعمراتها التى تمدها باليورانيوم وأشياء أخرى -آخر سرقات فرنسا فى أفريقيا- بعد أن قُطِعَت يدها وقدمها مؤخرًا من ثلاث دول أفريقية أخرى، فلم يعد لفرنسا شىء تسرقه لشعبها حين استعمرت واستنزفت هذه القارة باسم الحماية ومقاومة التنظيمات الإسلامية سوى البلد الأخير (النيجر)، البلد الأفريقى الأخير الذى خرج بسهولة عن الطوع الاستعمارى الفرنسى.

فثلاث قواعد عسكرية فرنسية وقاعدة أمريكية وشعب فقير مدقع مغلول اليد، كل هؤلاء مجتمعين لم يمنعوا الانقلاب من الحدوث، لماذا؟ لماذا تركت أمريكا فرنسا وحيدة ولم تهب لنجدتها؟ بل لماذا أفسحت أمريكا الطريق لروسيا كى تهيمن على مستعمرات فرنسا هناك؟ لماذا لم تعامل أمريكا فرنسا معاملتها لأوكرانيا؟ بمعنى: لماذا لم تقاوم أمريكا الوجود الروسى فى أفريقيا وفى النيجر مثلما أقامت حربًا عالميةً ثالثةً من أجل الوجود الروسى فى أوكرانيا؟ ما الذى بين أمريكا وفرنسا؟ يقينًا بينهما ما صنع الحداد ومن قديم الزمان والصراع دائر على الهوية والحضارة والقيادة والاستحواذ بينهما، بينهما صراعات عسكرية واستعمارية وثقافية واقتصادية وحضارية منذ الحرب العالمية الأولى، بل ما قبلها منذ اندلاع الثورة الفرنسية 1765، والثورة الأمريكية 1775، منذ نشوء الصراع الخفى والمعلن بين القوتين كانت فرنسا منذ ذلك الحين تخسر كل يوم طوبة من بيتها الاستعمارى الممتد أطرافه من آسيا إلى أفريقيا لصالح أمريكا ثم لصالح روسيا، وهُنا فى هذا المكان وفى هذا اليوم التاريخى شديد الحرارة فى 25 من يوليو 2023 كانت آخر طوبة لفرنسا تخسرها فى أرض النيجر، آخر طوبة وآخر أمل فى سلم الحضارة.

هل روسيا أغلى وأكثر أهمية عند أمريكا من فرنسا؟ سؤال ليست معروفة إجابته، لكنك ستستدل عليها -الإجابة- من الوقائع الأخيرة، فأمريكا التى أنهكت روسيا فى أوكرانيا هى نفسها أمريكا التى سهلت لروسيا المهمة فى النيجر، بل وغير النيجر، فقبلها كانت (أفريقيا الوسطى) و(بوركينا فاسو) و(مالى)، صارت تلك البلاد تحت النفوذ أو الاهتمام الروسى.. ليس هذا فقط، بل تخسر أيضًا فرنسا عملتها هناك، إذ تتخلص كل هذه الدول المستقلة حديثًا عن فرنسا، ومن سبقتها فى الاستقلال؛ 12 دولة ممن كانت مستعمرات فرنسية فى أفريقيا، تسعى إلى التخلص من الفرنك الإفريقى / الفرنك الفرنسى، والسؤال: هل ستتحول عملة هذه الدول الأفريقية -بفعل قوة فاجنر- إلى الروبية الروسية؟

يقينًا الإمبراطورية الروسية -السوفياتية القديمة- أكبر حجمًا وتأثيرًا وقيمةً من الإمبراطورية الفرنسية، فالأولى تصعد وتحاول استرداد سيرتها السوفياتية والثانية تختفى وتخسر آخر شوية يورانيوم فى النيجر.

فرنسا التى لم بتبقّ لها من عِز سوى أسماء براندات (كوكو مادموزيل) و(لانكوم) و(كيلفن كلاين) و(ديور) و(شانيل).. فرنسا التى أنهكتها أزماتها الداخلية منذ انتفاضة السترات الصفراء فى 2018 حتى التظاهرات العنيفة بداية هذا العام ومقتل الشاب «نائل» وفداحة الخسائر التى بلغت حتى الآن قيمة مليار يورو. 

إضرابات واضطرابات أحرقت الأخضر واليابس والمحلات والبنايات والمؤسسات لتظهر صورة الشعب الفرنسى بشكل جلىّ لا يزيله أو يخفيه بارفان أو مانيكير، ولا نضال «برجيت باردو» مع الحيوان، ولا جمال «صوفى مارسو» على الشاشات، ولن تجد فرقًا بين الفرنسى والأفريقى المحتل من فرنسا سوى فى اللون، ستقارن بين همجية الفرنسى هُنا وبين همجية الأفريقى -المصنوعة بفعل الاحتلال- فى المستعمرات الفرنسة هناك؟ لا تُقارِن أرجوك، فالأفريقى المحتل والمسروق والمُجهّل والمُبعد والمُهان فى بلاده هو أصل الحضارات.

بخروج فرنسا من النيجر تكون قد فقدت آخر نور وضىّ ودفء مسروق، آخر شمعة وقنديل ومصباح وغاز مدفأة، آخر يورانيوم لتشغيل مفاعلاتها النووية، يا ترى من أين سيأتى «ماكرون» لشعبه بفلوس الكرواسون والبارفانات والكرافاتات والفساتين والأحذية ذات الكعب العالى؟

السؤال: هل ستختفى من أفريقيا المنظمات الإرهابية الدينية المصنوعة على يد فرنسا كـ(بوكو حرام) وموطنها ومعقلها كان النيجر؟ بوكو حرام وشقيقاتها والتى كانت تكئة لضرورة الوجود العسكرى والاقتصادى هناك.

وهل كان الانقلاب فى النيجر أم فى فرنسا؟