
ياسر الغسلان
الربيع الإلكترونى إيلون وX وأخواتها
منصة التواصل الاجتماعى (إكس-X) أو ما كان يُعرَف حتى عهد قريب بـ(تويتر) لعبت دورًا مُهمًا فى العديد من التجاذبات الاجتماعية والسياسية التى شهدها العالم منذ أواخر العقد الأول من الألفية الجديدة، عندما تمكن مستخدمو المنصة عام 2009 فى إيران من تحريك الشارع اعتراضًا على نتائج الانتخابات والتى عرفت حينها بالثورة الخضراء مرورًا بدورها اللافت فى العديد من الدول العربية التى شهدت ما بات يعرف بالربيع العربى وليس انتهاءً بالدور الذى لعبته الحكومات والأحزاب والنشطاء فى تحويل هذه المنصة إلى وسيلة للترويج والضغط السياسى فى عالم يعيش منذ سنوات على صفيح ساخن من خلافات سياسية وحزبية وتجاذبات اجتماعية وتناحر فكرى غارق فى الإقصاء والملاحقة والتشبيح.
اليوم تعيش المنصة حالة من إعادة التموضع ومرحلة يقوم مالكها الجديد أغنى رجل فى العالم (إيلون ماسك) بإعادة اختراع هوية للمنصة ليس فقط من الناحية التسويقية؛ بل فى المزيج الذى يعيد به هوية الموقع السابقة التى كانت تفتقر للضبط فى المحتوى العنفى مع جرعة مبتكرة لتطرف تجارى ربحى حول المنصة كما يرى الكثيرون إلى وسيلة أكثر جموحًا وأقل أمنًا وجذبًا للمستخدم فردًا كان أَمْ مؤسّسة.
مؤخرًا قامت إحدى المؤسّسات غير الربحية فى الولايات المتحدة الأمريكية المعنية برصد ومتابعة المحتوى الإلكترونى بوصف المنصة بأنها تغض الطرف عن المحتوى الباعث للكراهية، وذلك وفق تقرير قامت بإعداده، الأمر الذى دفع بماسك ومنصته قبل أيام برفع دعوى قضائية فى إحدى المحاكم الأمريكية تتهم المنصة بقيامها بحملة منظمة لتخويف وإبعاد المعلنين عن المنصة، على الرغم من أن المنصة ومنذ أن امتلكها ماسك فى أكتوبر الماضى من العام الماضى تواجه مشاكل فى الجانب التجارى؛ حيث شهدت عوائد الدخل الإعلانى انخفاضًا لافتًا بلغ نحو خمسين بالمائة.
تغيير اسم المنصة من «تويتر» وهو الاسم الذى أصبح جزءًا من الثقافة الشعبية الإنسانية إلى «إكس» لم يكن إلا آخر التغييرات الغريبة والمستهجنة وغير المفهوم أسبابها من كثيرين التى أدخلها ماسك المغرم بالابتكار والغرابة وربما الجنون، فتحويل علامة التوثيق الزرقاء التى كانت تعطى للشركات والشخصيات المعروفة والمؤثرة والموثوقة إلى علامة يمكن شراؤها من أى مستخدم وإن كان باسم مستعار ما دام يستطيع دفع ثمنها، إلى إعادته لحسابات عدد من الشخصيات التى عرفت ببثها خطاب الكراهية والعنف والتى سبق أن طردت لمخالفتها قوانين المنصة التى تدعو للحوار الحر البعيد عن الكراهية، كل ذلك كان انقلابًا كما يصفه الكثيرون على «تويتر» أو «إكس» ودوره المؤثر سياسيًا واجتماعيًا وثقافيًا فى السنوات الأخيرة، وذلك بتحويل المنصة لماكينة تجارية ليس الهدف منها الحوار الحر بقدر ما هو جنى الأرباح، وإن كان ذلك على حساب الأخلاق والمبادئ والسلم الاجتماعى.
الظاهرة الجديدة التى أنتجتها حالة الانقلاب هذه هى قيام عدد من الشركات الناشئة والمنافسة فى فضاء المنصات الاجتماعية على إطلاق عدد من المنصات المشابهة لـ«إكس» تحاكى ذات التجربة أملًا فى اقتناص الفرصة المتاحة الناتجة فى غضب العديد من مستخدمى (تويتر- إكس) من التحول الجذرية فى منصتهم التى اعتادوا عليها والتوجه لمنصة جديدة تقدم لهم نفس الجرعة وبذات التجربة، وهو ما قامت به بالفعل «إنستغرام» بإطلاقها منصة «ثريدز» وما قام به مؤسّس تويتر جاك دورسى بإطلاق منصة «بلوسكاى» وهما منصتان تتطابق تجربة المستخدم فيهما بشكل كبير مع منصة «ماسك» المتحولة على نفسها.
يبقى السؤال الأهم فى ظل هذا التغير والتحول الكبير يكمن فى قدرة هذه المنصات بما فيها «إكس» فى المستقبل على التأثير والتحريك والدفع نحو التغيير كما كانت فى الماضى، وهل تتحول من منصات للرأى الشعبى الحر إلى وسيلة محتكرة من ماكينات التوجيه التجارى والسياسى والفكرى!».