الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
فى مئوية ميلاده مصير أوراق البابا شنودة

فى مئوية ميلاده مصير أوراق البابا شنودة

عقب وفاة البابا شنودة عام 2012 نشرت أخبار منسوبة إلى الأنبا يؤانس أسقف أسيوط الحالى وسكرتير البابا شنودة لسنوات طويلة أن البابا المتنيح كتب مذكراته، وقتها نشرت جريدة اليوم السابع تقريرًا عن هذه المذكرات وما يحتمل أن تحتويه دون جزم بوجودها، وترددت أقاويل أخرى بأنها مجرد ذكريات وليست مذكرات، وقيل أيضًا أنها مجموعة تعليقات وملاحظات على بعض الأحداث، ووقتها لم يؤكد أو ينفى أحد من قادة الكنيسة وجود هذه المذكرات أو الذكريات أو الكتابات، ولكن المؤكد أن البابا ترك أوراقًا مهمة ومنها مراسلات بينه وبين رئاسة الجمهورية أيام الرئيسين الراحلين السادات ومبارك، كما أنه معروف عنه أنه كان يكتب بنفسه ولم يستخدم الكمبيوتر وأنه كان يحتفظ بكتاباته، فما مصير هذه الأوراق سواء كانت وثائق أو خواطر أو مراسلات؟ هل تم وضعها فى إحدى الغرف وأغرقتها المياه كما يردد البعض؟ أم تم الاحتفاظ بها فى مكان أمين؟ وإذا كانت موجودة فلماذا لا يتم الإفراج عنها أو بعضها بمناسبة مئوية ميلاد البابا شنودة والتى تحل فى 3 أغسطس القادم؟ فى كل دول العالم تكون هذه المناسبات فرصة للكشف عن بعض أوراق ووثائق الشخصيات العامة التى لعبت دورًا مهمًا فى تاريخ الأوطان خاصة الوثائق التى مر عليها أكثر من خمسين عامًا، لقد كان البابا شنودة فاعلا فى الحياة العامة المصرية على مدى 41 عامًا قضاها معتليًا كرسى كنيسة الإسكندرية، ومرت خلال هذه السنوات أحداثًا جعلته مرغمًا على التماس مع الحياة السياسية، ومتأثرًا بها ومؤثرًا فيها، حيث يمكن القول إن البابا شنودة كان رقمًا مهمًا فى كل الأحداث التى مر بها الوطن، فقد أمسك بعصا الباباوية عام 1971 عقب وفاة الرئيس عبد الناصر وتولى الرئيس السادات، ولم تمر سوى شهور قليلة حتى وقعت حادثة الخانكة عام 1972 والتى تم فيها حرق مقر لإحدى الجمعيات القبطية كانت تقام فيها الصلاة لعدم وجود كنيسة بالمنطقة، ولم يقف البابا مكتوف الأيدى حيث أمر قساوسة بالقيام بمسيرة بملابسهم الكهنوتية إلى مكان الجمعية والصلاة فيها مهما كانت النتيجة، كان ذلك أول صدام بين البابا والرئيس السادات، هدأت الأمور مؤقتا بعد تشكيل لجنة من مجلس الشعب لدراسة أوضاع الكنائس والتى وضعت تقريرًا مهمًا لم يتم العمل به، وبعد حرب أكتوبر تم الإفراج عن الإخوان المسلمين ومنحهم الضوء الأخضر لاختراق المجتمع وتزامن ذلك مع ظهور الجماعات الإسلامية والجهادية واستقوى بهم السادات فى مواجهة اليسار ولكنهم أشعلوا نار الفتنة الطائفية، وبدأت سلسلة الاعتداءات على الأقباط والتى كانت أخطرها حادث الزاوية الحمراء عام 1981 والذى وقع بسبب الخلاف على قطعة أرض كان المسيحيون يريدون بناء كنيسة عليها، وقبلها بشهور وبسبب التربص بالأقباط فى مجالات عديدة وعدم حمايتهم من قبل أجهزة الدولة قرر البابا الاعتكاف فى الدير ومنع الاحتفالات بعيد القيامة والاكتفاء بالصلاة فى الكنائس، وبلغت ذروة خلاف السادات مع البابا فى سبتمبر 1981 عندما ألغى قرار تعيينه بطريركا وتحفظ عليه فى دير الأنبا بيشوى وشكل لجنة خماسية لإدارة الكنيسة.



نار الإرهاب التى طالت الأقباط امتدت أيضًا إلى السادات وتم اغتياله بعد شهر واحد من قرارات سبتمبر الشهيرة وتولى حسنى مبارك الرئاسة، وبعد ثلاث سنوات أعاد مبارك تعيين البابا شنودة بطريركا بعد مفاوضات استمرت لفترة غير قليلة، وبدأت مرحلة جديدة من العلاقات مع الدولة كانت تتراوح بين الدفء والبرود ولكن كل طرف كان حريصًا ألا تصل الأمور إلى الصدام حتى فى الحوادث الكثيرة التى وقعت ضد الأقباط خاصة فى الصعيد من قبل الجماعات الإرهابية، على المستوى الكنسى سيطر البابا على المجمع المقدس وعلى المجلس الملى وأبعد كل معارض له وكانت له صدامات مع عدد من البارزين فى الكنيسة مثل الأب متى المسكين الذى منعت كتبه من التداول فى الكنائس والأنبا غرغريوس أسقف البحث العلمى الذى حوصر ومنع من تأدية دوره العلمى، والدكتور جورج حبيب بباوى أحد علماء اللاهوت المعروفين عالميًا وكذلك عدد من الأساقفة والكهنة الذين أبعدوا عن ممارسة مهامهم فى أبرشياتهم وكنائسهم مثل الأنبا متياس والأنبا مينا والأنبا إيساك والأنبا تكلا والأنبا أمنيوس والأب إبراهيم عبد السيد والأب أندراوس عزيز وغيرهم، كما اختلف مع بعض العلمانيين الذين طالبوا ببعض الإصلاحات فى طريقة إدارة الكنيسة، ولكن البابا شنودة أحكم قبضته على الكنيسة من خلال أتباعه من الأساقفة الذين أحاطوا به ونفذوا تعليماته بقوة وساعده على ذلك شعبيته الجارفة وكاريزميته الطاغية، وتزامن كل ذلك مع صعود أقباط المهجر وارتفاع صوتهم ومؤازرتهم للبابا فى مواقفه وزيادة تبرعاتهم المالية ما أعطى الكنيسة قوة واستقلالا وسمح للبابا ببناء كنائس عديدة فى الخارج والانتشار فى معظم أنحاء العالم.

وعلى مستوى السياسة العربية كان للبابا مواقف أثارت إعجاب الكثيرين ومنها تحريمه زيارة القدس تضامنًا مع الفلسطينيين وذلك عقب زيارة الرئيس السادات لإسرائيل وتوقيعه معاهدة كامب ديفيد وهو ما جعله يحظى بشعبية كبيرة فى الأوساط السياسية والعربية حتى أن البعض أطلق عليه بابا العرب، ثم جاءت ثورة يناير 2011 والتى أطاحت بحكم مبارك وهو ما عاصره البابا فى أواخر أيامه، كل هذه الأحداث تماست مع الكنيسة وكل هذه الأزمات كانت لها كواليس عاشها البابا واحتفظ بأسرارها، لهذا فإن أوراق البابا شنودة ومذكراته -إذا كان كتبها- ستكون فى غاية الأهمية وهى جزء من تاريخ الوطن مثلما هى جزء من تاريخ الكنيسة ويحق لجميع المصريين وللباحثين والدارسين معرفتها والاطلاع عليها، فما هو مصيرها؟ وهل ضاعت أم تحتفظ بها الكنيسة؟ ومتى يتم الإفراج عنها؟.