الثلاثاء 15 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
فقراء العالم يدفعون الثمن:‏ رئيس أمريكا يدير بطريقة «اكسب واجرى»!‏

فقراء العالم يدفعون الثمن:‏ رئيس أمريكا يدير بطريقة «اكسب واجرى»!‏

ربما نصدق، وربما لا نصدق، أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب يعاونه 13 مليارديرا فى ‏مناصب رسمية فى حكومته، ما بين وزراء وسفراء، ثرواتهم تتجاوز 460 مليار دولار، أى ‏أكثر بـ60 مليار دولار من الناتج المحلى الإجمالى السنوى لأى دولة من التى يطلق عليها ‏متوسطة الحجم، وعددها لا يقل عن مئة وعشرين دولة فى العالم!‏



فكيف يفكر ويعمل رئيس دولة هؤلاء هم معاونوه؟

باختصار، سوف يعمل بعقلية رجل الأعمال، وليس بعقلية السياسى، والفارق بين الاثنين هائل، ‏رجل الأعمال نهّاز فرص فى عالم المال، بينما السياسى يتحرك فى دوائر أكثر تعقيدا، مالية ‏واقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسة وعلاقات دولية ومصالح متضاربة مع الأصدقاء ‏والأعداء.‏

أى أن الرئيس الأمريكى سوف يهتم أولا بأن يجمع أكبر قدر من النقود فى خزينة الولايات ‏المتحدة أيا كانت وسيلته طالما هو قادر عليها، وإذا كان ترامب من أنصار خفض الضرائب ‏على الأغنياء، بحجة تشجيعهم على الاستثمار والتوسع الرأسمالى، فالبديل لزيادة إيرادات ‏الدولة هى «التعريفات الجمركية» على السلع المستوردة، خاصة إذا كانت قد تجاوزت فى ‏العام الماضى 4 تريليونات ومائة مليار دولار، مقابل صادرات تقترب من 3 تريليونات و200 ‏مليار دولار بعجز يقترب من 900 مليار دولار، فلم يعرف ترامب حلا فوريا إلا فى ‏الرسوم الجمركية، ليتخلص من هذا العجز المزمن، على طريقة «اكسب واجرى»!‏

لكن المسألة ليست بهذه البساطة التى يتصورها رئيس أكبر اقتصاد فى العالم، فالاقتصاد إذا ‏حكمته مناهج المالية العامة فقط، من عوائد وإنفاق، قد يقع فى مطبات يصعب الخروج منها، ‏لأن الاقتصاد يُدار بمفاهيم طويلة الأجل، بينما المالية العامة تدار بمفاهيم عاجلة قصيرة ‏الأجل، لسد عجز الموازنة أو العجز التجارى، بتدبير موارد وتقليل نفقات آنية، وقد أثبتت ‏تجارب صندوق النقد الدولى مع الدول التى عالجت مشكلاتها الاقتصادية بمنهج المالية العامة ‏فقط أن «النهايات» لا تكون سعيدة على الإطلاق، ولم يحدث أن خرج اقتصاد غربا أو شرقا ‏من مأزقه بهذه السياسات المالية، من أول الأرجنتين إلى إندونيسيا، مرورا بالبرتغال واليونان ‏وغيرها، والحل دائما فى السياسات الاقتصادية، أى فى كيفية رفع إنتاجية السلع والخدمات ‏وتشغيل الطاقات العاطلة أولا، وهى السياسات التى تدفع بعربة المجتمع فى هذا الطريق ‏الصحيح.‏

‏ والسؤال بسيط وساذج جدا: من سيدفع هذه الرسوم الجمركية؟

ببساطة الشركات والوكالات التى تستورد سلعا من الدول التى فرض ترامب عليها تلك ‏الرسوم، وهى كل دول العالم تقريبا، سواء كانت سلعا تامة الصنع أو نصف مصنعة أو مواد ‏خامًا، وتضاف قيمتها على أسعار البيع للمستهلكين.. أى أن السلع المستوردة فى الولايات ‏المتحدة سترتفع أسعارها ما بين %10 إلى 54 % حسب الشريحة التى وضعها ترامب لكل ‏دولة!‏

أى أننا نتحدث عن موجة غلاء، فى البداية ستمس السلع المتبادلة بين دول العالم وأمريكا، ثم ‏تنسحب تدريجيا على السلع المحلية، لأن التضخم يشبه الحجر الضخم حين تحركه من أى ‏جانب يتحرك كله بالضرورة.‏

وتتصور إدارة ترامب أن رفع أسعار السلع المستوردة يعنى اتجاه المستهلكين الأمريكيين إلى ‏السلع المحلية، مما يشجع على زيادة الاستثمارت ورفع حجم الإنتاج فى أمريكا، مما يزيد من ‏حجم الضرائب المحصلة أيضا، المفهوم صحيح وجزء من طبيعة قوانين السوق، لكن ‏مستحيل أن تكون السلع الأمريكية فى السوق الأمريكية أرخص من السلع الصينية مثلا، ‏لسبب وجيه أن تكلفة العمالة فى أمريكا خمسة أضعاف تكلفة العمالة فى الصين، وتقدر نسبة ‏تكاليف العمالة فى أى مشروع أمريكى بحوالى 45 %، وتكلفة العمالة الصينية تقل كثيرا ‏جدا عن تكاليف نقل السلع من الصين إلى الساحل الغربى الأمريكى، وهذا العجز التجارى ‏بين أمريكا والصين هو الأعلى لمصلحة الصين، ذات السلع الرخيصة جدا مقارنة بمثيلتها ‏الأمريكية أو الأوروبية.‏

وأيضا لم يحسب الرئيس ترامب وإدارته رودود الأفعال المضادة، وهى التعريفات المماثلة ‏على السلع الأمريكية، والسلع الأمريكية بطبيعتها غالية السعر، ومع تعريفات جمركية ‏إضافية، ستخرج من سوق المنافسة لطبقات غير قادرة على دفع أسعارها فى أوروبا وكندا ‏والمكسيك وبقية دول أمريكا اللاتينية والصين.

وطبقا لجدول الصادرات الأمريكية تأتى كندا فى المرتبة الأولى، وتصنَّف بأكبر شريك ‏تجارى للولايات المتحدة، ثم المكسيك، وبريطانيا، والصين، واليابان وألمانيا وكوريا ‏الجنوبية، وأكبر ثلاث دول فرضت أمريكا عليها رسوما هى: كندا والمكسيك والصين ويستوردون ‏من الولايات المتحدة فى حدود 850 مليار دولار تقريبا!‏

ويصدرون لها بأزيد من هذا المبلغ بـ650 مليار دولار.

وبأى معيار، لا توجد طاقة إنتاجية غير مستغلة فى الولايات المتحدة تغطى الفارق الذى يمكن ‏أن يحدث مقابل الواردات من هذه الدول، بينما هذه الدول تستطيع أن تجد بديلا أرخص ‏للمنتجات الأمريكية، دون أن نهمل القدرة الشرائية العالية فى السوق الأمريكية، نظرا ‏لارتفاع مستوى المعيشة.‏

باختصار قد يكون العالم مقبلا على حالة من الترقب، يصاحبها نوع من الكساد أو الركود، ‏حتى يجد المنتجون ثغرات ينفذون منها إلى السوق الأمريكية، وأتصور أن الجمهور ‏الأمريكى لن يقبل أو يتعايش بسهولة مع موجة قادمة حتما من ارتفاع الأسعار، خاصة أن ‏الاقتصاد الأمريكى يواجه تحديات عديدة منذ فترة، منها تباطؤ النمو وارتفاع معدلات ‏التضخم، ويتوقع الخبراء أن ينخفض معدل النمو من %2.8 فى عام 2024 إلى %2.2 ‏فى العام الحالي.‏

وليس غريبا أن يدخل عدد كبير من شركات أمريكية تعتمد على الأسواق الخارجية فى ‏دوامة عدم اليقين، فمالت حركتها إلى الركون وعدم الإقدام، حتى تتبين مواضع أقدامها.‏

من هنا يمكن أن نفهم كيف تغيرت مواقف أصحاب مليارات من سياسات ترامب، منهم كين ‏لانجون، واحد من أكبر مؤيديه المتبرعين له، وقال إن تعريفات ترامب مرتفعة وعاجلة دون ‏منطق، ويبدو أن هيئة مستشاريه يبدون له أراء سيئة، هل يعقل أن نفرض على فيتنام تعريفة ‏تبلغ 46%، وأن نضع 34 % إضافية ، لترتفع على الرسوم أعلى السلع الصينية %54، ‏هذه تعريفات عدوانية لا تمنح المفاوضات التجارية الجادة أى فرصة للنجاح.‏

ووصف بيل أكمان التعريفات الجديدة وهو أيضا من متبرعى حملة ترامب الرئاسية بأنها ‏خطأ سياسى فادح.‏ أما الملياردير ستانلى دراكنميلر، وكان مستشارا لوزير الخزانة فقد نشر على موقع أكس ‏معترضا: لا أؤيد التعريفات التى تتجاوز %10.‏

وقال ويلبور روس، وزير التجارة فى ولاية ترامب الأولى، لصحيفة فايننشال تايمز: إن ‏الشركات الكبرى يمكنها التعامل مع الأخبار الجيدة والأخبار السيئة على حد سواء، لكن من ‏الصعب التعامل مع عدم اليقين، الخوف من المجهول هو الأسوأ للناس، ونحن فى فترة من ‏الخوف الشديد من المجهول.‏

وفعلا لو نظرنا إلى النتائج العاجلة لتعريفات ترامب الجمركية، نجد فوضى تجارية عالمية ‏تشبه بركانا ثار فجأة، قطعا لن تستمر، وسوف تهدأ وتسكن، لكن على حرب تجارية، بين ‏القوة الاقتصادية الأولى على الكوكب، وبقية العالم، أى بين %26 لأمريكا و%74 لبقية ‏دول العالم، وقطعا ستكون مؤلمة لجيوب غالبية سكان الأرض ومعيشتهم ، خاصة أن نصف ‏هؤلاء السكان يعيشون على أقل من ست دولارات فى اليوم، و%26 منهم يعيشون فى فقر ‏مدقع، وهؤلاء لا يفكر فيهم ترامب ولا مليارديراته!‏