طارق الشناوي
كلمة و 1 / 2.. (شىء من الخوف) وأشياء أخرى
كثيرًا ما نُطل على الحكاية بزاوية خاصة فى العادة تؤكد قناعاتنا، حتى لو تناقضت مع الحقيقة.
مَن يدافعون عن الحقبة الناصرية بكل تفاصيلها يقرأون الواقعة بما يؤكد قناعتهم بالزعيم على اعتبار أنه كان مؤيدًا للحرية ومدافعًا شرسًا عنها ومشجعًا على تقديم الحقيقة، رغم أن عبدالناصر- مَثلاً- هو الذى أصدر قرارًا بمنع عرض فيلم (الله معنا)، إلا إذا، وهو ما ذكره لى الأستاذ إحسان عبدالقدوس فى حوار نشرته عام 1986 على صفحات (روزاليوسف)، ( إلا إذا ) تعنى حذف دور محمد نجيب من أحداث الفيلم تمامًا، وهكذا عرض الفيلم ولم يشاهد أحد الدور الذى لعبه زكى طليمات متقمصًا شخصية أول رئيس جمهورية يحكم مصر، ولم يتبقَّ منه إلا صورة فوتوغرافية تم التقاطها أثناء التصوير، ولو تنبهوا لصادروها أيضًا.
لم يكن مسموحًا طوال الحقبة الناصرية بذكر تلك الحقيقة، فقط يشار إلى أن عبدالناصر هو الذى تدَخّل لعرض الفيلم من دون الحديث عن المقايضة بـ(إلا إذا)!
واقعة أخرى نشيد فيها أيضًا بعبدالناصر ورحابة أفقه، فهو الذى صرّح عام 1969 بعرض فيلم (شىء من الخوف).
يجب أن نضع فى الحسبان أن عبدالناصر بعد هزيمة 67 غير عبدالناصر قبلها، الهزيمة أيقظته ودفعته لكى يفتح الباب، وظهر ما يُعرَف بسينما (الضوء الأخضر)، سمح لأول مرّة بانتقاد تنظيم (الاتحاد الاشتراكى) الذى كان ينظر إليه باعتباره أحد المقدسات، التى لا تمس، كما أنه (وارب) باب الصحافة قليلاً لكى تتناول فساد الكبار.
والواقعة المتداولة أن التصريح بـ(شىء من الخوف)، جاء بعد اعتراض الرقابة خوفًا من إسقاط شخصية (عتريس) «محمود مرسى» على «عبدالناصر»، والجانب الآخر للصورة تصبح (فؤادة) «شادية» هى مصر، والشعار (زواج عتريس من فؤادة باطل) يعنى أن قيادة عبدالناصر لمصر باطلة.
كان وزير الثقافة فى ذلك الزمن هو دكتور ثروت عكاشة الضابط المثقف، ولكنه لم يستطع التصريح بالفيلم ورفع الأمر إلى نائب رئيس الجمهورية أنور السادات، الذى لم يستطع أيضًا اتخاذ قرار وطلب أن يرسل الأمر برمته إلى عبدالناصر الذى قال تلك الجملة: (لسنا عصابة تحكم مصر يا ثروت) ووافق على عرضه.
عندما لا يجرؤ وزير ثقافة بحجم ثروت عكاشة ولا نائب رئيس متسع الأفق وفنان بطبيعة تكوينه مثل أنور السادات التصريحَ بعرض الفيلم، تلك الحقيقة ومن دون إضافة أى أسباب أخرى تؤكد أن عبدالناصر كان قابضًا بيده على السُّلطة، ولا يسمح لأحد غيره باتخاذ القرار حتى فى أدق التفاصيل.
السادات رأى عرض الشريط على ناصر هذا يعنى إدراكه أنه لا يوجد فيه ما يسىء إلى ناصر، إلا أنه كان يدرك أيضًا أن القرار يملكه رَجُل واحد.
هل قصد الكاتب الكبير ثروت أباظة بقصة (شىء من الخوف) حقًا التشكيك فى شرعية حُكم عبدالناصر كما تردد وقتها، وحتى الآن؟
هل نصدّق- مثلاً- أن أى كاتب مَهما كان موقفه من الثورة وناصر يستطيع أن يكتب شيئًا قد يراه البعض يحمل شيئًا من كل ما سبق ذكره؟!
لماذا رَدّدَ الشارع تلك المقولة، بأن ناصر هو عتريس وفؤادة هى مصر؟ إحساس الغضب الكامن بعد هزيمة 67 هو الذى دفعهم لهذا التماثل، ولكن لا أحد كان يقصدها!