الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
كدهوّن!.. نغزة الآنسة حنفى

كدهوّن!.. نغزة الآنسة حنفى

فجأة وبدون أى إنذار سابق شعرت بحركة غامضة بداخلى وكأن هناك كائنًا مجنونًا استباح معدتى الرقيقة وجعلها صالة أفراح شعبية تزدحم بالمدعوين المزعجين وتئن بضجيج أغانى المهرجانات وجسمى البرىء لا يستوعب كل ما يحدث بداخله ولا يستطيع طرد ذلك الكائن البجح الذى سمح لنفسه بأن يتطفل بداخلى ويتجول من أقصى اليمين لأقصى الشمال وكأن بطنى بيت أبوه، وعلى الفور استجمعت شجاعتى واستحضرت روح أم شهدى التى كانت تعمل فى بيت أمى وتُرجع كل الأمراض مهما اختلفت أعراضها إلى أنها برد فى فم المعدة ينتهى بكوب ينسون وأسبرين، وهكذا ترسبت بداخلى تلك القناعات وآمنت بكلام الحكيمة أم شهدى، فأنا بكل تأكيد أعانى من برد فى فم المعدة وكدهون.



 

ورحت أعمل كوباية ينسون سخنة على ثقة بأن ما أعانى منه هو فقط برد رخم فى فم المعدة مش أكتر وسيهدأ بعد تناول الينسون الساخن وما تيسر من أدوية البرد والمعدة وتعدى على خير زى كل مرة، ولكنها أبدًا لم تعدى على خير زى كل مرة واستمر الفرح الشعبى بداخلى يزداد حركة وضجيجًا وتقريبًا الرقاصة بدأت نمرتها فى بطنى، مما أثار مخاوفى، فاتصلت بطبيب صديق نصحنى بالتوجه فورًا لأقرب مستشفى طورائ للاطمئنان، فضحكت فى قرارة نفسى من مبالغات الأطباء وحاولت أن أطمئنه أنا بدورى وأؤكد له أنه مجرد دور برد بسيط، ولكنه أصر على أن أذهب على الفور إلى طوارئ أقرب مستشفى قبل أن تزيد الحالة ووقتها لن أجد من ينقذنى خصوصًا أننى أعيش بمفردى فتسرب الخوف بداخلى من هذا الهاجس المخيف وبدأت أتحسس مكان النغز المستمر بالجانب اليمين بجسمى وتذكرت نغزة الآنسة حنفى يوم زفافه على عروسه وكيف شعر السيد حنفى بمغص عنيف فى بطنه ليدخل غرفة العمليات ليخرج منها الآنسة فيفى ويودع عالم الرجال إلى الأبد وتبدأ مغامرات الآنسة فيفى فى دنيا النساء وكدهون استبعدت صورة الآنسة حنفى من خيالى بسرعة وقررت الانصياع لرغبة الطبيب وأذهب لأقرب مستشفى للكشف والاطمئنان حتى يستريح قلبى وتقر عينى وتهدأ بطنى من كل هذه النغزات المتلاحقة يمينًا وشمالاً وربنا يجعل كلامى خفيف عليكى يا آنسة حنفى، ورغم تأكدى من أنه مجرد برد فى فم المعدة كما قالت لى مربيتى الحكيمة أم شهدى فى قديم الزمان وكدهون ركبت سيارتى فى الساعة السادسة صباحًا وأنا أتخيل شكل الدكتور الشاب وهو يبتسم لى بعد الكشف الدقيق علىّ ويقول لى باستظراف الأطباء المعتاد: بطل دلع إنت زى الفل اتفضل ارجع بيتك، واسترحت كثيرًا لهذا التصور الساذج لما سوف يحدث بعد دقائق إلا أن الواقع كان له تصور آخر تمامًا، فقد وجدت أمامى موظف استقبال متجهمًا بلا سبب واضح ولم يهتم بوجودى أصلاً رغم أنى استخدمت كمية لا بأس بها من المحن وأنا أحكى له أنى مريض وموجوع ومحتاج طبيب، وقبل أن أخبره بأنى يتيم الأبوين قاطعنى قائلا بلا مبالاة بكل هذا المحن الذى أظهرته له : ادفع الكشف الأول واستنى دكتور الطوارئ هاينزلك حالا وكدهون تملكنى شعور بصدمة اليتيم على موائد اللئيم وجلست على الشيزلونج أنتظر ذلك الطبيب المنقذ دون جدوى وأضغط بيدى على نغزاتى المتلاحقة حتى تهدأ قليلاً وتمر اللحظات ثقيلة جدًا حتى شعرت بأن الزمن توقف تمامًا مع ازدياد الضجيج بداخلى بعد انتهاء فقرة الراقصة الشعبية دخلت على فقرة حسن شاكوش شخصيًا وده مابيرحمش وهاتك يا هبد ورزع فى بطنى، وعندما وصلت لتلك الفقرة بدأت أستغيث وأتوجع بصوت مكبوت فى البداية ارتفع تدريجيًا دون أن أدرى، وأخيرًا وصل المنقذ العملاق طبيب الطوارئ ضخم الجثة ويرتدى يونيفورم أسود زى أى حانوتى محترف نظر لى نظرة عامة وكأنه يبحث بعينيه عن مكان الإصابة فلم يعثر على شىء واضح فاضطر يكشف بنفسه حتى يصل لسبب النغزات وبعد كشف سريع قال لى بيقين من يمتلك الحقيقة الكاملة بمفرده: اشتباه بذبحة صدرية وهنا توقف الفرح الشعبى بداخلى للحظات وساد الصمت من هول الصدمة وقلت له بصوت مبحوح وقد تشبثت أصابعى بكرشه الضخم فى محاوله ساذجة منى أن أستبقيه بجوارى لعدة لحظات أخرى فقلت له: يعنى إيه ذبحة صدرية دى يا دكتور فاهمنى؟ فنظر لى بتعالى العلماء وتجاهلنى ثم وجه كلامه للممرض وكأنى هواء وقال بلا مبالاة: اعمل له رسم قلب بسرعة ومضى بغير رجعة إلى الجحيم ونظرت إلى الممرض وهو يضع لى جهاز رسم القلب وقلت له بضعف شديد: أنا مش فاهم هو إيه إلى بيحصل بالضبط؟ فقال لى بابتسامة لطيفة تعوض فجاجة طبيب الطوارئ: ماتقلقش دى حاجة بسيطة جدًا وفجأة قال لى: افتح فمك ثم وضع بداخله مجموعة لا يستهان بها من الأدوية ثم تركنى هو أيضًا ومضى إلى حال سبيله، وقبل أن يرحل سألته عن اسم الطبيب العملاق فقال لى: دكتور محمود فأخذت نفسًا عميقًا وهتفت بأعلى صوتى: يا محمووووود يا دكتور محمود تعالى فهمنى أنا عندى إيه؟ ولم يستجب محمود الندل لصرخاتى وأسئلتى المشروعة، وبقيت بمفردى أجتث الذكريات الممزوجة بالخيالات وأحلام اليقظة أو كوابيسها وشعورى بقرب الأجل وأشفقت على أولادى، ومع استمرار النغزات عاد شبح الآنسة حنفى مرة أخرى وهو يصرخ من وجع النغزات وهنا بدأ الألم يشتد وبدأت أصرخ بشكل هيستيرى فكيف أواجه المجتمع بكل هذه النغزات المهولة؟ ولماذا تركونى كل هذا الوقت فى الطوارئ بدون الشروع فى علاجى إذا كان الأمر حقًا ذبحه صدرية؛ فلماذا لا أعالج بأسرع وقت كما يحدث فى الأفلام الأجنبية، فلماذا لم تحضر تلك الممرضة الحسناء ذات الطلة الملائكية والتى تشبه الفنانة مريم فخر الدين لتحتوى مخاوفى وتهدئ من روعى؟ أين أنت يا مريم؟ ولماذا أنا مركون على جنب؟ فلم أكن أدرك أنهم تركونى حتى تأتى شقيقتى كى تسدد المبلغ المطلوب قبل بدء العلاج وكدهون، وجاءت أخيرًا شقيقتى رندة ودفعت المطلوب وهنا بدأت المستشفى تُدرك دورها الحيوى فى إنقاذ المرضى والمصابين، وعلى الفور تم وضعى على ذلك السرير المتحرك بمنتهى السرعة وبدأت الخطوات المسرعة لدرجة 

أننى اعتقدت للحظات أننى سوف أسقط على الأرض من فرط حركتهم السريعة بالسرير المتحرك الأقرب للنقالة وأنا مستسلم لهم تمامًا رغم الألم المتزايد طلبت من شقيقتى الاحتفاظ بأشيائى معاها وخصوصًا النظارة الطبية لأنى مش شايف حاجة من غيرها وفجأة تملكتنى روح (الآنسة حنفى) الشهيرة بإسماعيل ياسين فى الفيلم الذى يحمل نفس الاسم وهى تعانى من آلام الطلق استعدادًا للولادة وتصرخ بأعلى صوتها تنادى على الداية: يا أم السعد يا أم السعد الحقينى يا أم السعد، كما أصرخ أنا الآن مع الأطباء والممرضات أطلب النجدة ولا أحد يستجيب فصرت أصرخ بأعلى صوتى مرات ومرات كأى أم على وشك الولادة تعانى من وجع الطلق الذى يضرب أرجاء جسمها كله وفى كل اتجاه كما يفعل معى تمامًا ذاك الألم اللعين، فتمنيت فى تلك اللحظات العصيبة أن أصرخ: يا أم السعد، يا أم السعد حتى تظهر وتطبطب على وجهى بحنان بنت البلد الجدعة المحنكة على تلك الأمور وتقول لى: ما تقلقش يا منعم دى حاجة عادية خالص وهاتعدى على خير، ولكنها لم تظهر وتركتنى رهينة فى أيادى من لا يرحم والوجع يشتد وصدرى يتمزق وأرفع يدى فى الهواء فى محاولة طفولية منى للإمساك بأحدهم دون جدوى وأنا أسير على تلك النقالة اللعينة فى ممرات المستشفى اللانهائية وأنا لا حول لى ولا قوة وكأنى بالفعل على وشك الولادة خصوصًا أن جميع من حولى صامتون ولا أحد مهتم بتهدئتى أو إبلاغى بما سيحدث لى بعد كل هذه الممرات التى أسير بها وكأنى أعيش كابوسًا واقعيًا، فأغمضت عينى واستعدت روح الآنسة حنفى مرة أخرى ولكن هذه المرة لكى أنسى أو أتناسى الوجع وأعيش مع ذكرياتى الضاحكة مع تلك الآنسة الفاتنة التى استطاعت بمهارة تحسد عليها أن تلد أربعة أطفال فى بطن واحدة حتى هتفت الداية أم السعد فى سعادة وانبهار كبير: الله عليكى يا ست فيفى يا أبهة وكدهون أخيرًا وجدت نفسى بسرير بالرعاية المركزة بجوار زملائى المرضى الذين يشاركونى الصرخ فى هذا المستشفى المريب وعلى صوت مريض فى حالة انهيار ويستغيث بأولى الأمر ويقول لهم: أنتم بتعالجونى من ذبحة صدرية وأنا عندى ارتجاع فى المرىء وعندما سمعت تلك الجملة ذهبت فى إغماءة طويلة لا تدرى أهى بسبب المخدر أم بسبب تلك الجملة التى سمعتها للتو من ذلك المريض البائس وكدهون صحيت من نومى فلم أجد ذلك المريض ولم أفهم هل نقل إلى غرفة عادية أم نقل إلى الرفيق الأعلى وبدأت معاناتى داخل هذه الرعاية غير المركزة وسط تأوهات المرضى واختفاء الأطباء واستمرار النغزات طوال الوقت دون توقف ودون تفسير طبى يحلل حالى كما حدث مع حالة الآنسة حنفى فى لحظات تم تشخيص حالتها وإجراء العملية بينما أنا محجوز فى تلك الرعاية المركزة الأقرب للوكاندة الأمراء اللى فى باب اللوق، فهل كان الذى نتقدم فى زمن فيلم الآنسة حنفى عن وقتنا هذا أم أن حظى التعس قادنى للمستشفى الخطأ.. وكدهون فصرت أهتف بلا هدف ربما يسمعنى أحدهم ويسعفنى، فأى حد ممكن يساعدنى يجب ألا يتأخر، فالوجع يضرب فى كل جانب من جسمى بلا هوادة ولا رحمة حتى علت صرخاتى وأنا أفعل كما فعلت الآنسة حنفى وهى تضع مولودها الأول وتتشبث بضهر السرير وتحرك رأسى يمينًا ويسارًا مثل أى مروحة كهربائية حائرة فى يوم شديد الحرارة صرت أتحرك يمينًا ويسارًا وأنادى على أم السعد تنقذنى من هذا العذاب فقلبى من الأشواق ذاب كما أخبرنا عبدالحليم حافظ دون جدوى حتى صرت أهتف بأى اسم يأتى بذاكرتى دون أن يكون له وجود فعلى فى المستشفى، مما جعل بعض المرضى يتعاطفون معى يأتون لى فى مشاركة وجدانية ويجمعنا الوجع وغرفة الرعاية المركزة المهجورة تقريبًا من الأطباء حتى أصبح جميع من فى المستشفى يعرفون بالاسم وكدهون لمع بعقلى اسم الدكتور سراج زكريا وشرحت له معاناتى ونغزاتى وتقلباتى حتى صاح فى الموبايل دى أعراض المرارة مش ذبحة صدرية وأمرنى بأن أترك لوكاندة الأمراء هذه وأن أذهب له على الفور لإجراء جراحة عاجلة وكدهون نواصل رحلتى من المرض للشفاء الأسبوع القادم.