الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الطريق الثالث.. علاقات مصر الخارجية بين السادات وابن شقيقه لغز الوصال والقطيعة فى علاقات مصر مع إيران

الطريق الثالث.. علاقات مصر الخارجية بين السادات وابن شقيقه لغز الوصال والقطيعة فى علاقات مصر مع إيران

يفقد عشاق اقتناء الكتب (زى حالاتى) عناوين مهمة تتوارى بين المشتريات الجديدة، خاصة مع تراجع إيقاع القراءة مقارنة بمعدل الشراء، ولهذا أحرص كل فترة على مراجعة محتويات المكتبة، والتى دائماً ما تفاجئنى بعنوان مدهش لا أتذكر أبداً أنى اشتريته، ولهذا أمنح هذا الكتاب لقب «هدية السماء» التى تأتى على غير موعد، تعيدنى إلى متعة القراءة، وشغف الاطلاع، وبهجة المعرفة.



 

وكانت هدية السماء هذا الأسبوع، مدخلاً مثالياً إلى موضوع المقال عن «علاقات مصر الخارجية»، وكان الكتاب التائه منذ سنوات بعيدة هو «العلاقات المصرية الإيرانية.. بين الوصال والقطيعة 1970 - 1981»، الصادر سنة 2007 عن دار الشروق، فى إطار سلسلة التاريخ، الجانب الآخر، إعادة التاريخ المصرى، وهى سلسلة مميزة، أظنها توقفت بعد يناير 2011 لأسباب مجهولة، أما المؤلف فهو الدكتور سعيد الصباغ، الأستاذ بكلية الآداب والمتخصص فى الشأن الإيرانى.

قفزة السادات

والكتاب بحق رحلة ممتعة فى أروقة «السبعينيات» شديدة الثراء، بكل ما فيها من سيولة سياسية وصدامات عسكرية وصراعات أيديولوجية وثورات وحروب، حقبة حافلة ومؤسسة لكل ما جرى بعدها على الصعيد الدولى والعربى، وفيما يتعلق بمصر يكفى أنه قد تحقق فيها أعظم نصر عسكرى فى تاريخها الحديث، نصر أكتوبر الذى عبر بمصر من الهزيمة إلى النصر، ومن الماضى إلى المستقبل، كما عبر بالسياسة الخارجية المصرية سنوات ضوئية فى علاقتها مع من كانت تعاديهم قبل سنوات قليلة، وأولهم إيران التى زارها وزير الخارجية المصرى محمود رياض فى إبريل عام 1971، وكانت مصر قد قطعت علاقتها معها فى عام 1960 بعد الاعتراف الإيرانى بإسرائيل. 

ومثلت حقبة السبعينيات خلال حكم الرئيس السادات منعطفا تاريخيا للدبلوماسية المصرية، فقد شهدت أخطر مراحل التحول فى سياسات وتوجهات مصر على الصعيد الدولى وعلاقاتها بالقوى العظمى، وحدثت القفزة الكبرى بالانتقال الكامل من المعسكر الروسى بكل تكلسه وضيق آفاقه وتراجع قوته، إلى المعسكر الغربى بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية التى كانت تمتلك كل أوراق المستقبل، وليس أوراق اللعبة فقط كما كان يردد بطل الحرب والسلام.

اللغز الإيرانى

وينطلق الكتاب بحثا وراء حل لفرضية لغز «القطيعة» التى عرفتها العلاقات المصرية الإيرانية منذ عام 1979، بعد استيلاء الثورة الإسلامية على الحكم فى البلاد، بذات الدرجة التى بدأ بها «الوصال» بين البلدين الذى عرفته تلك العلاقات خلال الفترة التى أعقبت وفاة الرئيس عبدالناصر سنة 1970، فقد كانت قبلها العلاقات يغلب عليها الجفاء بسبب التعاون الإيرانى مع إسرائيل، وهى أيضاً كانت الدافع إلى الوصال بين السادات والشاه، فيما كانت إسرائيل (للمرة الثالثة) هى الباعث الرئيسى للقطيعة مع الخومينى، ويضيف المؤرخ الراحل الدكتور يونان لبيب رزق فى مقدمته لكتاب الدكتور الصباغ، أسباباً أخرى منها قبول مصر لجوء الشاه المخلوع لها، وموقف مصر من احتجاز الثوار الإيرانيين للرهائن الأمريكيين، فضلاً عن موقف حكومة القاهرة من الحرب العراقية – الإيرانية، وزاد الأمور سوءاً التحريض الإيرانى على قلب نظام الحكم فى مصر.

اللغز المصرى

ومحاكاة لفكرة الدكتور الصباغ فى مدخل كتابه عن العلاقات المصرية الإيرانية قبل عقود، هل يجوز لنا تسمية الموقف المصرى الحالى باللغز فيما يتعلق بمستقبل علاقاتها مع إيران، ظنى أن ما جعل الأمر يعرج إلى هذا المنحى هو كثرة التكهنات خلال السنوات الأخيرة، والتى تبشر بتقارب وشيك بين البلدين، يعقبها تصريحات منسوبة إلى مصادر إيرانية تؤكد البشرى، بينما الصمت المصرى الدائم هو ما يصنع الغموض، الذى تحول عند البعض إلى لغز عصى على التفسير والحل.

وحل هذا اللغز مرهون بالفهم الأوسع للسياق العام الذى يحكم العلاقات الخارجية المصرية خلال السنوات العشر الماضية، وتحديداً منذ قيام ثورة 30 يونيو المجيدة عام 2013، فقد نجحت القيادة الرشيدة للبلاد، فى أن تعيد مصر إلى مكانها اللائق على الخارطة الدولية، وقراءة معمقة لعلاقات مصر عبر دوائر ومستويات تفاعلها الخارجى، تكشف تنامى قدرتها على التأثير فى محيطها الإقليمى سواء العربى أو الإفريقى، وقد شهد كلاهما تراجعا مفزعا فى سنوات التيه (2011 : 2013)، والتى سميت بالربيع العربى، واستنادا إلى منهج «الدبلوماسية الهادئة» نجحت مصر فى استعادة المكان والمكانة، وعلى الصعيد الدولى وفى ظل متغيرات عاتية أربكت العالم خلال هذه السنوات، طورت مصر علاقاتها مع القوى الكبرى، وأسست لمنهج عقلانى فى العلاقات الدولية، قائم على احترام سيادة الدول وعدم التدخل فى شئون الغير، وتبنى المناسب من الأجندة الدولية فيما يتعلق بتحقيق التنمية المستدامة، والتفاعل الإيجابى مع الخلافات والضغوط التى تمارسها بعض الدول، بدبلوماسية راقية قائمة على الحوار المتزن والندية والحفاظ على المصالح المشتركة. وإذا استوعبنا الكلام السابق، سنتفهم سر توقيت عودة العلاقات المصرية التركية خلال الأيام الماضية، وسندرك موعد عودة السفراء بين القاهرة وطهران واستئناف العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإيران، فكل من تركيا وإيران يمثل أهمية استراتيجية كبيرة لمصر وللأمة العربية، ولهذا مصر حريصة على التفاعل البناء معهما وبناء جسور العلاقات على أسس متينة، بعيدا عن فوران الحماس اللحظى، الذى يقترن دائماً بتفاهمات إقليمية أو دولية، مصر تختار ما يناسبها وفق ما يخدم أهدافها، بعيدا عن التكهنات الإعلامية أو العنتريات السياسية.

السادات (الصغير)

ولأن هدايا السماء لا تتوقف، فقد وصلنى عبر أحد (جروبات الواتس) المزعجة، بياناً مقتضبا من رئيس حزب الإصلاح والتنمية، محمد أنور عصمت السادات، وللمصادفة يقترب محتواه مع موضوع المقال ولكن بصورة عكسية، حيث يعترض (ابن شقيق الرئيس السادات) على مجمل سياسة مصر الخارجية خلال السنوات الماضية، وقد خص علاقات مصر مع كل من إيران وتركيا، متسائلاً: «هل يعقل أن نكون أخر من يعيد علاقتنا معهما؟»، كما يتعرض سريعا إلى علاقات مصر مع دول الجوار، ثم عربياً ودوليا، مستخدما أوصاف غير صحيحة، مثل «التردي» و«التخبط» و«التراجع»، والبيان فى مجمله يعكس حالة فقر سياسى لدى كاتبه، على عكس عمه الراحل السادات (الكبير) الموهوب سياسيا، الغنى بفكره ورجاحة رؤيته وبصيرته النافذة التى قفزت بمصر إلى المستقبل، فى المقابل يأخذنا السادات (الصغير) إلى ماضٍ سحيق فى فهمه للعلاقات الخارجية بين الدول، وينضح بيانه بأكليشيهات قديمة وبالية، ربما تسهم فى كشف جانب مهم عن ثقافة العاملين بالحقل السياسى.

والتعاطى الإيجابى مع مثل هذه الترهات، يستدعى إسهاما مجتمعيا عاجلاً، فهى ليست أزمة السادات وحده، فقد رصدت من حضورى لأغلب جلسات الحوار الوطنى، تراجعا ملحوظا فى ثقافة كثير من رؤساء الأحزاب المصرية، تكشفها آراؤهم المشتتة، وأفكارهم المستهلكة، والنقص الفاضح فى المعلومات وعدم الإلمام بالقضايا محل النقاش، وهى أمور تستدعى مزيداً من التثقيف العاجل كركيزة أساسية للإصلاح السياسى، الذى أنطلق مع الدعوة الكريمة للرئيس السيسى إلى «الحوار الوطنى» قبل أكثر من عام، والذى تجلت ملامحه عبر منصة حوارية ديمقراطية مستمرة، تؤسس للنظام السياسى فى الجمهورية الجديدة.