الثلاثاء 22 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
ثورة الإعلام من الإخبار إلى الإفهام

ثورة الإعلام من الإخبار إلى الإفهام

طرح الصحفى الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل ذات مرة فكرة إعلامية ذات رؤية واقعية مهنية لواقع الإعلام المعاصر وذلك فى معرض إجابته على سؤال طرحه عليه الإعلامى محمد كريشان فى إحدى حلقات برنامج “مع هيكل” الشهير والذى كان يعرض على شاشة قناة الجزيرة، وهى ذات الفكرة التى كانت محور حديث منذ سنوات دار بينى وبين أحد التنفيذيين الإسبان المشتغلين فى صناعة الاستراتيجيات الإعلامية، والذى تركز حول مفهوم الإعلام المعاصر ما بين كونه إعلاماً يهدف إلى تحقيق هدف (إعلام) المتلقى بما يحدث و(إخبار) المتعطش للخبر حول ما يجرى وما بين مفهوم هذا الإعلام المعاصر الذى غيرت الوسائل الإعلامية التقنية من طبيعته وآلياته وتوقعات المتلقين منه، فلم يعد كما يقول الأستاذ هيكل واجب الإعلام هو العمل على إخبار وإعلام المتلقى عن ما يجرى من أحداث حول العالم لأنه بحكم تعدد الوسائل وتنوعها أصبح يعلم عن الحدث فور حدوثه وهو بذلك ليس فى حاجة للإعلام التقليدى أن يقوم بدوره التقليدى بإخبار الخبر وإعلام الناس حول ما حدث، بل كما يقول هيكل على الإعلام المعاصر أن يتحول من عملية (الإعلام) و(الإخبار) إلى عملية (الإفهام).



عملية الإفهام فى الإعلام مفادها فى أبسط صورها أن يتحول الإعلام إلى وسيلة تنقل للمتلقى المعانى المختلفة للحدث بكل تفاصيلها المتجردة وذلك لكى تعطى تصورا كاملا للمتلقى عن العوامل المجردة التى أثرت فى حدوث الحدث وذلك لكى يخرج المتلقى من هذه العملية التى تقوم بها وسائل الإعلام التقليدية بنتيجة فهم حقيقة ما جرى بدلا من إستمرار الإعلام فى أداء عمل يقوم به اليوم الجميع محترفين وغير محترفين من إعلام وإخبار عن ما حدث.

حديث الأستاذ هيكل عن الإفهام كمصطلح رديف بل وجديد لمصطلح الإعلام فى تقديرى يعد لب ثورة العمل الإعلامى المؤسسى المعاصر، وهو تماما الرأى الذى كان محور حديثى من التنفيذى الإسبانى الذى عمل لسنوات عدة على إعادة رسم سياسات عدد من الوسائل الإعلامية العالمية والتى كانت جميعها منطلقة من قناعة القائمين عليها بأن زمن الإعلام بمفهومه التقليدى قد أصبح من الماضى وبالتالى لا بد من إعادة صياغة العمل الإعلامى المهنى بطريقة أكثر تقدما وتميزا، فهم كانوا على قناعة تامة بأن منصات مثل فيسبوك وتويتر وتيك توك وغيرها من الوسائل الإعلامية ذات النمط الإجتماعى جعلت من الخبر منتجًا إعلاميًا مشاعًا إنتاجه للجميع، وبالتالى أصبح من الصعب السيطرة على مكوناته ويستحيل بالتالى احتكاره مهنيًا مهما كانت الخبرة ومهما كان انتشار ووصول تلك الوسيلة الإعلامية التقليدية أو تلك.

دعوة الأستاذ هيكل كانت صريحة فى العمل على الارتقاء بالعمل الإعلامى فى العالم العربى بحيث يبدأ فى التعامل مع كينونته بشيء من الواقعية وكثير من المنطقية ومصارحه للذات حول حقيقته التى من الصعب وفق ما هى عليه الآن أن تنافس السوق المعلوماتية العالمية ما لم تغيّر من نمطها الحالى فى تعاطيها مع هذا الإعلام والذى لم يعد يرى فى الإذاعة مصدراً للأخبار ووالترفيه ولم تعد الصحف مصدرا مشعا للرأى والرأى الآخر ولم يعد التلفاز المنفذ الوحيد للخبر المصور والسحر الذى طالما تحكم فى عقول الناس بما كان ينقله على الهواء مباشرة من أحداث وقصص وتوجيه، وبالتى فدور الإفهام بحيادية ومهنية وتحرر من قيود التوجيه والتسويق هو الدور الوحيد المتبقى للإعلام التقليدى المعاصر والذى لم يزاحمه أحد حتى الآن، ولعل هذا الدور هو المنقذ والضامن الوحيد لاستمرار مؤسسات الإعلام التقليدى فى لعب دور ولو محدود فى زمن ثورة المعلومات التى لم تعد محتكرة فى يدى وسيلة إعلامية مهما حلم الحالمون.