الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
حين يكون القتل بلا إجابات!

حين يكون القتل بلا إجابات!

عادى جدا أن تتآمر خادمة مع زوجها أو صديقها أو عشيقها، ومعهما آخرون أقارب أو جيران، ويقتلون ثريا يعيش وحده سواء كان رجلا أو سيدة، وقد وقعت هذه الجريمة عشرات المرات وربما آلاف المرات، على امتداد كوكب الأرض من أقصاه إلى أقصاه، لكن أن يدبر المؤامرة طبيب ومحامية، فهذه جريمة تفوق قدرة «الشيطان» نفسه على تصور وقوعها، وهذا لا يعنى أن الأطباء لا يرتكبون جرائم ولا المحامين، ولكن أى جريمة تفسيرا وتحليلا مرتبطة دوما «بالدافع» لها، دافع يمكن أن نظنه منطقيا، احتمالات الشر كامنة فى ثناياه، شر قابل أن يهبط بصاحبه من علياء القيم إلى حضيض السفالة.



لكن أن يدبر طبيب عملية «قتل» لصديقه الطبيب ويطلب معاونة صاحبته المحامية أو العكس أيا كانت التفاصيل الملتبسة، ومعهما عامل فى عيادته، لكى يسرقوا بضع عملات أجنبية وبطاقات ائتمان بنكية، قد لا يستطيعون التصرف فيها أو التعامل بها، أو يقايضون حياته مقابل فدية ثمينة، فهذا خارج حدود أى عقل أو فكر أو تصور، حتى لو كان تصورا مريضا.

هذا دافع فى غاية الضعف، وإذا كانت لحظة القتل هى لحظة جنون مؤقت لمرتكب الفعل الرهيب، فإن هذا التخطيط من طبيب ومحامية هو عمل عبثى، يشبه مسرحيات العبث أو اللامعقول التى ظهرت فى أوائل الخمسينيات من القرن العشرين بقلم الكاتب الأيرلندى الأشهر صمويل بيكيت، وإذا كان أهل المسرح لم يفهموا أو يستوعبوا «فى انتظار جودو» وقتها، عملا مسرحيا غامض الفكرة، عجيب التكوين الدرامى، بلا عقدة وبلا حل، والنص عن شخصين فيهما قدر من التناقض فى الأفكار والصفات الصحية والجسمانية ينتظران شخصا ثالثا اسمه جودو، لا يأتى أبدا، ويدخلان طول الوقت فى حوارات متلاحقة لا رابط بينها عن أشياء فى حياة كل منهما، ثم يسدل الستار دون هذا الـ«جودو».

ويبدو أن صمويل بيكيت كان يلمح لنا بعبثية أحداث تقع فى حياتنا، بلا منطق، بلا رابط، بلا معنى.. وبلا إجابات أيضا، وعلينا أن نعيش معها ونتأقلم عليها دون أن نحاول فك طلاسمها.

طبعا هذه جريمة طلسمية عبثية، طبيب يقتل من أجل بضع عملات أجنبية، مبلغ تافه للغاية، فكم يمكن أن يحمل إنسان مهما كان ثراؤه نقودا سائلة فى محفظته؟، خمسمائة دولار، ألف دولار، خمسة آلاف دولار، باعتبار أن الدولار هو العملة الأثيرة لدى المصريين؟

هل تستاهل الخمسة آلاف دولار أن يقتل طبيب طبيبا من أجلها، حتى لو صارت الآن بمئتى ألف جنيه فى السوق السوداء؟، فهى لن تشترى لا سيارة ولا غرفتين فوق سطوح عمارة ولا أجهزة طبيبة حديثة، ربما عشرة أمتار فى منطقة الساحل التى فيها عيادته.

طيب.. هل سيطلب مليون جنيه فدية، ربما خمسة ملايين، قد ترتفع إلى عشرة ملايين؟، قد يكون مبلغا مغريا للغاية، لكن كيف يفر بجريمته من العقاب القانونى وهو ليس مجرما محترفا؟، المحترفون لهم ملاجئ ومخابئ فى الجبال النائية أو الأماكن المهجورة أو العشوائيات التى لم يطلها الإصلاح بعد، أما الطبيب فهو «يا مولاى كما خلقتنى» فى عالم الإجرام، لا يعرف جبالا يستطيع أن يعيش فيها ثم يتنكر كلما نزل إلى مدينة أو مركز لبضع ساعات أو أيام لينفق ويستمتع بسرقته ثم يعود إلى مخبئه قبل أن تفوح رائحة نقوده الملطخة بالدم؟ هل يفر بها إلى الخارج بأوراق مزورة بعيدا عن عيون القانون الذى سجله على قوائم الممنوعين من السفر؟ كم سيدفع للمزورين المحترفين أو لمهربى البشر المحترفين؟ وكم سيدفع لعامل العيادة؟ وكم سيتبقى له؟

مئة ألف دولار مثلا؟ وأين سيذهب بها ليبدأ حياة جديدة فى مجتمع يجهل دقائقه اليومية ويتخلى عن زوجته وأولاده؟ وقد تصل أخباره الجديدة إلى الشرطة فيطارده الإنتربول؟

كيف غفل عن مخاطر السجن والإعدام التى يمكن أن يحسبها إنسان تعلم، ست سنوات فى الابتدائى، وثلاث فى الإعدادى، ومثلها فى الثانوى العام، وسبع سنوات فى كلية الطب؟

نعم هذه حسابات لا يفكر فيها بلطجى أو جاهل أو لص محترف أو مجرم تربية شوارع، لكن أن تسقط من إدراك متعلم تربى فى عائلة، وتفوق فى دراسته بكلية الطب وعمل فى مستشفى كبير وعرف بمهارته إخصائيا فى أمراض العظام.. كيف؟

طبعا ثمة أطباء يسقطون فى فخ الجريمة بحثا عن «فلوس» إضافية أو ثراء محتمل من أعمال مشبوهة مثل عمليات الإجهاض وسرقة الأعضاء.. إلخ؟، وقد تلفظ الضحية أنفاسها فى هذه العمليات، لكن جريمة سرقة خفيفة مقرونة بالقتل..هذه مسرحية عبثية حقا، أو مسرح ما بعد العبث!

بالطبع لا تعنينا التفاصيل، وكيف اتفقوا على الجريمة أو كيف نفذوها.. إلخ؟، فالتفاصيل لا تفسرها تفسيرا مفهوما؟، هل الطبيب هو الذى أقنع المحامية أن تشترك فى ثلاث جرائم مركبة: خطف وسرقة وقتل؟ هل نصدق أن وعده لها بالزواج الرسمى بديلا عن الزواج السرى بينهما عندما كانا طالبين فى كليتى الطب والحقوق يجعلها تقبل هذا العرض الدموى؟

هل هى التى أقنعته بالجريمة أو بدأتها دون علمه ثم تورط معها وأكمل طريق الشر إلى نهايته؟

وأصلا كيف سلما رقبتيهما إلى العامل الذى عاونهما فى الجريمة المركبة، والذى يمكن أن يبتزهما إلى آخر يوم من عمرهما؟

هل ثمة دافع خفى أقوى من الخطف والفدية والسرقة؟

ما زال التحقيق مستمرا، وأيضا شذوذ هذه الجريمة وغرابتها.

وبالمناسبة ثمة جرائم عبثية كثيرة تقع منذ فترة فى مجتمعنا، دون أن يتقدم المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية ويحاول أن يفك طلاسمها بطريقة علمية، تساعد المجتمع على الحد منها أو التعامل الصحيح معها.. ماذا حدث لهذا المركز الذى كان فنارة تضىء وتفسر أغلب الظواهر غير العادية فى مجتمعنا؟..هذا موضوع آخر قد نعود إليه مستقبلا.

ونعود إلى الجرائم العبثية، مثل الجريمة التى وقعت فى مدينة المنصورة قبل عامين، حين قتل طبيب أسنان زوجته الطبيبة بـ11 طعنة بسكين المطبخ، وهما يتشاجران كما اعتادا منذ زواجهما قبل سبع سنوات، فى ذلك اليوم كما قال فى التحقيقات التى نشرتها الصحف والمواقع الإخبارية إن الخناقة المعتادة اشتعلت فى ذلك اليوم، فأهانته وشتمته وشتمته بأمه، فلم يتمالك أعصابه ووجد سكينا بالمصادفة أمامه، فاستله وطعنها وفر هاربا ولم يكن يقصد قتلها!

11 طعنة ولم يكن يقصد قتلها؟، كم كان قدر الغل والغضب المتراكم داخله وقتها؟

والسؤال: هل كان القتل أسهل من التسريح بإحسان سواء منه أو منها؟ وكيف سمحا لعلاقتهما أن تصل إلى هذه الهاوية العنيفة وهما طبيبان؟

قد يفسر علم النفس الجنائى جريمة المنصورة، فالإهانة الشديدة تكون دافعا فى لحظة الغضب العارم؟

لكننا قد نتوقف أمام جريمة قتل تتوافر لها كل عناصر العبث، زوجة تقتل زوجها بعد 12 عاما من الزواج وثلاثة أولاد، مع شريك لها، الشريك لم يكن عشيقا كما فى الدراما أو الواقع، كان زوجها الأول الذى أنجبت منه بنتا، نعم الزوج الذى تخلصت منه بالمأذون وفسخ العقد الشرعى، أى لها تجربة فى التخلص من زوج دون إراقة الدماء، ومؤكد أن هذا الزوج المفصول حاول مرارا وتكرارا أن يعيد المياه إلى مجاريها من أجل ابنته، ومؤكد أنه أرسل بعض الوسطاء الذين باءت محاولاتهم فى رأب صدع الطلاق بالفشل، ومؤكد أن الزوجة ما صدقت أنها تخلصت منه بدليل أنها تزوجت بعد شهور قليلة من انتهاء عدتها، بل وانتقلت مع زوجها الجديد إلى محافظة بعيدة، فكيف يعملان بعد 12 عاما من الانفصال الطويل على استرجاع «ماض» مات وشبع موتا ولم يبق منه إلا شاهد قبره وهو البنت؟ وأن ينفذا ذلك بالدم وليس بأن تطلق من زوجها الجديد أو تهجره وترفع قضية خلع؟

قالت الزوجة القاتلة فى التحقيقات: طلبت منه عدة مرات أن أزور ابنتى فى منزل طليقى بالقليوبية، فرفض وأصر على أن تأتى هى لزيارتى، فحدثت خلافات دائمة بيننا، وقررنا أنا وطليقى السابق التخلص منه، وعودتى إلى عصمته!!

هل هذا دافع مقنع للقتل؟

لا تحاولوا أن تفهوا الأسباب، فالإنسان لغز الألغاز!