الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

سقوط ورقة من ذاكرة الثمانينيات علاء عبدالخالق.. رحيل نجم الصوت الدافئ

اعتادت أجيال على سماع صوته الدافئ.. فتتهامس أغانيه مع نسمات الصيف الهادئة ويشكل بفنه ذاكرة جيل الثمانينيات بطفولته وشبابه.. فقد استطاع النجم الراحل علاء عبدالخالق أن يكون جزءا مهما من تطور الأغنية العربية فى ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى. 



وبرحيله تسقط ورقة أخرى من ذاكرة أجيال ظلت تنتظره طوال سنوات غيابه ورحبت بعودته السريعة التى سبقت مرضه بسنوات قليلة.. ليرحل قلبه مثل «الطيارة الورق» المحملة بالأحلام والكثير من الألحان التى لم يغنها بعد.

 موضات

لم يكن فى حسبان علاء الشاب الصغير عاشق الموسيقى أن ينجذب للغناء، فقد درس المجال الذى يحبه وتخرج أواخر السبعينيات من معهد الموسيقى العربية متخصصا فى العزف على آلة العود. وقد اختار العزف على آلة تشبه نبرات الشجن فى صوته. ثم علم من بعض الأصدقاء عن اختبارات يجريها الموسيقار عمار الشريعى لاختيار مجموعة من الأصوات الجديدة ليقدمها للساحة الفنية. 

فكر علاء أنه من الممكن أن يتجه للغناء مع الاحتفاظ بحبه للموسيقى، ولكنه لم يكن توقع نجاحه، فقام بخوض الاختبار تاركا المجال لصوته الذى كان يشدو بعدد من التواشيح والمواويل. أداءه السهل الممتنع ومقامات صوته جذبت آذان الموسيقار الكبير وقتها، فانبهر به وقرر تبنى موهبته.

كانت فكرة الفرق الموسيقية الغنائية إحدى أبرز موضات بداية حقبة الثمانينيات من القرن الماضى، فقام الشريعى بإطلاق فرقة الأصدقاء الغنائية والتى تشمل 3 مطربين وهم علاء وحنان ومنى عبدالغنى. ثلاثة أصوات يحمل كل منهم حلمه على كفه، ليخوضوا أولى تجاربهم الغنائية بأغنية «موضات» والتى حققت صدى كبير لدى جماهير الشباب وأصبحت حديث الشوارع والشواطئ وقتها. واستمرت الفرقة فى نجاحاتها لسنوات قليلة ليفترق كل من الأصدقاء واحدًا منهم تلو الآخر وينطلق بنجاحه الشخصى.

على الرغم من أن الغناء لم يكن هدف علاء فى بداية مشواره إلا أنه جذبه بشدة ،خاصة أنه حقق نجاحا بالفعل فى الوصول للجماهير وذاع صيته كثيرا مما جعله يعمل على إطلاق أول ألبوماته منفردا بمساعدة الموسيقار وصديقه حميد الشاعرى، وأطلق أولى ألبوماته عام 1985 بعنوان «مرسال» والذى وضع علاء على أول سلالم المجد كأحد أبرز أيقونات الطرب الشبابى لجيلى الثمانينيات والتسعينيات، وتربع على عرش قلوب محبيه حجز لنفسه مكانا بين كبار المطربين فأصبح جيل الشباب ينتظرون أغانيه ويتابعون كليباته التى أشتهر بها.

 لازم أحبك

لمع نجم علاء عبدالخالق سريعا وبدأ مرحلة النجومية والشهرة منذ بداية الثمانينيات. فكان الشباب ينتظرونه حتى أنه تصدر أغلب ألبومات «الكوكتيل» التى اشتهرت بها فترة التسعينيات والتى كانت عبارة عن أغانى مجمعة لألمع النجوم وقتها. كان اسم علاء عبدالخالق يتصدر أغانى حفلات النوادى والمراكز والحفلات العامة فيجب أن تجد مجموعة من المطربين الشباب، أغلبهم من اكتشاف حميد الشاعرى، ويتصدر القائمة اسم علاء حتى أن أصدقاءه لقبوه بنجم نجوم الثمانينيات أو نجم الكاسيت الأول.

ومن أبرز الألبومات التى طرحها بعد نجاح مرسال..ألبوم «وياكى» عام 1987، «علشانك» عام 1989، «راجعلك» 1990، «هتعرفينى» 1991، «اتغيرتى» 1992، «مكتوب» 1993، «لازم» 1995، «طيارة ورق» 1997، «الحلم» 1998، «الليلة» 2000، وآخرها ألبوم «عين بعين» عام 2002.

كما قدم عددًا كبيرًا من الدويتوهات الغنائية الناجحة، ومنها «أجيلك من ورا الأحزان» مع حميد الشاعرى و«بحبك باستمرار» مع أميرة وحديثا قدم «لولا الهوى» مع تامر حسنى.. وغيرها من عشرات الدويتوهات الناجحة.

اشتهر صوت علاء لتميزه بأنه خالى من «الفزلكة» فهو كان يحمل صوتا طربيا دافئا لديه خامة قوية يمكن استخدامها لتقديم جميع أنواع الأغنية الشبابية مما جعله يستغل إمكانياته فى تقديم عدد من الأغانى المتنوعة ما بين الدراما والكوميديا والرومانسية والطربية وغيرها. فكان أغلب مطربى جيله تمتاز أصواتهم بنبرات تحمل تيمة خاصة أما علاء فكان يحمل كل التيمات فى صوت واحد. كما أنه اشتهر فى الوسط الفنى بمساعدة زملائه فكان طيب القلب محبا لمن حوله ويفرح لنجاحهم وفقا لشهادته جميعا.

كما قال النجم الراحل عبر حواره لإحدى البرامج التليفزيونية أنه كان يدقق فى اختيار معانى كلمات وألحان أعماله لأنه كان يتمنى كثيرا أن يظل يتذكره جمهوره بالفن الراقى والأغانى الهادفة.. 

 مكتوب

قدم علاء عبدالخالق مختلف أنواع الموسيقى التى كان يتمنى أن تظل تعيش عبر الأجيال.. وكأنه كان يعلم أن استمرار نجوميته كان مجرد حلم مؤقت وانتهى بعد حوالى 20 عاما من احترافه للغناء.. فانهار سوق الكاسيت وانهارت معه أحلام جيلى الثمانينيات والتسعينيات من المطربين الذين حققوا صيتًا كبيرًا.. وكانوا حلقة الوصل بين جيل المطربين وجيل النجوم الشباب الحالى.

على الرغم من انهيار هذه السوق وظهور الإنترنت وإغلاق عدد كبير من شركات الإنتاج الموسيقى إلا أن تلك الحقبة الفنية المهمة لا يمكن نسيانها أو سقوطها من تاريخ الأغنية.. وبالتالى كان علاء من أبرز عناصر تلك الحقبة.

اضطر علاء مثل أغلب فنانو جيله التغيب عن جمهوره خاصة مع ظهور أجيال جديدة من المطربين. فيعتبر علاء وجيله ضحية للتقدم التكنولوجى السريع الذى أصاب جيل الثمانينيات فأصبح يحاول مسايرة التغيرات المستمرة والمتتالية فى مختلف المجالات.. ربما هذا سبب ارتباط الجمهور بهذا الجيل لأنه يذكرنا لما نعيشه من تيار التكنولوجيا الجارف والذى نحاول باستمرار مسايرته.

لم يقف علاء مكتوف الأيدى طويلا ولكنه قرر العودة بعد مرور 6 سنوات طرح ألبوم بعنوان «حب مش عادى» والذى طرحه وفقا لموضة الجيل عبر مواقع الإنترنت فقط. ولكن عودته القوية جاءت بعد عام 2010، حيث أقيمت حفلات خاصة لعودة جيل الثمانينيات مرة أخرى على الساحة، وظلت تقام حفلات دورية تجمهر بها الكبار لمشاهدة نجوم جيلهم المحبوبين. وكان حفلات علاء ممتلئة بالجماهير التى تعبر عن سعادتها ودعمها له فجمهوره كان ينتظر عودته مرة أخرى وها هو يقف أمامهم ليغنى ويرددوا معه.

لم يدم الحال طويلا، فالمرض كان له تأثير أكبر عليه من الجمهور.. منذ عام 2015 وكان علاء عبدالخالق يواجه المرض بشجاعة والذى تسبب بإصابته فى عينيه وأحباله الصوتية ومن ثم فقدانه القدرة على الحركة. وكان آخر ظهور له مع أًصدقاء العمر بحفل زفاف ابنته منذ أشهر قليلة. وكان المرض قد تملك منه.. ورغم ذلك كان الجمهور لايزال ينتظر عودته.

كان يرغب فى ترك ذكرى طيبة بين رفاقه وأخوته بالوسط الفنى وخارجه، وقد تسابق كل منهم للوقوف بجانبه فى لحظاته الأخيرة حتى تم دفنه بمدافن الأسرة.. لحظات من الانهيار والبكاء والوداع الهاديء الذى يليق بفنان خلوق من طراز فريد ترك بصمة فى قلوب كل محبيه بأخلاقه وفنه. 

ورغم أن الجسد رحل لا يزال التاريخ يحمل اسمه.. ولا يزال محبو عبدالخالق يستمعون لأغانيه.. فربما قد اعتادوا غيابه ولكن تلك المرة لن ينتظروا عودته.. لكن سيظلون على عهد إحياء فنه لينتقل بين الأجيال.. رافعين شعار «سنحبك باستمرار نحبك طول العمر»..