الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

30 يونيو.. عندما انتصر الفن على طيور الظلام

عندما اعتلت جماعة الإخوان سدة الحكم، طمحت إلى تغيير وجهة الحياة فى مصر بما يتماثل مع أفكارها، وتوجهاتها، وهو ما أطلق عليه (أخونة الدولة) وكان الفن هو عدوهم الأول، أو الحجر العثر أمام تحقيق مشروعهم، لقدرته على فضح مخططاتهم المشبوهة فى السيطرة على العقول، وفرض سطوتهم الفكرية عليها، وبالتالى لم يحاول الإخوان إخفاء عدائهم لكل ما يمت بصلة للفن والإبداع، بل إنهم فكروا فى تطويعه من أجل تحقيق مشروعهم، الأمر الذى لم ينطل على مجتمع المثقفين الذين تصدوا لتلك المحاولات بشراسة. وكونوا باعتصامهم الشرارة الأولى لثورة 30 يونيو.



 

ولكن كيف تمت محاولات أخونة الفن خلال فترة حكم الإخوان؟ وما الذى كان سيحدث إذا استمر حكمهم لمدة أطول؟ وما الإنجازات الفنية والثقافية التى تحققت خلال السنوات الماضية والتى ما كانت لتحدث لولا ثورة 30 يونيو؟

 محاولات فاشلة

توجيه الإخوان سهامهم نحو الفن تم فى البداية دون صدام، حيث قررت الجماعة إنشاء لجنة داخلها تحمل اسم (الفن والدراما) رغبة منهم فى صنع بديل فنى إخوانى، ثم قاموا بعدها بإنشاء مجموعة شركات إنتاج سينمائى كان من أشهرها شركة «الرحاب» التى تولى رئاستها القيادى الإخوانى «حسن راضى» وقد اعتزمت تلك الشركات إنتاج أفلام ومسلسلات تحسن من سيرة الجماعة ولا سيما سيرة مؤسسها «حسن البنا» الذى قدمه السيناريست الراحل «وحيد حامد» فى مسلسل (الجماعة) عام 2010 بشكل لم يرضهم بكل تأكيد، بل إنهم اعتبروا المسلسل تدليسًا جرى فى حقه ووجب الرد عليه بنفس الآلية، لكنهم بالطبع عجزوا عن فعل ذلك كما عجزوا عن فعل غيره، ولم ينجح الإخوان فى إنتاج أى عمل فنى ناجح.

 كراهية معلنة

 بدأوا بعد ذلك فى إظهار وجههم القبيح، وإعلان كراهيتهم العميقة لكل أشكال الفنون، سواء على مستوى إعلامهم وقنواتهم الفضائية التى وصل الأمر فيها إلى التطاول على سمعة الفنانات وشرفهن، أو فى صحفهم التى قاموا فيها بإعداد قوائم بأفلام تسببت فى هدم قيم الأسرة المصرية ـ من وجهة نظرهم - من بينها فيلم (أنا حرة) الذى لعبت بطولته الفنانة «لبنى عبدالعزيز» من إخراج «صلاح أبوسيف» وعن قصة الكاتب الكبير «إحسان عبدالقدوس» بل ذهب البعض إلى المطالبة باحتجاز الفنان «عادل إمام» ومعاقبته بأثر رجعى على أفلامه! وبمنع تداول روايات أديب نوبل «نجيب محفوظ» لأن بها تطاولًا على المقدسات -على حد زعمهم- أما أنصار الجماعة فقد كانت بصماتهم واضحة فى الميادين، حيث تم الاعتداء على التماثيل الموجودة بالشوارع، وجرت محاولات هدمها وتشويهها، ولا سيما تماثيل رموز الثقافة والفن مثل سرقة رأس تمثال لعميد الأدب العربى «طه حسين» فى ميدان بمحافظة المنيا، أو وضع نقاب على وجه تمثال لـ«أم كلثوم» فى ميدان بمدينة المنصورة.

 مواجهة حاسمة 

مواجهة الفنانين والمثقفين لكل هذه الأوضاع لم تبدأ فقط مع بداية اعتصام وزارة الثقافة كما يعتقد البعض، حيث تخللت فترة حكمهم العديد من المسيرات الاحتجاجية التى قادها فنانو مصر اعتراضًا على الأوضاع التى آلت إليها الحياة الثقافية والفنية فى بلادهم تحت وطأة حكم الإخوان، تواكب ذلك مع مواجهة بعض الفنانين لهذه الهجمة الغاشمة، وعلى رأسهم الفنانة «إلهام شاهين» التى قامت بمقاضاة «عبدالله بدر» بعد تطاوله عليها، وحصلت على حكم بسجنه، بالإضافة الى حكم آخر بغلق قناة (الحافظ) والتى كانت منبرًا له ولغيره من المتطاولين.

 وعندما قرر الرئيس المعزول «محمد مرسى» تعيين الوزير الإخوانى «علاء عبدالعزيز» فى مايو 2013 بدأ الاحتقان الحقيقى، خاصة بعدما قام الوزير بعزل قيادات الوزارة واستبدالهم بمجموعة أخرى تنتمى إلى الأهل والعشيرة، وهنا سارع الفنانون والمثقفون بتأسيس (جبهة الدفاع عن الثقافة المصرية) التى أعلن عنها فى مؤتمر حاشد يوم 23 مايو فى نقابة الصحفيين بالقاهرة بحضور ممثلين للنقابات الفنية وعدد من المثقفين، وقام الفنانون والمثقفون بتوقيع بيان قالوا فيه إن موقع وزير الثقافة بعد الثورة لا بد أن يمثل المثقفين المصريين، وأن يتواجد فيه قامة ثقافية، تحمى الثقافة المصرية من غزو قيم التعصب والعنصرية التى تسعى لتدمير الهوية الثقافية الوطنية المصرية الرائدة ومصادرة كل أنواع الحريات الابداعية والفكرية والسياسية والشخصية.

وبعد هذا المؤتمر بأيام معدودة، ألغى للمرة الأولى عرض (أوبرا عايدة) فى دار الأوبرا المصرية اعتراضًا على قرار الوزير بإقالة الدكتورة «إيناس عبدالدايم» رئيسة دار الأوبرا آنذاك، حيث رفع الستار عن فنانى العرض، الذين حضروا من مصر وإسبانيا وإيطاليا، وأعلن المايسترو «ناير ناجى» إلغاء العرض قائلًا: إن الفنانين والعاملين والفنيين يرفضون قرار الوزير ويرونه جزءًا من خطة ممنهجة لتسييس الثقافة والفنون الرفيعة فى مصر، وسيسدل الستار على جميع العروض إلى أن تتم إقالة السيد الوزير، وصفق الجمهور تضامنًا ورفض استرداد قيمة التذاكر، كما قام العاملون بالأوبرا بالتظاهر السلمى الذى أدى فى نهاية المطاف لاعتصام مستمر إلى حين عدول الوزير عن قراره.

 اعتصام المثقفين والفنانين

من ساحة دار الأوبرا إلى مقر الوزارة تواصلت مسيرات الاعتراض على قرارات الوزير، فاستقال الروائى «بهاء طاهر» من عضوية المجلس الأعلى للثقافة واستقال الناقد «أسامة عفيفى» من رئاسة تحرير مجلة (المجلة) ثم استقال الشاعر «أحمد عبدالمعطى حجازى» من رئاسة تحرير مجلة (إبداع) حتى وصلنا إلى الحدث الأكبر يوم 4 يونيو 2013، والمعروف باسم (اعتصام وزارة الثقافة) والذى يعد واحدًا من ضمن أولى الشرارات التى مهدت لاندلاع ثورة يونيو، حيث ذهبت أول مجموعة من المثقفين إلى مقر مكتب وزير الثقافة فى الزمالك، وكان هؤلاء هم «صنع الله إبراهيم، بهاء طاهر، فتحية العسال، محمد العدل، سيد حجاب، ناصر عبدالمنعم» وأعلنوا عن رغبتهم فى لقاء الوزير، وفور دخولهم لمقر الوزارة أعلنوا اعتصامهم، ثم بدأ بعد ذلك بقية المثقفين التوافد على الوزارة، ليخرج الوزير من مكتبه بلا رجعة، حاصدًا بذلك لقب أقصر وزير جلس على كرسى وزارة الثقافة فى التاريخ، ورغم محاولات العناد والمكابرة من خلال الزج باعتصام مناوئ لاعتصام المثقفين، ومؤيد لقرارات الوزير، إلا أن الغلبة فى النهاية كانت من نصيب الصامدين الذين أبوا أن يبرحوا أماكنهم حتى لحظة سقوط الإخوان وإزاحتهم عن المشهد تمامًا.

 إعادة بناء الثقة

 فى مطلع 2014، وفى فترة رئاسة حكم الرئيس «عدلى منصور» للبلاد، اجتمع الفنانون فى المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية فى احتفالية عيد الفن التى قدمها على المسرح الفنانان «أحمد السعدنى، وبشرى» وقد كانت المناسبة الأولى للقاء المشير «عبدالفتاح السيسى» بأهل الفن ورموزه، حيث شكل تواجده مفاجأة للحضور الذين وقفوا مصفقين، ومرددين جملة (تحيا مصر) ثم بدأوا فى الالتفاف حوله أثناء فترة الاستراحة، وفى لقائه بوفد من الفنانين ضم نحو 50 فنانًا بعد إعلان ترشحه للرئاسة، وذلك للتواصل معهم، والاستماع لرؤيتهم حول مستقبل الفن والإبداع، قام بموقف يعبر عن احترامه للفن، ورغبته فى إعادة بناء الثقة بين الفنانين والسلطة والتى فقدت فى عصر الإخوان، ففى أثناء حديثه عن دور الفنون المختلفة فى النهوض بمستوى ثقافة المواطنين، وتشكيل جزء كبير من الوعى لديهم، سأل عن الفنانة «فاتن حمامة» وعندما شاهدها جالسة فى القاعة طلب منها البقاء على مقعدها، وذهب لمصافحتها، واستمرت العلاقة الطيبة بين الرئيس والفنانين بعد فوزه برئاسة مصر، حيث زار الفنانة «شادية» بالمستشفى قبل وفاتها، كما حرص على إجراء مكالمة تليفونية بالإعلامية «نهال كمال» فى فترة مرض زوجها الشاعر «عبدالرحمن الأبنودى» وفاجأ الفنان «حمدى أحمد» باتصال به فى منزله أثناء فترة مرضه أيضًا، كما اتصل بأسرة الفنان القدير «عبدالرحمن أبو زهرة» ووجه بتحمل مصاريف علاج الفنان «شريف الدسوقى» وصرف معاش استثنائى له، بعد الوعكة الصحية التى ألمت به والتى أدت إلى بتر إحدى ساقيه، كما قام بعلاج الفنان الراحل «سمير صبرى» على نفقة الدولة، الأمر الذى تكرر أيضًا مع المطرب «على حميدة» والفنانة «فاطمة كشرى» التى استغاثت بالرئيس بعد تعرضها لخطأ طبى أثناء إجرائها عملية جراحية، وعلى الفور استجاب لهذه الاستغاثة، ووجه بعلاجها على نفقة الدولة.

 تخليد ذكراهم

الدعم الكبير للفنانين من جانب الرئيس السيسى، لم يقتصر فقط على الوقوف بجانبهم فى أوقات المحن، لكنه تواصل بالتوجيه بتوفير سبل المعيشة الكريمة لهم ولأسرهم، إذ أمر بتدقيق قاعدة البيانات الخاصة بحصر وتسجيل الفنانين بمختلف فئاتهم، بالتنسيق والتعاون مع النقابات الفنية المختلفة، لشمولهم ببرامج الحماية التأمينية والرعاية الاجتماعية، ضد المخاطر المتنوعة، مثل: الشيخوخة والعجز وغيرهما، التى قد تعيقهم عن أداء عملهم، خاصة ما يتعلق بالعاملين بالقطاع الفنى، الذين لا يتمتعون بوظائف منتظمة، ولا يمتلكون مصادر بديلة للدخل، كما يتواصل هذا الدعم بمحاولة تخليد أسماء الكبار منهم، ولعل توجيهه بإطلاق اسم الفنان الراحل «سمير غانم» على الكوبرى الجديد على محور «محمد نجيب» فى منطقة شرق القاهرة هو خير دليل على ذلك.

 مشاريع فنية

الاهتمام بالفن شمل أيضًا الاهتمام بنشره وضمان إيصاله للجميع، وهو ما يعرف بتحقيق العدالة الثقافية، تلك التى تحققت عن طريق تطوير قصور الثقافة الموجودة فى جميع محافظات الجمهورية، والتى احتضنت مشروع «سينما الشعب» الذى تنظمه الإدارة العامة للثقافة السينمائية برئاسة الفنان «تامر عبدالمنعم» المدير التنفيذى للمشروع، بهدف تقديم الأعمال السينمائية للجمهور بالمحافظات بأسعار مخفضة، بالإضافة إلى مشروع «مسرح المواجهة والتجوال» الذى يهدف إلى الوصول بالمنتج الثقافى والفنى إلى جميع ربوع مصر خصوصًا القرى والنجوع والمناطق الحدودية والأكثر احتياجًا وقد تم حتى الآن تقديم 400 ليلة عرض فى 280 قرية ونجعًا بـ14 محافظة، الأمر الذى تكرر أيضًا فى المهرجانات الغنائية، حيث غنى كبار المطربين فى دندرة بقنا، وأبيدوس بسوهاج، وتل بسطا بالشرقية، وغيرها من المحافظات عن طريق مهرجانات غنائية أقيمت فى العديد من مراكز محافظات مصر، وإذا كانت الإتاحة وتحقيق العدالة الثقافية والفنية من أهم الأهداف التى تم السعى إلى تحقيقها خلال السنوات الماضية، فإن بناء مدينة الفنون والثقافة بالعاصمة الإدارية يعد من أهم إنجازاتها، حيث تضم «دار الأوبرا» والتى ستكون الأكبر فى مصر والشرق الأوسط والوطن العربى، وتشمل قاعة رئيسية تصل سعتها إلى 2150 فردًا مقامة وفقًا لأحدث التقنيات الهندسية من إضاءات تخصصية وأنظمة صوتية وتقنيات مسرحية وقاعة موسيقى تسع 1200 فرد مؤهلة لاستقبال الحفلات الموسيقية العالمية وكذلك مسرحًا للدراما والأداء الحركى يتسع لـ 640 فردًا وبجانب الموسيقى، بالإضافة إلى مسرح مكشوف بسعة 15 ألف فرد، ومركز للإبداع الفنى لخدمة شباب المبدعين وتشكيل حسهم الفنى ويتكون من أماكن مخصصة للسينما والمسرح للتدريب والعرض ويحتوى على قاعات الصوت المهيأة خصيصًا للتسجيلات الصوتية. وكذلك قاعات مسرحية للأدوات الموسيقية والرقص الكلاسيكى والحديث واكتشاف المواهب الفنية.