الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
كدهوّن!.. ما يطلبه المستمعون

كدهوّن!.. ما يطلبه المستمعون

مازلت حتى يومنا هذا عندما أتواجد داخل استديو إذاعى لابد أن أستأذن المذيع بلهفة طفولية لكى أستفرد بالميكروفون وأطلق أشهر صيحة  فى تاريخ مصر المعاصر وهى (هنا القاهرة) محاولا محاكاة رواد وعظماء الإذاعة فى وقارهم وثباتهم وهم يطلقون ذلك النداء الغالى على كل مصرى وعربى وكأنه نداء الوطن كى يجتمع كل المستمعين على موجة واحدة وفكر واحد وقلب واحد وليس مجرد جملة إذاعية يستهل بها المذيع فقراته الإذاعية، ولكنها جملة حفرت فى وجدان كل المصريين عبر العصور منذ نشأة الإذاعة المصرية الرسمية .



 

 وكدهون لعل الكثيرين لا يعرفون أن أول من أطلق جملة «هنا القاهرة» عبر الأثير كان الفنان متعدد المواهب أحمد سالم أول من تولى مسئولية الإذاعة المصرية عام 1934 لتظل تتردد حتى اليوم بأصوات خالدة متنوعة شكلت وجداننا وعقولنا مثل السيدة صفية المهندس وهى أيضًا أول مذيعة مصرية على الإطلاق ينطلق صوتها عبر الأثير عام 1946 وكان حدثًا صادمًا وقتها للعديد من العقليات الرجعية فكيف لصوت نسائى أن يخترق الراديو المصرى فى ذلك الوقت، ولعل أشد المعارضين لوجود هذا الصوت الإذاعى كان شيوخ الأزهر وتحكى الإعلامية الرائدة صفية المهندس كيف تفاجأ بها أحد الشيوخ تدخل عليه الاستوديو فقال لها بغضب: ماذا تريدين يا حرمة؟ وعندما أجابت له بشىء من الرهبة والخوف: سوف أقدم للتلاوة، وهنا ثار الشيخ وخرج غاضبًا من الاستوديو يلعن تلك الخطوة التى تسمح بصوت نسائى أن يقدم للتلاوة القرآنية وتمضى الأيام وتختفى تلك الأصوات المعارضة وتستمر صفية المهندس فى مكانها تنير الطريق لبنات جنسها وتنجح فى إثبات نفسها كإذاعية رائدة لا تقل كفاءة ولا ثقافة عن زملائها من الرجال حتى تمكنت بعد ذلك فى أن تتولى رئاسة الإذاعة المصرية كأول امرأة  تتولى هذا المنصب الحساس، وبالفعل ينفتح الباب لغيرها من الرائدات مثل: تماضر توفيق وآمال فهمى وهمت مصطفى وسامية صادق وسناء منصور وإيناس جوهر وغيرهن كثيرات ممن تحملن مسئولية بث برامجهن من خلال الإذاعة المصرية وما أدراك ما هى الإذاعة المصرية فى تلك الفترة وقبل إنشاء التليفزيون بسنوات، حيث تولت الإذاعة المصرية مهمة تنمية وعى الجمهور وتشكيل ثقافته مع الحرص على تقديم الترفيه والمتعة والفن المميز وربط مصر بكل العالم العربى .. وكدهون لعل أشهر البرامج الإذاعية على الإطلاق والتى خلقت علاقة حميمية مع المستمع لما يحمله من مشاعر جياشة وحنين إلى الأهل والأحباب والأصدقاء كان برنامج (ما يطلبه المستمعون) وفرحة المواطن العادى بسماع اسم من يحب عبر الأثير، فكرة فى منتهى الرقة والرومانسية أنك تتواصل مع أهلك وأحبابك وتطلب لهم أغنية معينة تحمل ذكرى أو رسالة أو تعبر عن مناسبة معينة تذكرك بهم فيقوم بإرسال خطابه عبر البريد المصرى ويظل بجوار جهاز الراديو ينتظر بلهفة سماع اسمه وإهدائه لمن يحب خصوصًا لو هذا المستمع فى الغربة ويشتاق لمصر وأهل مصر فكم كانت سعادة المواطنين وهم يستمعون إلى أسمائهم بجوار أسماء من يحبون فى جملة واحدة تنطلق عبر أثير الإذاعة  فنستمع إلى صوت المذيعة يحمل عبر حنجرته مشاعر وأحاسيس وحنين مع الحرص على ذكر أسماء الأهل فردًا فردًا فكانت المذيعة تقول مثلاً:  ميرفت صديقة البرنامج طلبت أغنية الطير المسافر لنجاة وتهديها إلى بابا وماما وخالتى آمال وزوجها الحبيب وتتمنى عودته بألف سلامة، وهكذا تستمر المذيعة فى بث رسائل المستمعين وما تحمله من فرحة وحنين وأحيانا شجن ممزوج بأغانى محببة لديهم وتعبر عن حالتهم النفسية والعاطفية ولعل برنامج (ما يطلبه المستمعون) قد نجح فيما لم ينجح فيه أى برنامج آخر سواء إذاعية أو تليفزيونية فى احتواء حالة الحنين والشوق التى تفيض بها مشاعر المواطنين وتحويلها إلى أغنية تعبر عن ذلك الزخم العاطفى وذلك الشجن الذى ربما تعبر عنه أغنية لأم كلثوم أو شادية أو عبدالحليم فى مزج رائع بين الفن والحياة .. وكدهون تستمر الإذاعة المصرية فى كل بيت مصرى وعربى فتقدم الإذاعية سامية صادق برنامجها الشهير (عبر الأسرة البيضاء) وهو برنامج فى منتهى الرقة والإنسانية، حيث تصطحب معها فى كل حلقة مطربًا أو مطربة فى زيارة لأحد المستشفيات وتلتقى بالمرضى وتحاول أن ترفه عنهم فى مرضهم بذلك اللقاء مع نجمهم المحبوب  الذى يتجاوب معهم ويغنى كل الأغانى التى يطلبها المرضى وكدهون ومازلت أتذكر البرنامج الشهير الذى تقدمه الإذاعية الرائعة نادية صالح (زيارة لمكتبة فلان)، حيث تستضيف كل حلقة إحدى الشخصيات العامة لنتعرف على كل ما تحتويه مكتبتها الخاصة من كتب أدبية وعلمية وفنية فى رحلة رائعة نتجول من خلالها فى أمهات الكتب من خلال حوار راقٍ ومفيد من الضيف صاحب المكتبة فكم مثيرا أنت تعرف ماذا يقرأ نجيب محفوظ أو يوسف إدريس وكدهون ولعلى لا أنسى إطلاقًا البرنامج الشهير (ساعة لقبلك) لطاهر أبوزيد الذى قدم من خلال هذا البرنامج نجوم الكوميديا بعد ذلك من خلال اسكتشات ضاحكة لشخصيات درامية صارت مع الوقت تراثًا شعبيًا مثل شخصية أبولمعة والخواجة بيجو ومرات محمود التى قدمتها بنجاح منقطع النظير الفنانة خيرية أحمد مع الأستاذ فؤاد المهندس وانتقل ذلك الثنائى الناجح بعد ذلك إلى شاشة السينما فى أحد أفلام إسماعيل ياسين وتستمر برامج السمر والمسابقات من خلال البرنامج الشهير (الغلط فين؟) الذى يقدمة الإذاعى على فايق زغلول حتى صارت جملة يطلقها المصريون فى حواراتهم اليومية، حيث يقدم مسابقات لها معلومات خاطئة ويطلب من المستمعين اكتشافها والجائزة 75 قرشا واستمر يتجول بهذا البرنامج الشهير داخل كل جامعات مصر ونواديها فى الأقاليم ويتابعه الجمهور بسعادة كبيرة كل يوم جمعة .. وكدهون وأتذكر بعد برنامج الغلط فين كان يذاع مباشرة برنامج الإذاعية العظيمة امال فهمى (على الناصية) والذى يعد أطول برنامج إذاعى على الإطلاق بعد برنامج إلى ربات البيوت  فكان يعتمد البرنامج على لقاءات عشوائية مع الجمهور ويدور حوار معهم عن حياتهم الشخصية وعملهم وأحلامهم وآرائهم وفى نهاية الفقرة تسأل المذيعة سؤالها الشهير تحب تسمع أغنية إيه؟ وكان هذا البرنامج بالذات يعتبر استطلاع رأى أسبوعيًا على الهواء لمدى نجاح الأغانى ومدى شعبيتها بناء عن طلبات الجمهور والتعرف على فكره ومشاكله وأهدافك من خلال حوار بسيط رغم عمقه من خلال السيدة آمال فهمى .. وكدهون ينبعث عبر الأثير صوت الإعلامى فاروق شوشة وبرنامجه الشهير (لغتنا الجميلة) ليبدأ مقدمة البرنامج بصوت عميد الأدب العربى طه حسين يقول: لغتنا العربية يسر لا عسر ونحن نملكها لينطلق صوت فاروق شوشة بابيات من الشعر العربى البليغ لينشر الثقافة والوعى بمكانة وأهمية اللغة العربية وكدهون أتوقف عند حلقات قال الفيلسوف وذلك الصوت البديع للفنانة سميرة عبدالعزيز وهى تحاور الفيلسوف فى شتى الموضوعات وتستفيد بآرائه الحكيمة فى القضايا الإنسانية الجدلية  تستمر ذكرياتى مع الدرما الإذاعية الشهيرة وخصوصًا ألف ليلة وليلة لطاهر أبو باشا ومسلسل سمارة ومسلسلات ثنائى البهجة فؤاد المهندس شويكار ومسلسل أدهم الشرقاوى مصحوبًا بغناء محمد رشدى وغيرهم من المسلسلات الإذاعية الشهيرة التى شكلت وعى وذوق الجمهور وتحولت بعد ذلك لأفلام سينمائية اعتمدت على نجاح القصة أولاً فى الإذاعة وكدهون يتميز بابا شارو ببرامج الأطفال ومن منا لا يهتف فى أعياد الميلاد بأغنية حيوا أبوالفصاد حيث عيد ميلاده الليلة أسعد الأعياد، فقد لا يعرف الكثير بأن تلك الأغنية قدمت من خلال برنامج بابا شارو ثم صارت من أهم أغانى أعياد الميلاد عند المصريين ولا ننسى أيضًا أغنية سعاد حسنى وهى طفلة من أطفال بأبا شارو تغنى: أنا سعاد أخت القمر بين العباد حسنى اشتهر وتستمر برامج الأطفال الإذاعية فى نجاحاتها مع أبلة فضيلة وعمو حسن شمس وطنط سناء فى نشر البهجة والفرحة بين الأطفال وتهذيب مشاعرهم وكدهون وينطلق الصوت الإذاعى المبهج إيناس جوهر يغرد بشعر صلاح جاهين: غمض عنيك وامشى بخفه ودلع ده الدنيا هى الشابة وانت الجدع كمقدمة لبرنامجها الشهير (تسالى) مع محيى محمود  ونتجول عبر استوديوهات السينما نتعرف على كل جديد ومثير فى عالم السينما المصرية مع الإذاعى إمام عمر.. وكدهون ولا ننسى الأستاذ فواد المهندس وبرنامجه اليومى كلمتين وبس وبرنامج همسة عتاب الذى ينتقد الروتين الحكومى وبرنامج طريق السلامة وقواعد المرور وحالة الشارع المصرى وبرنامج كتاب عربى علم العالم ودعوة على السحور على إذاعة صوت العرب وليالى الشرق الإذاعى كامل البيطار وشاهد على العصر الإذاعى عمر بطيشة وفوازير آمال فهمى الرمضانية والكثير والكثير من البرامج الإذاعية الرائعة التى شكلت وجدان وثقافة المستمع المصرى والعربى وجمعت الجميع عبر أثير الإذاعة المصرية حتى صار هوانا مصرى .. وكدهون فى محبة الإذاعة المصرية العريقة وعصر من الإعلام المستنير وهنا القاهرة.