الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
أبدع فيها المصريون وتختلف عن مثيلاتها فى الحضارات والأديان الأخرى  المعابد العظيمة: هدية المصريين الفاخرة للإله لاستقبال عباده

أبدع فيها المصريون وتختلف عن مثيلاتها فى الحضارات والأديان الأخرى المعابد العظيمة: هدية المصريين الفاخرة للإله لاستقبال عباده

«إنك تعلم أن محكمة القضاة الذين يحاسبون المخطئ ليسوا متسامحين فى ذلك اليوم الذى يحاسبون فيه الشرير وقت تنفيذ الحكم ولا تركنن إلى طول الأيام؛ لأنهم ينظرون (يعنى القضاة) إلى مدى حياة الإنسان كأنها ساعة واحدة، والإنسان يعيش بعد الموت وأعماله تُكوَّم بجانبه؛ لأن الحياة الأخرى باقية، ولا يهمل أمرها إلا الغبى، أما من يصل إليها دون أن يرتكب إثمًا فإنه سيبقى هناك إلهًا يسير بخطًى واسعة مثل أرباب الخلود (يعنى الأموات البررة)».



 من وصايا حكيم مصرى إلى ابنه «مريكاع»

بهذه الكلمات يوضح المصرى القديم عُمق إيمانه بالإله الذى يحاسب الإنسان بعد موته من خلال محكمة القضاة ونستطيع القول بأن هذا التصور هو الأصل الذى نهلت منه الأديان بعد ذلك فكرة الثواب والعقاب بعد الموت. 

وامتدادًا لتقديس الإله فلابد له من مكان يُعبد فيه يليق به وبجلاله، ومن هنا جاءت فكرة المعابد التى أنشأها المصريون للآلهة والتى تختلف عن نظيرتها فى الحضارة الإغريقية والأديان الأخرى.

 فكرة المعبد المصرى 

عرف المصرى القديم فكرة المعبد من فترة ما قبل عهد الأسرات، حيث كانت فى عهد الدولة القديمة محاريب (جمع محراب) فحسب، يسكنها الإله ويُحفظ بجانبه فيها أدوات العبادة الخاصة به وكل ما كان يملك من ذخائر ثمينة، وكذلك كان معبد «الكرنك» فى عهد الدولة الوسطى مبنًى صغيرًا مربع الشكل لا يزيد ضلعه على أربعين مترًا. حتى جاءت الأسرة الثامنة عشرة ومؤسسها الملك أحمس قاهر الهكسوس، وقد أبدعوا فى إنشاء المعابد ليتم استخدامها للصلاة وكذلك لإقامة الأعياد الإلهية، وما يتبعها من مواكب وحفلات. وقد بدأها الملك تحتمس الأول حفيد الملك أحمس وقام بتطوير معبد الكرنك بإقامة بوابات أمامه وتوسعته وجعله مبنًى عظيم الحجم.

 التناقض بين الثقافة المصرية والإغريقية 

ويتجسد المعنى بالمقارنة، حيث يوضح الأثرى الدكتور سليم حسن فى موسوعته (مصر القديمة) التناقض الصارخ بين الثقافتين المصرية والإغريقية فى فن العمارة فيقول: (إن الطموح نحو إقامة المبانى الضخمة الأثرية قد انعدم تمامًا فى القصور الكريتية (نسبة إلى جزيرة كريت اليونانية) فى حين نرى أن المصرى منذ بداية التاريخ كان هدفه وأمله الكبير أن يقيم المعابد الضخمة والأضرحة الصلبة، وكان يرمى من وراء ذلك إلى مغالبة الدهر وهزيمة الموت، ولذلك أراد أن يقيم لروحه بدلًا من مأواه الزائل الذى بناه على الأرض مسكنًا خالدًا يهزم الزمن ويقهر الموت معًا. 

وقد أفلح المصرى فلاحًا مبينًا فى عهد الدولة الحديثة فى محاولته هذه عندما أقام تلك المعابد العظيمة، والواقع أنها فى أسسها وفى مبانيها منقطعة القرين من حيث الضخامة وسعة الحجم ومتانة المادة وروعة المنظر وبهاء الطلعة والتأثير فى النفس، هذا فضلًا عن أن مداخل هذه المعابد قد أُحكمت أجزاؤها، وناسب تنسيقها ضخامة البناء؛ مما ألَّف وحدة جميلة ترتاح إليها النفس وتجذب إليها النظر؛ فنرى قاعاتها الفسيحة الأرجاء المقامة على عُمد ضخمة كانت قد ابتُدعت منذ الدولة القديمة على هيئة سيقان النخل الباسقة وسيقان البردى اليانعة، غير أنها قد أُقيمت بصورة ضخمة فى عهد الدولة الحديثة فى ساحة المعبد وقاعاته، فكانت بهجة للناظرين، وقد زاد فى جمالها ما حُليت به جدرانه من نقوش وصور خلابة بألوان متناسبة يرتاح إليها النظر بما أُقيم أمامه وداخله من تماثيل ضخمة للإله الذى أُقيمت من أجله وللفرعون الذى أعلى بناءها).

 الفرق بين المعبد المصرى والإغريقى 

إن المعابد الإغريقية التى نشأت على غرار بناء القصور وأحيانًا كانت تقام على ربوة مرتفعة كانت مأوى الإله الرسمى، الذى كان يشرف منه على ما حوله من مناظر طبيعية، فهذا المعبد تنجذب إليه الأنظار من بعيد، ويترك فى النفس أثرًا عظيمًا لتناسق أجزائه وجمال وضعه، وبخاصة بما تضفيه عليه مجموعة الأعمدة التى تحيط به وتظهره كأنه وحدة من المبانى منفردة، غير أنه لا يترك فى النفس أثر السرية الدينية ورهبة التُقى الإلهى، أما المعبد المصرى فإنه على العكس قد أُقيم ليبعث فى النفس ذلك الجلال الدينى والغموض الخفى الذى توحى به القوة الإلهية؛ ففى الخارج نجده محاطًا بسور مغلق، وفى واجهته الضيقة بوَّابة هائلة يعلوها برجان، وعلى كلا جانبيها نُصب عمودان يرفرف فى أعلاهما علمان ينطحان السماء علوًّا ورفعة، وبذلك تكون المدينة التى يسكن فيها الإله منفصلة تمام الانفصال عن عامة الشعب الخارجين عن هيئة رجال الدين، ولذلك كان كل داخل من هذا الباب الضيق يعد نفسه قد بعد عن سلطان عالم الدنيا، واقترب من عالم الإله.

 المحراب فى المعابد المصرية 

يحتفظ المصريون فى المحراب بصندوق مُغطَّى بفاخر الكتان ومزيَّن بالرموز، ويُحفظ فيه تمثال الإله موضوعًا فى الحجرة النهائية من المعبد يخيم عليها الظلام الدامس وتكتنفها الرهبة. وقد كان منصوبًا فى السفينة المقدسة التى تُحمل على أكتاف الكهنة وتظهر للعيان أمام الشعب فى قاعة المعبد العظيمة إذا تطلبت الأحوال ظهوره ليوحى إليهم بمهام الأمور التى يتوقف عليها كيان الدولة وسيرها، وذلك فى حضرة الفرعون، وكان عند الاحتفال بأعياد خاصة يخرج هذا الإله لزيارة الآلهة الآخرين فى معابدهم وهم يسعون لزيارته، هذا فضلًا عن أنه كان يظهر فى يوم تولى الفرعون الجديد مهام الحكم بعد رفع الفرعون الحاكم إلى السماء.

 تهيئة النفوس للخشوع 

تفنن المصريون القدماء فى تهيئة النفوس للخشوع فى حضرة الإله، وظهر ذلك واضحًا فى تصميم المعابد في طريق الاحتفال الذى كان يخترقه الملك ليذهب إلى الإله، أو الإله إلى الفرعون والناس، فكان يملأ جو المعبد كله ويسبغ عليه وحدة داخلية. والواقع أن وحدة المعبد وانفصاله عن باقى المبانى التى تحيط به تُدرك حتى فى خارجه؛ إذ إنه قد أُقيم على بعد شاسع، واصطفت تماثيل «أبو الهول» على جانبيه ويصل السائر فيه إلى أعماق المعبد حيث «قدس الأقداس». 

أى أن محور باب قاعة الأعمدة كان يقع على خط مستقيم مع الطريق الخارجية. وأهم معبد مصرى بلغ مبلغًا عظيمًا من الجمال والروعة، وتحققت فيه الفكرة المثالية المعبرة عن المعبد المصرى فى عهد الأسرة الثامنة عشرة؛ هو معبد الأقصر والذى أقامه «أمنحتب الثالث» من الأسرة الثامنة عشرة للإله «آمون» إذ نشاهد أمام بوابته قاعة مستطيلة يخترق فيها الزائر طريقًا محاطًا بصفين من الأعمدة الضخمة، كل منهما يشمل سبعة أعمدة، ويرى اتجاه المحور فى هذا البناء الضخم المؤدى إلى حجرة «قدس الأقداس» قد انحرف انحرافًا ظاهرًا عن المبنى كله. وبعد ذلك يدخل الإنسان فى ردهة عظيمة محاطة بالأعمدة الضخمة من كل الجوانب، وهى التى يجتمع فيها الأتقياء من القوم ليشهدوا إقامة الشعائر، ثم يأتى على أثر ذلك بهو ذو أعمدة عظيمة ينفذ إليها النور من منافذ صغيرة بأعلى الجدران، أما الأعمدة التى مُثل كل منها فى صورة حزمة من البردى فلا تزال باقية فى مكانها مزدحمة فى أرجاء ذلك البهو فلا يرى الإنسان من خلالها منظرًا خارجيًّا إلا بصعوبة، وخلف هذا البهو يدخل الإنسان فى الحجرات المقدسة العدة التى لُفت فى ظلام حالك، وهى التى كان يُحفظ فيها كل الأدوات الخاصة بالعبادة وما يتبعها من البخور والملابس الثمينة التى كانت مخصصة لهذا الإله العظيم.

التناقض الصارخ بين الثقافتين يظهر جليًّا فى فن العمارة؛ إذ نشاهد أن الطموح نحو إقامة المبانى الضخمة الأثرية قد انعدم تمامًا فى القصور الكريتية، فى حين نرى أن المصرى منذ بداية التاريخ كان جل همه ومعقد آماله أن يقيم المعابد الضخمة والأضرحة الصلبة، وكان يرمى من وراء ذلك إلى مغالبة الدهر وهزيمة الموت، ولذلك أراد أن يقيم لروحه بدلًا من مأواه الزائل الذى بناه على الأرض مسكنًا خالدًا يهزم الزمن ويقهر الموت معًا. وقد أفلح المصرى فلاحًا مبينًا فى عهد الدولة الحديثة فى محاولته هذه عندما أقام تلك المعابد العظيمة، والواقع أنها فى أسسها وفى مبانيها منقطعة القرين من حيث الضخامة وسعة الحجم ومتانة المادة وروعة المنظر وبهاء الطلعة والتأثير فى النفس، هذا فضلًا عن أن مداخل هذه المعابد قد أُحكمت أجزاؤها، وناسب تنسيقها ضخامة البناء؛ مما ألَّف وحدة جميلة ترتاح إليها النفس وتجذب إليها النظر؛ فنرى قاعاتها الفسيحة الأرجاء المقامة على عُمد ضخمة كانت قد ابتُدعت منذ الدولة القديمة على هيئة سيقان النخل الباسقة وسيقان البردى اليانعة، غير أنها قد أُقيمت بصورة ضخمة فى عهد الدولة الحديثة فى ساحة المعبد وقاعاته، فكانت بهجة للناظرين، وقد زاد فى جمالها ما حُليت به جدرانه من نقوش وصور خلابة بألوان متناسبة يرتاح إليها النظر بما أُقيم أمامه وداخله من تماثيل ضخمة للإله الذى أُقيمت من أجله وللفرعون الذى أعلى بناءها.

وتختلف الشعائر المصرية فى كيفية التصرف بالقرابين المقدمة للإله فكثير من الأديان الوضعية كانت تقوم بحرق القربان، أما القرابين المصرية التى كانت تشمل الخبز واللحم والفاكهة والشراب والأزهار كانت تُكدس على مائدة قربان، وتُقدم للإله والمتوفى ليأخذ نصيبه منها بتأملها بعد قراءة صيغة الشعيرة الخاصة بها، وبعد ذلك كانت تُؤخذ وتُقسم بين كهنة المعبد والقائمين بخدمته.