الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
كلمة و 1 / 2.. ‎عاصم حنفى..  و(العيش والملح)!

كلمة و 1 / 2.. ‎عاصم حنفى.. و(العيش والملح)!

فى ندوة أقامها مهرجان القاهرة السينمائى وأدارها كاتب هذه السطور قبل رحيل وحيد حامد بأسابيع قليلة، تدفق المئات من أصدقاء وتلاميذ وعشاق وحيد للمشاركة، كان وحيد وقتها يعانى من تداعيات المرض، ووجدت أن الندوة التي تعيش تحت سحابة من الحزن، لا يمكن أن تستمر أكثر من خمس دقائق، وبحكم اقترابى من وحيد ودائرة أصدقائه المقربين، كنت أعلم أن (مائدة الشر) التي أطلق عليها وحيد حامد هذا الاسم على سبيل التهكم، تجتمع كل يوم جمعة بعد الصلاة، وهناك العديد من الحكايات التي تروى، ومن بينها المقالب التي تحاك بين وحيد وعاصم حنفى أحد أهم عناوين تلك المائدة. مثلاً عندما تواجد وحيد حامد فى جلسة خاصة مع عاصم، وكان المقلب هو أن يقنع الداعى لتلك الجلسة أنه أقصد عاصم فى الأساس مطرب وملحن وعازف عود لا يشق له غبار، إلا أنه يخجل من مواجهة الجمهور، وعليهم إحضار عود ثم يقولون له قبل دعوته للمسرح، وعلى طريقة فريد الأطرش (غنى يا عاصم غنى).



 عاصم ومجموعة الأصدقاء من مائدة (الشر) أول من حضر الندوة وقلت لو بدأنا بأن يحكى عاصم تلك الواقعة وغيرها سوف تسيطر على الندوة حالة البهجة وتنقشع إلى غير رجعة سحابة الحزن.

وطلبت من عاصم أن يبدأ الكلام فأشار لى أنه ليس لديه شيئًا يقوله، لم أكن أعلم أن عاصم خجول إلى هذه الدرجة، واضطررت أن أحكى أنا، ولم يتحدث عاصم فى الندوة، إلا أنه كان سعيدًا بأن المؤشر اتجه إلى الضحك، اكتشفت أنه بقدر ما هو ساخر وجرىء على الورق، إلا أن عاصم الإنسان يقطر خجلاً.

 عاصم حنفى أحد أهم كتاب مجلة (روزاليوسف) على مدى عمرها الذي اقترب من 100 عام، نصفها على الأقل (نصف قرن) شهد حضورًا متميزًا ومتراكمًا لقلم عاصم، ارتبط على مدى عقود من الزمان بالصفحة الأخيرة، وفى مرحلة ما خلال التسعينيات كان يتبادل كتابتها مع وحيد حامد، وأظن أنها كانت فكرة الكاتب الصحفى الكبير عادل حمودة ،الذي كان وقتها هو المسؤول عن التحرير.

عندما بدأت المشوار فى المجلة كان قد سبقنى عاصم بسنوات، رأيت فيه شخصية مرحة يفتح قلبه للجميع، بدأ مثل كل الصحفيين حائرًا يبحث عن نفسه، حتى أشار عليه أستاذه الأول محمود السعدنى، بأن لديه شيئًا خاصًا، عليه أن يقدمه للقراء، وهو قدرته على السخرية، ومن هنا التقط الخيط.

 السعدنى بطبيعة تكوينه الفكرى ضد الكلمات الزاعقة (الحنجورية)  والتي تتدثر عنوة بالسياسة، كان بعض صحفى وكتاب هذا الزمن لديهم حالة من الالتباس بين البساطة فى التعبير والموقف الفكرى الصارم، يعتقدون أن الكاتب الحق ينبغى أن يكون متجهمًا، استطاع أستاذه محمود السعدنى أن يضعه على بداية الطريق، ليكتب بتلقائية، بعيدًا عن تلك الكليشيهات (سابقة التجهيز)، التي لم يتخلص منها عدد من أفراد جيله.

عاصم احتفظ بذخيرة لا تنفد فيها العديد من الحكايات مع أستاذه محمود السعدنى، صارت أقرب لدستور حياة، منها مثلاً تلك التي لم تبرح ذاكرتى.

 محمود السعدنى أثناء تواجده فى لندن، دخل عاصم المطبخ يجهز المكرونة تنفيذًا لاقتراح السعدنى، ليأكلاها معًا، طرق الباب ثلاثة أشخاص، دعاهم السعدنى للغداء، بينما هو اعتذر لهم قائلاً: (أنه سبق أن تناول غداءه قبل نصف ساعة)، وبعد أن انصرف الضيوف سأل عاصم أستاذه لماذا لم تأكل، رغم أنك كنت جائعًا؟ أجابه: أنا لا أطمئن لمشاعرهم تجاهى، ولهذا لا يمكن أن يصبح بينى وبينهم (عيش وملح).

كاتبنا الكبير عاصم حنفى ترك لنا من خلال كتاباته الراقية الساخرة، مشاعر من الاحترام والحب ستظل شاهدة عليه لأنها (العيش والملح)!