الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

من «المنسى» لـ«رجال الظل» وصولاً لـ«القرار»: عظمة «اختيار» مصر

ما الذى حدث فى مصر فى أصعب سبع سنين فى تاريخها، ماذا كان يجرى خلف الأبواب المغلقة، كم بلغ حجم المعلومات التى عرفها المصريون، كيف كانت التضحيات وإلى أى مدَى وصلت درجات الشجاعة؟.. كلها أسئلة تمّت الإجابة عليها فى تسعين حلقة، أى ما قارب الخمسين ساعة من الدراما الممتزجة بالواقع فى أحد أهم الأعمال التليفزيونية فى التاريخ المصرى وهو ثلاثية مسلسل (الاختيار).



لم تشبه سلسلة (الاختيار) أى أعمال وطنية سبقتها أو عاصرتها، حملت تلك الثلاثية تميزًا فريدًا من نوعه وخصوصية لم تتحقق - حتى الآن - سوى بها. فالدراما هنا كانت توثيقية مدعومة باللقطات المصورة والصور الفوتوغرافية، والمعلومات التى نسج منها السيناريو والحوار كانت حقيقية والشخصيات التى تجسّدت فى الأجزاء الثلاثة كانوا واقعيين عاشوا ولا يزال بعضهم يعيش بيننا.

من هنا جاءت أهمية (الاختيار) الذى من الممكن أن يكون فى يوم من الأيام فى المستقبل البعيد هو الشاهد الحى والدليل المادى على كل ما شهدته مصر وأبناؤها من جرائم ارتكبتها جماعة الإخوان الإرهابية.

مضمونًا؛ قدمت ثلاثية (الاختيار) وقائع وقصصًا وأحداثًا شهدتها مصر فى ست سنوات تقريبًا بداية من عام 2011؛ حيث ثورة 25 يناير مرورًا بكل ما لحقها من أحداث وصلت لتولى أصحاب الجماعة الإرهابية للحُكم، ثم ما فعلوه فى مصر وأبنائها ثم إزاحتهم فى 2013 وبَعدها ما قاموا به من عمليات إرهابية راح ضحيتها مئات من أبناء مصر حتى هجومهم الإرهابى الغادر على كمين مربع البرث فى عام 2017.

مضمونًا أيضًا؛ شاهد الجمهور المصرى والعربى وعَرف وأدرَك الكثيرَ من المعلومات التى تُعَد سرّيّة والتى كان سَردُها بهذا الشكل التوثيقى أكبرَ دليل على صحتها ودقتها، وهو الأمْرُ الذى اتضحت من خلاله الصورة كاملة لما كان يحدث وتمكن من محو أى التباس شعر به الناسُ فى يوم ما، وكذلك أى غموض أحاط أيًا من الوقائع التى جرت فى تلك الفترة.

مضمونًا كذلك؛ اقترب المصريون أكثر من حياة الأبطال المتواجدين أو الشهداء، الذين لم نكن نعلم عنهم شيئًا سوى أسمائهم وبعض المعلومات السطحية، ولكن مع تجسيد حياتهم ضمن أحداث الأجزاء الثلاثة عرف الناس من هم حقًا وكيف كانوا ولايزال منهم أبطال بمعنى الكلمة. عرفنا أيضًا قصصًا عن مواطنين مصريين لم يترددوا لحظة فى المجازفة بحياتهم من أجل إعلاء كلمة الحق ومواجهة المحاولات الآثمة لتدمير وطنهم.

شكلاً، تمتعت سلسلة (الاختيار) بأسلوب مميز. فالأجزاء الثلاثة رغم وحدة الفكرة فإنها لم تعرض بالترتيب الزمنى، فكانت البداية فى الجزء الأول لأحداث وقعت بين 2016 وصولاً لـ2019. وكان التركيز لأحداث عامى 2016 و2017 بحكى سيرة حياة الشهيد القائد «أحمد منسى» الذى استشهد وأفراد الكتيبة 103 صاعقة التى كان يتولى قيادتها. وفى الجزء الثانى (الاختيار.. رجال الظل) يعود الزمن لعام 2013 وما واجهته الشرطة المصرية بعد سقوط الجماعة الإرهابية، أما الجزء الثالث (الاختيار.. القرار) فيتناول الفترة التى سبقت سقوط الجماعة الإرهابية وتحديدًا ما حدث فى عام 2012.

شكلاً أيضًا، لم يلتزم السيناريو فى الأجزاء الثلاثة، بذات الخطوط والتتابعات، وإنما بنى على أساس قصة رئيسية وأبطال ثابتين،  مع تغير الأحداث والشخصيات من حولهم فى صورة يومية، ففى كل حلقة كان يتم سرد واقعة أو حدث بأبطال جدد، ينتهى ظهورهم دائمًا بانتهاء الحلقة. وقد استطاع المسلسل بهذا أن يطلع الجمهور والمواطنين المصريين على تفاصيل عشرات القصص التى شاهد بعضها بالتفصيل والبعض الآخر عرف عنها الكثير، وهناك وقائع وأحداث لم يعلم عنها شيئًا من الأساس.

شكلاً كذلك، جاءت العناصر الفنية فى الأجزاء الثلاثة فى صورة مكتملة، فالممثلون اختيروا بعناية وتحقيق فكرة أن يظهر نجوم من الصف الأول يوميًا لتجسيد شخصية فى حلقة تحكى إحدى الوقائع كان من أكثر عوامل الجذب فى المسلسل، أيضًا توظيف الموسيقى وإعادة استخدام أو تأليف أغانٍٍ صنعت خصيصًا لأحداث بعينها كان من أكثر العوامل الفنية التى منحت ترابطًا بين ما نراه ونسمعه، وقد تحقق ذلك من خلال الأغانى التى قدمت فى الأجزاء الثلاثة (متدمعيش يا امايا، سلام، هرم، قالوا إيه، بص فى عنينا، هنلبس عساكر، زفة الشهيد، ضالين، وقت الحساب، أسود) وصولاً لـ(إحنا مش بتوع حداد)، بالإضافة بالطبع للموسيقى التى أبدعها «تامر كروان» فى الجزء الأول و«خالد الكمار» فى الجزءين الثانى والثالث.

ومن أكثر العناصر أهمية كان التصوير والمونتاج، والأخير تحديدًا كان شديد التميز لأنه ربط المواد الوثائقية بالمشاهد الدرامية فى أسلوب متناغم وسلس..كل ذلك طبعًا جاء تحت قيادة مخرج واعد هو «بيتر ميمى» الذى قام بإخراج الأجزاء الثلاثة.

فى النهاية، ستظل ثلاثية (الاختيار) بكل ما قدمته هى واحدة من أهم الوثائق الدرامية التى جعلت سيرة الشهداء باقية فى عقول وقلوب من طُوقت أعناقهم بتضحياتهم، كما سجلت أحد أصعب الفترات التى عاشتها مصر والمصريون فى التاريخ، لكن الإصرار والصمود والوطنية عند عشاق تراب هذا الوطن أزاح تلك «الغُمة» وعبر بالأرض وناسها إلى بر الأمان.