السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

من داخل منزله نحيى ذكرى (حنفى) أشهر عريس فى تاريخ المسرح المصرى: محمد أبو الحسن فارس الكوميديا المنسى

9 سنوات مرت على رحيل الفنان، عظيم الموهبة «محمد أبو الحسن» ذلك الكوميديان الذى أمتع جمهور السبعينيات والثمانينيات بعشرات المسرحيات التى شارك من خلالها كبار نجوم تلك الفترة، أو حتى التى لعب بطولتها منفردًا بعد ذلك، ورغم أنه لم يصل لنا منها سوى النذر اليسير، بسبب عدم تصوير معظمها، إلا أنها جميعها جعلت منه فنانًا مسرحيًا من طراز رفيع، استطاع بخفة دمه أن يحول مشاهده إلى أيقونات مسرحية لا نزال نحفظ عباراتها عن ظهر قلب.



 

كما فعل فى «حنفى» عريس «فوزية» فى (سك على بناتك) والذى أصبح أشهر عريس فى تاريخ المسرح، كما استطاع بقدرته الاستثنائية على الارتجال، والتى لقب بسببها بـ (ملك الخروج عن النص) أن يفرض حضوره، وأن يجعل لدوره مهما قلت مشاهده تأثيرًا وبصمة، ورغم أن المسرح كان كل حياته، إلا أن مشاركاته السينمائية والتليفزيونية لا تزال حاضرة فى الأذهان، كما لا يزال حاضرًا ما تعرض له من تجاهل ونسيان متعمد كانا سببًا فى أن ترحل روحه قبل أن يرحل جسده بسنوات، ولعل الوقفة الاحتجاجية التى قام بها أمام مبنى التليفزيون فى عام 2009 رافعًا لافتة مكتوب عليها (أين العدل يا مصر) هى خير دليل على الألم الذى شعر به من رسم الضحكة على وجوه الملايين ولم يحصد سوى شقاء وبؤس، وفى ذكراه، ذهبنا إلى منزله، وحاورنا أبناءه الأربعة «شريف، وأحمد، وهبة، وجيهان، وزوجها الدكتور حسين» لنجد الفنان الراحل لا يزال حيًا بينهم، ليس فقط بما يحتفظون به فى خزاناتهم من أرشيف، وصور، وملابس لأهم أعماله، ويحتفظون به فى ذاكرتهم من قصص وحكايات ومواقف شكلت وجدانهم فى مراحل مبكرة من حياتهم، لكن بملامحه التى تشبه ملامحهم إلى حد كبير، وبخفة دمه التى ورثّها إياهم قبل رحيله.

 دعونا نبدأ منذ البداية، ما الذى يجعل مهندسًا زراعيًا ناجحًا فى مديرية التحرير أن يستقيل من وظيفته، ويذهب ليعمل فى التليفزيون مخرجًا ثم ممثلا؟

- القصة بدأت منذ الجامعة، حيث كون فى كلية الزراعة فرقة مسرحية قوية، قدمت عشرات المسرحيات الناجحة، وشارك من خلالها فى المهرجانات التى كانت تُقام على مستوى الجامعات، كما كان شاهدًا على تكوين فرقة ثلاثى أضواء المسرح، وشريكًا أساسيًا بها منذ أن فكر فى إنشائها زميله فى كلية الزراعة جامعة عين شمس «جورج سيدهم» وانضم إليها «الضيف أحمد» من كلية التجارة ثم «سمير غانم» بعد أن ترك كلية الشرطة ثم «عادل إمام» الذى كان قادمًا من كلية الزراعة جامعة القاهرة، لكنه بعد تخرجه، قرر «أبو الحسن» أن يعمل بشهادته فى مديرية التحرير، ورغم نجاحه فى عمله، إلا أنه كان يشعر بأن شيئًا ما يجذبه لممارسة هوايته القديمة، فاستقال بعد عشر سنوات، وقدم أوراقه للعمل فى التليفزيون، وتم تعيينه كمخرج، ومنها إلى التمثيل، لكن زملاءه فى الجامعة كانوا قد سبقوه فى المجال بخطوات، حيث كانت (ثلاثى أضواء المسرح) ملء السمع والبصر فى تلك الفترة، وشارك معهم فى عدة مسرحيات ناجحة، كان أولها مسرحية (من أجل حفنة نساء) وهى المسرحية الأولى للفرقة بعد رحيل «الضيف أحمد».

 لكن لماذا كان يشعر بالغصة من الحديث عن تلك الفترة، هل كان يتوقع دعمًا أكبر من زملائه الذين كانوا هم أدرى الناس بحجم موهبته؟

- بالطبع، علما أن تلك الغصة كان لها أسباب عديدة، منها أنه كانت تعرض عليه أدوار ثم يفاجأ بذهابها إلى آخرين، مثل دور «لطفى» الذى قدمه الفنان «هادى الجيار» فى (مدرسة المشاغبين) أو أن يتم عدم تصوير مسرحياته عنوة، ليكتشف بعدها أن هناك من دفع أموالًا حتى لا يتم تصويرها مثلما حدث فى مسرحية (هو بكام النهاردة) أو تأخير عرض المسرحيات بعد تصويرها لمدة طويلة مثلما حدث فى مسرحية (سك على بناتك) التى حفظت فى أدراج التليفزيون لمدة عشر سنوات قبل أن تعرض بتدخل من «فؤاد المهندس» شخصيًا، ولا سيما أن مسرحية (هالة حبيبتى) قد عرضت على الشاشة قبلها رغم أنها قدمت بعدها، الأمر الذى ساهم فى تأخر بزوغ نجمه، رغم نجاحه الكبير على خشبة المسرح.

 لكن لماذا كان يحدث معه هو تحديدًا كل هذا الاضطهاد؟

- والدنا كان معروف عنه القدرة على ارتجال المواقف الكوميدية بشكل عفوى وتلقائى، لدرجة أن المشهد الذى كان لا تتجاوز مدته ثوانىٍ على المسرح يصبح نصف ساعة مليئة بالضحك وتجاوب الجمهور، مثل مشهد دخول الضابط فى (من أجل حفنة نساء) أو حتى دوره الصغير جدًا فى مسرحية (فندق 3 ورقات) والذى كان يتلخص فى عبوره المسرح قائلا جملة (السلام عليكم) فقرر فى إحدى المرات أن يعبر صامتا ويدير ظهره للجمهور ليجدوا الجملة مكتوبة عليه، ويعلو صوت ضحكاتهم، أما عندما بدأ يلعب البطولات كان يصمم ملابس خاصة لأدواره، مثل بدلة مسرحية (هو بكام النهاردة) والتى ذهب بها إلى كهربائى ليضع فيها لمبات إضاءة تضىء على المسرح ولانزال نحتفظ بها حتى الآن، والحقيقة أن هذا الأمر أقلق بعض النجوم فى تلك الفترة، لدرجة أن «جورج سيدهم» رفض أن يتم تصوير مسرحية (المتزوجون) به، رغم أنه ظل يلعب دور «عصمت البلابيشى» لسنوات، واستبدله بـ «محمد التاجى» والسبب هو أن «أبو الحسن» قد كون مع «سمير غانم» ثنائيًا عظيمًا على المسرح، ونقل الدور إلى منطقة أخرى، بالارتجال الذى لم يستطع «جورج» مجاراتهما فيه.

هل هذا الأمر ينطبق على الدراما أيضًا حينما قدم دور «أمين السجل» فى الجزء الأول من (المال والبنون) بنجاح كبير ثم تم استبداله فى الجزء الثانى بـ «مظهر أبو النجا»؟

- ما أزعجه فى هذا المسلسل هو تقليص دوره فى الجزء الثانى بخلاف ما كان متفقًا عليه، لصالح شخصيات أخرى هى بالأساس دخيلة على فكرة المسلسل التى كانت تدور داخل البيت الكبير، ورغم النجاح الذى حققه، إلا أنه رفض استكمال الدور بعد ما وجده من تهميش، وانحراف عن الخط الدرامى للقصة الأصلية.

نعود إلى مرحلة هى الأهم بالنسبة له وهى مرحلة (سك على بناتك) ما ذكرياتكم عن شخصية «حنفى» أشهر عريس على خشبة المسرح؟

- لم يكن يقوم بدور «حنفى» فى البداية، فقد بدأ جرسونًا يقدم الشربات للضيوف، وارتجل فانتزع ضحكات الجمهور، ثم قدم دور المدرس الذى قدمه بعد ذلك «بدر نوفل» ثم قدم شخصية العريس، وكانت ابنته «هبة» تساعده فى تحضير الشخصية، وتسريح شعره كل ليلة، كما كانت تنتظر عودته ليحكى لها رد فعل «فؤاد المهندس» الذى كان ينزعج جدًا من خروج «أبو الحسن» عن النص، ويصرخ فيه غاضبًا كلما فعلها، لكنه يذهب إليه بعد قليل، ويطلب منه أن يعيد عليه ما قاله على المسرح، وبعدها يقول له (حلوة.. قولها بكرة لكن هزعق لك برضه) أما عن الضرب بالعصا، فقد كان حقيقيًا، ومؤلمًا، واخترعوا له العصاة ذات الشرائح لتصدر صوتا دون أن تسبب وجعًا، لكنها كانت مؤلمة أيضا، فأصبح والدنا يضع شريحة صفيح داخل بنطلونه، لتحميه من الضربات.  

 فى منتصف الثمانينيات تعرض لمحنة صحية كادت تودى بحياته، لكنها أظهرت له أيضًا معادن البشر، ما الذى تذكرونه عن تلك المحنة؟

- بدأ مرض والدنا منذ السبعينيات، وقد كانت تأتى له أزمات فى أثناء عرض (سك على بناتك) لدرجة أنه كان يدير ظهره للجمهور، ويأخذ «قرص» تحت اللسان ليتمكن من مواصلة العرض، حتى تفاقم الأمر ووصل إلى حد انسداد 4 شرايين، مما ترتب عليه حاجته لعملية قلب مفتوح طارئة، وعندما لم يتمكن من استصدار قرار من الدولة أو النقابة، قرر مواصلة العمل رغم الألم، ولا سيما أننا كنا أطفالا، وكانت والدتنا قد توفت منذ وقت قصير، حتى كتب عنه الصحفى «نبيل عصمت»، وعرفت الأمر الفنانة «سهير رمزى» التى تكفلت بعلاجه فى فرنسا على نفقتها الشخصية.

 فى السنوات الأخيرة من حياته تعرض للخذلان، ولم يعد يعرض عليه أعمال للدرجة التى جعلته يقف وقفة احتجاجية أمام ما سبيرو دون جدوى، ثم يرسل رسالة للإعلامى «معتز الدمرداش» يشكو فيها ما وصل إليه، كيف مرت عليه تلك الفترة؟

- لم يكن والدنا يشعر بأنه على قيد الحياة بعيدًا عن خشبة المسرح، لدرجة أن المسرحية الأخيرة التى قام ببطولتها (أسعد سعيد فى العالم) كان خارجًا فيها لتوه من جلطة فى المخ، أثرت على حركته، وأفقدته جزءًا من نظره، ومع ذلك كان ينسى كل آلامه بمجرد الوقوف على خشبة المسرح، وعندما توقفت العروض، وأصبحت توزع على مجموعة بعينها انتابه الحزن، خاصة أن ما حدث معه فى بداياته تكرر مرة أخرى، وبدأت الأدوار تنسحب منه بعد عرضها عليه، وتذهب لأشخاص يعملون أكثر من عمل فى الموسم الواحد، وعندما أرسل رسالة للإعلامى «معتز الدمرداش» ذيلها بتوقيع (فنان سابقًا ومتسول حاليًا) وكان يقصد أنه يتسول العمل حتى يشعر أنه لا يزال على قيد الحياة، ولم يكن يقصد المال إطلاقًا، لكن أسيئ تفسير الجملة، وظن البعض أنه فى احتياج مادى، وهذا غير حقيقى.