الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
عنصرية المستطيل الأخضر

عنصرية المستطيل الأخضر

كان من المفترض أن تكون منافسات كرة القدم من أهم الوسائل والأدوات، التى من خلالها يمكن توجيه رسائل عديدة لدعم الإنسانية والتقارب بين الشعوب، ولكن ما نراه الآن فى القرن الحادى والعشرين، الذى شاع فيه الحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وعدم التمييز (سواء من ناحية الدين أو اللون أو العِرْق) يجعلنا نؤكد أن كل ما سبق لا يعدو سوى كونه شعارات يتم استخدامها عند اللزوم، فما نشاهده من هتافات عنصرية ليس فقط من قِبَل الجماهير أو من بعض الحُكام أو اللاعبين، يؤكد أن ملاعب كرة القدم أصبحت خير مثال لعنصرية الغرب، الذى يقوم برفع شعارات ويتشدق بحقوق الإنسان ويحارب التمييز بين البَشر مُطالبًا إيّانا بتطبيقها واحترامها، فى الوقت الذى يجيز فيه المِثلية وعدم احترام عقيدة الآخر وتعاليم دينه.. وواقعة لاعبنا المصرى مصطفى محمد؛ وفرض غرامة عليه من قِبَل نادى نانت الذى يلعب ضمن صفوفه لرفضه ارتداء فانلة عليها شعار يدعو للمِثلية الجنسية؛ خير شاهد على ذلك.. تصرفات وتصريحات عنصرية أوضحت للجميع الجانب المظلم والسيئ فى كرة القدم، وتحديدًا تلك التى توجّه لبعض اللاعبين ذوى البشرة السمراء، والتى من الممكن أن تنهى مسيرتهم الكروية فى لحظة.



السطور السابقة سببها الإهانات العنصرية المتكرّرة للبرازيلى فينيسيوس جونيور نجم ريال مدريد، التى أعادت إلى الأذهان الذكريات السيئة التى مرت بكرة القدم الأوروبية، وكان من أبرزها ما تعرّض له الكاميرونى صامويل إيتو، وسبقه فى ذلك حارس المرمى الكاميرونى توماس نكونو الذى لم يكن معروفًا عند انضمامه إلى إسبانيول برشلونة فى 1982، ووقع الحارس العملاق ضحية الإهانات العنصرية ورمى الموز فى ملعب «الكامب نو» خلال الديربى ضد برشلونة، وهو نفس ما حدث أيضًا مع مواطنه إدريس كامينى وخليفته فى إسبانيول، الذى طالته صيحات القردة من قِبَل بعض مشجعى ريال سرقسطة فى 2004، بل وصف بجميع النعوت التى تنال منه ومن لون بشرته، حتى إن الحَكم سأله إن كان قادرًا على الاستمرار باللعب أَمْ لا!

ومؤخرًا تعرّض بليز ماتويدى، لاعب فريق يوفنتوس الإيطالى؛ لإهانات وسُباب عنصرى من طرف جمهور كاليارى، وبعد اللقاء نشر ماتويدى، صورة له عبر حسابه الرسمى بموقع التواصل الاجتماعى «تويتر» وهو يبكى قائلًا: «أنا ضحية هتافات عنصرية من قِبَل مشجعى كاليارى. الهتافات العنصرية كانت سببًا أيضًا فى بكاء الإيطالى ماريو بالوتيلى، صاحب الأصول الإفريقية والذى كان سببًا فى إسعاد الجماهير الإيطالية فى أكثر من بطولة كبرى عقب حصوله على جنسيتها، وكذلك تعرّض فى السابق النجم المغربى المهدى بن عطية مدافع فريق يوفنتوس الإيطالى؛ لهجوم عنصرى غير لائق خلال مداخلة هاتفية بأحد البرامج التليفزيونية عقب مباراة لفريقه، إذ سَخر منه أحد الموجودين فى الاستوديو لمجرد كونه عربيًا، نصل إلى صامويل إيتو الذى يُعَد من أوائل اللاعبين الذين خرجوا من المستطيل الأخضر عقب تعرُّضه لهتافات عنصرية من قِبَل جماهير ريال سرقسطة أثناء لعبه لبرشلونة الإسبانى، وبَعدها من قِبَل جماهير كاليارى عقب انضمامه لإنتر ميلان الإيطالى.

عمومًا؛ قد يتحمل بعض اللاعبين الهتافات المسيئة والعنصرية التى توجَّه لهم من الجماهير، ولكن من غير المقبول أن تصدر مثل تلك الإساءات من قِبَل لاعبين لزملاء لهم فى الفرق المنافسة، مثلما حدث من لاعب ليفربول السابق لويس سواريز عندما وصف، مدافع مانشستر يونايتد باتريس إيفرا بالأَسْوَد؛ ليتم إيقافه لمدة 8 مباريات وقتها.

ومن غير المقبول أيضًا فى عالم كرة القدم، أن تصدر مثل تلك الإساءات والكلمات العنصرية من قِبَل بعض حُكام المباريات على اعتبار أن الحَكم هو الرجل الذى يقضى بالحقّ بين اللاعبين ويطرد العنصريين ويعاقبهم، ولكن ماذا يحدث لو كان الحَكم هو مَنْ يوجّه الكلمات العنصرية؟! ففى مباراة بين باريس سان چيرمان واسطنبول باشاك شهير التركى فى بطولة دورى أبطال أوروبا التى حملت شعار (لا للعنصرية)، هاجم الحَكم الرابع الرومانى سيباستيان كولتيسكو مساعد مدرب الفريق التركى؛ حيث قال له الحَكم كلمة «نيغرو» والتى تعنى الرجل الأَسْوَد، بَعدها بدأت المشادات الكلامية بينه وبين الحَكم، حينها توجّه حَكم الساحة لطرد مساعد المدرب.. لم يهدأ خاطر الفريق التركى وأخذ دمبابا مهاجم الفريق والذى كان شاهدًا على ما حدث، بتوجيه الكلمات للحَكم الرابع، موضحًا له أنه لا يحقّ له التكلّم بهذا الأسلوب وبهذه الطريقة. بَعدها انسحب الفريقان من أرض الملعب، ولم يجرؤ الاتحاد الأوروبى لكرة القدم «يويفا» القائم على المسابقة باعتبار باشاك شهير منسحبًا، وأعيدت المباراة فى عدم وجود هذا الحَكم العنصرى، والذى بسببه قدّم وزير الرياضة الرومانى اعتذارًا للفريق والشعب التركى نيابة عن الرياضة الرومانية.

بالطبع لن يفوتنا هنا العنصرية والبلطجة الموجودان فى الملاعب الإسرائيلية التى تشهد كل ما هو عنصرى وغير آدمى، ويكفى فقط أن يتم رفع العَلم الفلسطينى فى المدرجات حتى يشتعل الموقف، ويتحول المستطيل الأخضر إلى ساحة معركة حقيقية؛ ليصل معها الأمر فى بعض الأحيان الى إلقاء القبض على اللاعبين العرب، ناهيك عن رفض السُّلطات الإسرائيلية منح تأشيرات الخروج للفرق العربية داخل فلسطين للمشاركة فى البطولات العربية أو الدولية.

هذا بعض من كل من العنصرية التى أصبحت تميز العديد من الملاعب الخضراء التى يجب أن يقف أمامها الغرب الديمقراطى المتحضر ويناقش أسبابَها بعقلانية قبل أن يطالبنا بالأخذ بها.