الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الطريق الثالث.. هيا بنا نحتفل بالـ«World Donkey Day».. ونناقش حلم حمار «الحكيم توما» .. متى ينصف الزمان.. فأركب؟

الطريق الثالث.. هيا بنا نحتفل بالـ«World Donkey Day».. ونناقش حلم حمار «الحكيم توما» .. متى ينصف الزمان.. فأركب؟

لا أجد حرجًا أن أقولها علنًا، وعلى طريقة سيئ الصوت والطلة مطرب الأفراح والليالى الملاح، وهو يعربد بصوته المتحشرج صارخًا: «بحبك يا حمار»، أقولها صدقًا.. ولا أجامله بمناسبة الاحتفال بيومه العالمى قبل أيام فى الثامن من مايو، فالحمار هو أقرب الحيوانات إلى قلبى وعقلى وروحى، وبعيدًا عن «أكليشيهات» صفاته التقليدية، الطيبة والصبر والجلد، فإنى ربما أرى فى صحبته ما لا يراه غيرى من سائر البشر، من ونسة وأمان، ولهذا تابعت بشغف سيرته ومسيرته على المستوى المحلى، قبل أن تصبح محبته عالمية منذ عام 2018 ليحتشد عشاقه من سائر دول العالم للاحتفاء به سنويًا، تعبيرًا عن الامتنان والشكر لحضرة الحمار المحترم.



والحمار فى مصر ثروة لمالكه، خاصة فى الريف، ورغم تقدير الفلاح للحمار ومبالغته أحيانًا فى إكرامه، فإن تقارير متعددة أشارت إلى أن الحمار المصرى مهدد بالانقراض، وألمحت إلى خطرين يسهمان بشكل ملحوظ فى تراجع أعداد الحمير، هما التصدير والذبح، وقد بلغ إجمالى عدد الحمير فى مصر نحو مليون و800 ألف حمار، فيما أكدت النقابة العامة للفلاحين فى بيان لها بالتزامن مع اليوم العالمى للحمير، أن «الحمير لا تنال الاحترام الكافى»، مشيرة إلى تناقص أعدادها بسبب ما أسمته «التجارة غير الشرعية»، مطالبة بالتعامل مع الحمير باعتبارها «ثروة محلية» والعمل على زيادة أعدادها بشكل علمى.

الحمار فى المطار

وتجلت محبتى للحمار فى كتابى السابع «زوربا من شبرا» الصادر عام 2017، وكان بالمناسبة من أكثر الكتب مبيعًا فى معرض القاهرة الدولى للكتاب فى نفس العام، وقد خصصت فى الكتاب مقالًا بعنوان «الحمار فى المطار»، رصدت فيه وحللت حادثة شهيرة وقعت خلال سنوات ما بعد فوضى «الربيع العربى»، تحديدًا عام 2015، وكتبت وقتها قائلًا: تعاملتُ بجدية مع قصة زيارة «الحمار» للمطار، التى تصدرت أجندة الإعلام المصرى. ربما يرجع ذلك إلى المكانة التى شغلها «الحمار» فى قلبى بفضل أستاذنا ومفكرنا الكبير توفيق الحكيم، الذى جعل منه ندًّا ونديمًا ومحاورًا فى بعض كتبه، بل إن الحكيم كرم حماره وارتقى به ليجعله بطلًا لأحد هذه الكتب الذى جاء بعنوان: «حمار الحكيم»، لهذا حزنت من استخفاف عدد من الزملاء الإعلاميين بقدرة هذا الحمار على الوصول إلى داخل زمام مطار القاهرة الدولى، وبالغ بعضهم فى السخرية منه، ومن إدارة المطار، إلى حد جعلهم يتناسون حكمة الظهور المفاجئ له فى هذا التوقيت تحديدًا من تاريخ أمتنا.

توما الحكيم

ولا تزال مقدمة أستاذنا توفيق الحكيم فى كتاب «حمار الحكيم»، التى نسبها إلى «أسطورة قديمة»، صالحة لتفسير مشاهد كثيرة، نتوقف أمامها غير «مستوعبين» أو «مصدقين»، ونشعر وقتها بمثل ما شعر به هذا «الحمار». وكان نص المقدمة: «قال حمار (الحكيم توما): متى ينصف الزمان.. فأركب؟ فأنا جاهل بسيط، وصاحبى جاهل مركب، فقيل له: وما الفرق بين الجاهل البسيط والجاهل المركب؟ فقال الحمار: الجاهل البسيط هو من يعلم أنه جاهل، أما الجاهل المركب، فهو من يجهل أنه جاهل».

بالمناسبة (الحكيم توما) أو توما الحكيم، هو طبيب ذكر فى بعض المصادر التاريخية، ويضرب به المثل فى الجهل.

الحمار والإرهاب

لم يتعرض حيوان للظلم مثلما تعرض الحمار، وقد بلغ الظلم مداه بارتباط الحمار المصرى بسطوع نجم الإرهاب عالميًا، وينسب إليه أنه كان سببًا مساعدًا فى استيطان التطرف الدينى فى كهوف أفغانستان منذ نهاية السبعينيات وحتى اليوم.

وتعود القصة التى كثرت الإشارة إليها فى الفترة التى أعقبت سقوط نظام حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك عام 2011، ودون أى دليل دامغ نسب البعض إلى أحد رجال الأعمال الكبار فى عهده، تجارته المشبوهة فى تصدير الحمير إلى أفغانستان بالمخالفة للقوانين المحلية أو بالتحايل عليها، وقدرت بعض الافتراضات أعدادها بعشرة آلاف حمار مصرى تم تصديرهم إلى عدة ولايات أفغانية، وذلك لقدرة الحمار على تحمل مشقة الحركة وسط الطرق الجبلية الوعرة وتحمله الظروف القاسية للحياة البائسة التى كان يعيشها هؤلاء المخدوعون بوهم الجهاد لوقف الزحف الشيوعى على الأراضى المسلمة، وأشعلت قصة «الحمار المصرى فى أفغانستان» خيال كاتب كبير بحجم الأستاذ وحيد حامد (رحمه الله)، فقدمه ضمن قصة صعود أحد أبطاله الرئيسيين فى مسلسله الرائع «بدون ذكر أسماء» من إخراج تامر محسن عام 2013، ليسجل لنا على شريط الدراما الخالد هذه القصة الخيالية التى تنسب أحيانًا للأستاذ هيكل، وفى أحيان أخرى تروى مستندة على وثائق دولية مسربة، نشرها باحث بريطانى (أمريكى) يكشف فيها قصة صعود أحد المؤثرين فى الشرق الأوسط لعقود، وكيف انطلق نجمه مع تجارة «تصدير الحمير» إلى المجاهدين الأفغان ضد الاحتلال السوفيتى.

جمعية الحمير المصرية

لا يعرف كثيرون أنه كان للحمار فى مصر «جمعية» ترعاه، وأرجو ألا يفاجئك أن الفنانة الكبيرة الراحلة نادية لطفى كانت آخر رئيس فخرى لهذه الجمعية، ويذكر تاريخيًا أن الجمعية ناضلت كى تحظى بالإشهار عام 1930 وكان الطلب يرفض من الملك فؤاد (شخصيًّا)، ويعلَّلَ الرفض بغموض الاسم وأن اسم (جمعية الحمير المصرية) له مدلول سياسى يعترض عليه القصر الملكى. وقد وثقت مجلة «ذاكرة مصر المعاصرة» الصادرة عن مكتبة الإسكندرية، السياق العام لتأسيس جمعية «الحمير المصرية» قبل أكثر من 90 عامًا على يد المسرحى الرائد زكى طليمات، والذى جاء ردًا على إغلاق سلطة الاحتلال البريطانى لمعهد الفنون المسرحية، فقام بتأسيس هذه الجمعية بمشاركة مثقفين بارزين، وحملت الفكرة قدرًا من الرمزية لما للحمار من صفات يتميز بها ومنها الصبر والتحمل، ويسجل أنه «بفضل جهود أعضاء الجمعية أعيد فتح المعهد».

وقد حافظ أعضاء الجمعية رغم مرور الزمن على تقاليدهم الخاصة، كما أكدت الفنانة نادية لطفى لصحيفة «المصرى اليوم» فى تحقيق مميز نشرته فى 28 مايو عام 2016، وأضافت قائلة: «كان لدينا تصنيفات للأعضاء العاملين بالجمعية طبقًا لأقدميتهم فى العمل التطوعى، والتى تم تدوينها فى كروت العضوية الخاصة بكل منهم، ومن هذه التصنيفات أن يحمل العضو الحديث أو المبتدئ لقب (حرحور) نسبة إلى الحمار الصغير، ثم لقب (حمار)، يليهما لقب (حامل الحدوة)، حتى نصل إلى الأعلى منزلة فى العضوية وهو لقب (حامل البردعة) أى (حمار كبير) الذى غالبًا ما يحصل عليه رؤساء الجمعية طوال فترات حياتهم». وأكملت: «لدينا طقوس تستهدف إضفاء البهجة والمداعبة منها محاولة البعض أن يُهدِى صديقه عضو الجمعية (حزمة برسيم)، أو (شوية تبن)، أو أن يداعبه بقوله: نلتقى فى (الزريبة)».

وقدمت الجمعية فعليًّا خدمات مختلفة للمجتمع منها محو الأمية، وتشجير الأحياء، وإنشاء الحدائق، واستصلاح الأراضى لتمليكها للشباب، وتنظيم الرحلات الداخلية والخارجية، ورعاية المرضى من خلال عيادات الأطباء الذين انضموا للجمعية، ووصل عدد أعضاء جمعية الحمير المصرية إلى أكثر من 30 ألف عضو، كان معظمهم من الطبقات الاجتماعية الثرية أو الفنانين والسياسيين والإعلاميين.

وكانت الجمعية على وشك الإغلاق عام 1986 عند وفاة آخر أعضائها المؤسسين الفنان الكبير السيد بدير، ولم ينقذها من الإغلاق سوى جهود وزير الصحة المصرى الأسبق محمود محفوظ فاستمرت الجمعية فى نشاطها، والذى أظنه توقف قبل سنوات بعيدة، بسبب يأس الحمير من بنى البشر وفرارهم إلى (المطار) أملاً فى هجرة شرعية حتى لو كانت إلى قندهار الأفغانية، بعد أن تضخمت الذات البشرية بفعل طغيان التكنولوجيا الحديثة فأصبحت كبالون فارغ، يتطابق إلى حد كبير مع (توما الحكيم) الذى أعيا الدنيا بجهله، وهو يظن أنه أعلم الناس.