الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
كدهوّن!.. عجبى عليك يا جاهين هو والسندريلا "2"

كدهوّن!.. عجبى عليك يا جاهين هو والسندريلا "2"

عندما كتب صلاح جاهين (وعصير العنب العنابى العناااابى نقطة ورا نقطة ياعذابى ياعذابى يكشفلى حبايبى وصحابى.. يوحدنى وأنا ف عز شبابى القلب على الحب يشابى والحب بعيد عن أوطانه بانو أيوه بانو) وكدهون لم يكن يدرى وهو يبدع أجمل ما كتب للسينما المصرية بتلك المعانى غير المسبوقة -بانو بانو على أصلكم بانو- لتغنيها سعاد حسنى فى فيلم (شفيقة ومتولى) بكل ما بداخلها من مخزون الوجع والمرارة لترقص كرقص الطير المذبوح من الألم.



 

تترنح بوجه شاحب وشعر أشعث وجسم نحيف كجسد مريض يخلو من الإثارة والإغراء وكأنها تعمدت أن تحجب كل ملامح أنوثتها، كأنها قررت معاقبة كل من شارك فى اغتصاب براءتها بوحشية وتركها مجرد روح هائمة تبحث عن ذاتها وسط الزحام بحرمانهم من مشاهدة بهاء جمالها وضحكتها التى طالما أسعدتهم بطلتها البهية فى الأيام الخوالى وكعادتها أبدعت سعاد حسنى فى التشخيص والغناء والرقص وتقمصت روح شفيقة البائسة حتى توحدت معها تمامًا فى مأساتها التى انتهت بمقتلها على يد مجهول كما حدث مع سعاد نفسها فى الواقع وينتهى الفيلم ويأخذ حظه من النجاح ويمضى وتبقى أغنية بانو بانو على أصلكم بانو وتتحول لأيقونة أشهر من الفيلم ذات نفسه ويرددها المصريون حتى يومنا هذا وكأنها لسان حالهم فى السراء والضراء دون أن نُدرك سرها غير صلاح جاهين الذى يجعلها حزينة فى نفوس التعساء وراقصة فى قلوب الدراويش، فمن يريدها حزينة سيبكى معها ومن يراها راقصة سيرقص عليها وكدهون وتمضى الأيام والسنين وتصبح هذه الأغنية بالذات هى مرثية سعاد حسنى بعد أكثر من عشرين سنة وتذيعها كل الفضائيات أثناء استقبال الصندوق الخشبى الذى ترقد به جثتها القادمة من لندن فى صمت مهيب وتساؤلات حائرة تبحث عن إجابات دون جدوى، فقد كان الصندوق مغلقًا على سر حياتها وسر موتها وليس فقط على جثمانها الصامت وفجأة وسط كل هذا الزحام والضجيج بالمطار وملاحقة كاميرات الصحفيين والقنوات الفضائية وتزاحم جمهورها لإلقاء النظرة الأخيرة ينطلق صوت سعاد حسنى من داخل الصندوق يصرخ بلا توقف (دوروا وشكم عنى شوية كفيانى وشوش.. ده أكم من وش غدر بيا ولا يتكسفوش) وكأن هذه الأغنية لسان حالها فعلا فى تلك اللحظة الفاصلة بين الحياة والموت، لم تجد غير كلمات صلاح جاهين لتعبر عن هذا الموقف الحزين لنجمة كانت ملء الأسماع والأبصار تموت وحيدة غريبة عن وطنها وجمهورها ومجدها الفنى بعد أن عانت كثيرًا من غدر الأحباب والأصحاب وتراهم على حقيقتها دون أقنعة بعد أن زال بريقها يأتى صوت سعاد حسنى من داخل صندوقها المغلق عليها بما تشعر به فى تلك اللحظة. 

ولا غنى ولا صيت.. دولا جنس غويط.

وكتاب ما يبان من عنوانه

بانوا.. أيوه بانوا

جربنا الحلو المتعايق أبو دم خفيف

وبقينا معاه أخوه شقايق فاكرينه شريف

أتاريه مش كده على طول الخط

الطبع الردى من جواه نط.

 وكدهون كان مشهدًا مهيبًا ومقبضًا فى نفس الوقت رؤية طائرة مصر للطيران تهبط فى صمت وتسير على الممر لحظات قبل أن تقف تمامًا وتفتح جوفها ويخرج صندوق خشبى أسود يحتضن بداخله جثمان السندريلا الحزينة العائدة إلى وطنها لتدفن به بعد غربة سنوات عانت فيها مرارة الوحدة والاحتياج والمرض، تعود السندريلا بابتسامة هادئة بعد أن تخلصت أخيرًا من كل وجعها وحيرتها ووحدتها، تستحضر كلمات الساحر صلاح جاهين الذى أخبرنا بما حدث فى الماضى وتنبأ بما هو قادم ليرصد حجم الوجع والألم الذى اعتصر قلب سعاد حية وميتة من وجوه كثيرة ادعت محبتها وكانت أول من نهشت روحها البريئة، وكدهون نكاد نسمع صوت سعاد يخترق النعش وينطلق صارخًا بصوت مجروح.

دوَّروا وشكو عنى شوية

كفايانى وشوش

دا أكم من وش غدر بيا

ولا ينكسفوش

وعصير العنب العنابى العنابى

نقطة ورا نقطة يا عذابى يا عذابى

وعصير العنب العنابى العنابى

نقطة ورا نقطة يا عذابى يا عذابى

يكشفلى حبايبى وصحابى

يوحدنى وأنا فى عز شبابى

يكشفلى حبايبى وصحابى

يوحدنى وأنا فى عز شبابى

القلب على الحب يشابى

والحب بعيد عن أوطانه

بانوا أيوا بانوا

وكدهون يظل صوت سعاد حسنى ينوح ويبكى وهو يحكى حكايتها حتى وقت جنازتها وخروج النعش من المسجد الكبير وسط حشود غزيرة من المعزين ووسط جمهورها الذى أصر على الحضور لوداعها إلى مثواها الأخير وملاحقة كاميرات الصحفيين والفضائيات لنعشها وكأنها عروس تُزف إلى السماء بعد أن تخلصت أخيرًا من كل وجعها وأحزانها لتعود حرة طليقة تطلق ضحكتها الرنانة مرة أخرى كما كانت تفعلها فى الأيام الخوالى فتسمعها تغنى ساخرة مما حدث ويحدث فتردد كلمات جاهين بمزيج فريد من الفرحة والحزن. 

أنا راح منى كمان حاجة كبيرة

أكبر من أنى أجيبلها سيرة

قلبى بيزغزع روحه بروحه

علشان يمسح منه التكشيرة

ادعوله ينسى بقى ويضحك

والضحك ده مزيكا

كهربا على ميكانيكا

اضحك ع الشيكا بيكا

هاهاها.. ع الشيكا بيكا

هتقولى الشيكا بيكا إيه هىّ؟

هى الحركات اللى مش هى

الفرقة والحرقة والغرقة

والزمبة فى البمبة الذرية..

بدل ما نطق..ولا لاء نضحك..

والضحك ده مزيكا

كهربا على ميكانيكا

اضحك ع الشيكا بيكا

هاهاها.. ع الشيكا بيكا

ولا تزعل ولا تحزن

اضحك برضه ياويكا

هاهاها.. ع الشيكا بيكا.. ع الشيكا بيكا. 

وهكذا تفعلها سعاد حسنى وتمضى إلى الأبد بلا عودة تاركة الجميع خلفها فى حيرة ودهشة وأسئلة لا تنتهى، الكل يسأل عن سر زوزو وماحدث هناك فى عاصمة الضباب وكيف سقطت من سابع دور لتلقى حتفها فى لحظات هل هناك جريمة قتل أم انتحار ؟ 

 وكدهون يستمر صلاح جاهين فى استكمال النبوءة وكأنه يرى جثة سعاد حسنى ملقاة على الأرض غارقة فى دمائها صامتة دون إجابة لكل التساؤلات الحائرة، فنسمع صوته فى إحدى رباعياته الشهيرة كأنها تصف الموقف تمامًا فيقول: 

على رجلي دم .. نظرت له ما احتملت

على إيدي دم.. سألت ليه ؟ لم وصلت

على كتفى دم.. و حتى على رأسى دم

أنا كلى دم .. قتلت ؟ ….. والا اتقتلت

وعجبى   

وكدهون قالت سعاد حسنى عن صلاح جاهين: إنه كان صامتًا دائمًا كلامه قليل يختزن حزنه بداخله ولا يتكلم رغم أنه كتب قصيدة (اتكلموا) وكان بيطلب كلنا نتكلم ولكنه ظل صامتا لا يتكلم أبدًا عن ما يشغله ويقلقه رغم أنه كان يستوعب الجميع ويستمع لشكواهم ويحتضن ضعفهم، ظل صامتًا لا يتكلم رغم أنه كتب قصيدة اتكلموا. 

محلا الكلام ما ألزمه

.. وما أعظمه

فى البدء كانت كلمة الرب الإله

خلقت حياة.. والخلق منها اتعلموا

فاتكلموا.. اتكلموا

 

الكلمة إيد

الكلمة رجل

الكلمة باب

الكلمة نجمة كهربية فى الضباب

الكلمة كوبرى صلب فوق بحر العُباب

الجن يا أحباب ما يقدر يهدمه

فاتكلموا.. اتكلموا.

وكدهون وصفت سعاد حسنى روح صلاح جاهين بـ«الفراشة»، وقالت: «صلاح زى الفراشة بالظبط يقف على طراطيف صوابعه ويورينا إزاى نقدر نعمل تعبير بالحركة الراقصة بكل مشاعرنا.. ما بالك بالحوار الخاص بالفيلم أو الأغنية أو المشهد، ده غير الجانب الإنسانى كان زى حلم من الأحلام».

وتابعت: «إحنا كنا سعداء إننا قابلناه وأخدنا حاجة من أعماله.. كنت كل حاجة بحسها عن المرأة، الحياة، الظلم، ألاقيه هو لسان حالى وهو بيكتب أغنية أو بيعمل حاجة وكأنى قاعدة قدام مدرسة كبيرة أوى وكدهون ولا يتركنا صلاح جاهين قبل أن يقول: 

أنا اللى بالأمر المحال اغتوى

شفت القمر نطيت لفوق فى الهوا

طلته مطلتوش - إيه أنا يهمنى؟

وليه ما دام بالنشوى قلبى ارتوى 

وعجبى عليك يا جاهين.