الثلاثاء 22 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
داء التلقين ينتج لنا آفة  «النحن والهم»

داء التلقين ينتج لنا آفة «النحن والهم»

من المحزن أن نقرأ بين الحين والآخر بعض الآراء التى تحكم على بلد ما من منظور النقل والتأثر برأى جهة أو إنسان آخر، ذلك الأسلوب الذى لا يستخدم العقل الذاتى فى البحث الدقيق وبناء الآراء وهو ذات العقل الذى لا يبذل جهدًا فى الأساس فى محاولة الفهم والتحليل بعيدا عن العاطفة، فتجد الأحكام تطلق بسرعة البرق دون أى استناد شخصى أو معرفى سوى ما قيل وما يردده البعض كالببغاء.



ولكن رغم الأسى الذى قد ينشأ لدى البعض من تلك الحالة السلبية فى إطلاق الأحكام إلا أنه ربما جدير بنا أن نفهم أسبابها، فقد عاش الكثيرون منا لسنوات طويلة تجربة التلقين وعدم المجادلة، خوفا من العقاب فى حين وفى حين آخر رهبة من أن نُبعد من محيط كنا نعتقد أن لا قيمة لنا سوى بكوننا جزءًا منه، ولكن رغم أن البعض منا تمكن ربما بفعل بعض مما فى حمضه النووى من مشاكسة وإيمانه بضرورة التبصر أن ينتقل من زاوية المتلقى السلبى إلى مستوى المتلقى الإيجابى، إلا أنه ورغم ذلك ما زال الكثير منا يجد صعوبة فى التعامل وقبول العقلية التى ما زالت مبنية على نظرية النحن والهم، تلك العقلية التى تقول «إن لم تكن معى فأنت حتمًا ضدى»، وكأن منطقة الاختلاف لابد لها أن تكون منطقة خلاف وتضاد.

فى السياسة الأمريكية هناك العديد من الأمور التى لا أتفق معها، فعلى سبيل المثال لا الحصر، يبقى الرئيس الأمريكى السابق ترامب من وجهة نظرى مثال رجل بالمجمل أساء للنسيج الداخلى والخارجى لأمريكا والعالم ،رغم بعض قراراته الصحيحة التى تصب فى مصلحة دول أجد نفسى متعاطفًا معها، وهو حكم بنيته بعد معايشتى ومتابعتى اليومية لانعكاسات إدارته منذ اللحظة التى أصبح فيها رئيسًا، هو كالرجل الطبيعى القوى الذى لديه بعض من الاختلال الكيميائى فى الأعصاب، فإن واظب على أخذ الدواء سيتعامل مع يومه ومع محيطه بالشكل اللائق الذى يرضى الجميع وإن لم يتفقوا معه، ولكن إن فاق ذات صباح وفاته تناول الدواء فقد يكون وبالا على كل من يتصل أو لا يتواصل معه من أصدقائه أو خصومه، فينقلب حال البلاد ومعه أحوال العباد والعالم.

الدستور هنا هو من يحكم، وليس الرئيس أو الكونغرس أو المحكمة العليا، الحكم هنا لرأى الشعب وليس لرأى السياسى أو القاضى أو رجل الأعمال، نعم هؤلاء لهم تأثيرهم وبيدهم تحريك الأمور بالاتجاه الذى يريدون بالحق أحيانا وبالتحايل فى مرات أخرى، إلا أن المواطن العادى كجارى له الحق فى أن يقول رأيه فى الشارع بكل صراحة دون أن يتجرأ أحد ويوقفه أو يمنعه من الحديث، وله الحق فى أن يعترض عبر القنوات التى كفلها له الدستور ليمنع قرارًا أو يلغى آخر، لذلك يبقى نبض الشارع هو أهم المقاييس التى أجدها تنير لى الطريق للنظر لتلك التجاذبات التى بدأت بها حديثى واعتمادها كأحد أهم الأسس للبحث والتمحيص من أجل الوصول لرأى قد يكون الأقرب للصواب.

ميزة تجربة العيش فى أمريكا أنها أعادتنى لصفوف الدراسة ليس بالمدارس والجامعات بل فى دهاليز المكتبات وبطون الكتب، فاستبدلت هوايات كرة القدم والبلوت بمرافعات قضايا المحكمة العليا وتحليلات قوانين الدستور ومراسلات الإدارات الأمريكية السابقة والحالية الداخلية منها والخارجية، أما المذكرات الشخصية لقيادات هذا البلد السياسية والفكرية فأصبحت كقهوة الصباح أو ربما قهوة المساء، تفتح ذهنى على عقلية رجال ونساء استخدموا العقل والحيلة فى تحقيق أهداف جلها لوطنهم وبعضها دون شك شخصى.

هذا البلد ليس مثاليًا كما قد يتوهم البعض، لكن الحكم عليه بسطحية من خلال الصورة النمطية التى بناها ويبنيها فى مخيلتنا الإعلام أو من خلال تصريحات أصحاب القرار ومن خلفهم ماكيناتهم الدعائية يبقى أقصر طريق للوصول للرأى المشوش، قد يكون فى بعض مكونات ذلك الرأى أمرًا صحيحًا، ولكنه بالمجمع يسقط أمام المخالف صاحب الحجة القوية، فالأبيض والأسود ليسا اللونين الوحيدين فى عالم السياسة المتلونة، ومن يتصور أنها سياسة فيها الشيطان وفيها الملاك فقط فهو واهم، فقد تجد الشيطان هنا يلبس الأبيض ويصلى فى الكنيسة خاشعًا، وقد تجد الملاك يقتل فى الخفاء ويتحرش بالقاصرات وإن لبس هو الآخر الأبيض وتوشح بالطهارة، فأيهما فى نظرك الشيطان وأيهما الملاك؟