السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
السودان.. بالعربى الصريح!! المساواة بين دور الجيوش الوطنية والميليشيات المسلحة يضرب الأمن الإقليمى فى مقتل

السودان.. بالعربى الصريح!! المساواة بين دور الجيوش الوطنية والميليشيات المسلحة يضرب الأمن الإقليمى فى مقتل

قبل أن نتحدّث عن السودان وما يشهده.. ما كان وما هو متوقع أن يكون.. فإن المنطق يفرضُ علينا تعريفًا واضحًا للمَشهد، ومن هذا التعريف يمكن بناء سياق وسبب ذلك ومَرجعه هو تعدُّد التعريفات، وهو ما نتج عنه تعدُّد القراءات لمَشهد كارثى وإن كان بعضُ هذه التعريفات يتجاوز كارثية المَشهد نفسه.



 

بمعنَى.. أن البعضَ يختصر المَشهد ويختزله فى اسم الفريق أول عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السودانى ومحمد حمدان دقلو المُلقب بـ(حميدتى) قائد ميليشيا الدعم السريع.. هذه الصيغة وهذا المدخل التعريفى للمَشهد يجعل السياقَ ينحصر فى أن ما يشهده السودان صراعٌ على السُّلطة.. وهذه القراءة تتواجد فى الصحافة العالمية ونختلف معها، وهذا الاختلاف من واقع تداخُلنا ومُعايشتنا للواقع السودانى سياسيًا وشعبيًا.

القراءة الثانية.. وهى الأكثر رواجًا فى الخطاب الإعلامى العربى وأعتبرها كارثية لدرجة تتجاوز كارثية المَشهد نفسه.. هى وضع الدور المنوط بالجيوش الوطنية فى حفظ أمن واستقرار وسيادة الأوطان على قدم المساواة مع ميليشيا مسلحة.. هذه المقاربة الفاسدة فكريًا وسياسيًا تضرب الأمن الإقليمى العربى فى مَقتل من وجهة نظرنا لأنها تقوِّضُ نواة منظومة الأمن الإقليمى المتمثل فى مبدأ (الدولة الوطنية)، واعتماد هذه القراءة والاستغراق فى هذه الصيغة يجعل الأمنَ القومى العربى على المَحَك، فما يحدث فى السودان اليوم قد يتكرّر فى أىّ موقع آخر فى الإقليم العربى، وهذه القراءة مَن يعتمدها تصل به إلى استنتاج مُخل ومَفاده أن ما يشهده السودان الآن (نزاع مُسَلح)، وهذا المُصطلح له تبعاته وترتيباته فى القانون الدولى تفضى فى نهاية المَطاف إلى تقسيم جديد للسودان.

القراءة الثالثة.. وهى ما نعتقده ونميل إليه.. أن ما يشهده السودان الآن مواجهة فرضت على القوات المسلحة السودانية التى لم تطلق الرصاصة الأولى.. مواجهة مصيرية لحماية السودان وسيادته ومقدراته.. مواجهة بين قوات مسلحة نظامية يحكمها القَسَمُ والشرفُ والولاءُ لوطنها وبين ميليشيات الجنجويد التى تم توظيفها فى الصراع بدارفور إبان عهد البشير- سبب كل كوارث السودان- قبل أن تصبح فى عهده تحت اسم (الدعم السريع).. ثم نعت محمد حمدان دقلو بلقب (فريق) دون أن يدرس العسكرية أو ينخرط فى القوات المسلحة السودانية من الأساس.

عبءٌ ثقيلٌ ألقى على القوات المسلحة السودانية التى تدخل هذه المواجهات وسَنَدُها هو الدعمُ الشعبىُ من الشارع السودانى وتكاتف النخب السياسية.

وفيما تجرى اتصالات هنا وهناك لاحتواء الموقف وتتسارع عمليات إجلاء الرعايا وتقوم الدولة المصرية وأجهزتها ممثلة فى القوات المسلحة والمخابرات العامة والداخلية والخارجية والهجرة بمَلحمة حقيقية لإجلاء الرعايا المصريين وإعادتهم إلى حضن الوطن وتساعد الدول الصديقة والشقيقة فى نقل رعاياها.. استحضر الذهن الصحفى المسار شبه المتكرّر لإنزال الفوضى على الدول العربية.

ولا أتحدث هنا عن أدبيات تاريخية.. ولكن عن واقع عايشته واشتبكتُ معه صحفيًا على مدار 20 عامًا من احتلال العراق فى 2003 إلى اغتيال الحريرى ثم حرب لبنان 2006 والتى رصدتُ مجرياتها عن قرب موثقًا مَشاهد الخراب والدمار إلى حرب غزة 2008 والتى عايشتُ تفاصيل مجرياتها من داخل أروقة مكتب وزير الخارجية آنذاك السيد «أحمد أبوالغيط» وصولاً إلى خراب الربيع العربى وما جرَى على أرض العرب شرقًا وغربًا.. فإن سيناريو الفوضى فى الإقليم العربى موحّد العناصر وقوامه «تفاعُل الأطماع الخارجية مع التقديرات الإقليمية الخاطئة تصيب الدول فى لحظة وهن داخلى».

هذا السيناريو بعناصره تظهر مَلامحه فى الأفق الآن ونحن نتابع مجريات الأحداث فى السودان، ولكن يرافقه قدرٌ من الأمل يتمثل فى حكمة القادة العرب فى معالجة الأمر مبكرًا؛ خصوصًا أن هناك الكثير من الأنباء عن اتصالات تجرى بين العديد من العواصم العربية والإفريقية مع عدد من القوَى الدولية، وكانت المساعى المصرية حاضرةً منذ اللحظة الأولى بالتنسيق مع جنوب السودان، وبحسب العديد من التصريحات للرئيس عبدالفتاح السيسى فإن الاتصالات المصرية لا تنقطع من أجل نجدة السودان.

 وبالحديث عن مصر؛ فإن السياق الراهن يجعلنا نرصد تحديات بالغة الخطورة على الاتجاه الاستراتيچى الجنوبى والغربى تستوجب التكاتف خلفَ القيادة السياسية المصرية والدولة المصرية، ويمكن إجمالها فى النقاط الآتية: 

 إذا انزلق السودان فى نطاق الفوضى قد يكون نقطة إعادة تمركز للتنظيمات الإرهابية والجماعات المسلحة.

 إن الموقع الجغرافى للسودان يجعله متداخلاً فى أمن البحر الأحمر ومنطقة القرن الإفريقى.

 السودان طرفٌ رئيسىٌ فى ملف أمن المياه.

 تفاقم الأوضاع فى السودان سيكون سريعَ العَدوَى للشمال الإفريقى الذى يعانى بالفعل من مرحلة سيولة أمنية؛ خصوصًا فى ليبيا.

البُعد الآخر والذى يشكل جرسَ إنذار يستدعى الانتباه يتمثل فى محاولات متعددة لتوريط مصر فى المَشهد الراهن، وبدأ ذلك فى تفاعلات أزمة الجنود المصريين فى الأيام الأولى للاشتباكات فى السودان، ونجحت الدولة المصرية وبحكمة بالغة من الرئيس عبدالفتاح السيسى فى تنفيذ عملية إجلاء مُحكمة على الرّغم من كونها بالغة التعقيد وظّفت فيها الدولة قدراتها المعلوماتية والعملياتية والسياسية وحققت الهدفَ الذى تريده دون التورط؛ خصوصًا أنه كان هناك مَن يسعى إلى استغلال الانفعال الشعبى المنطقى فى أزمة كتلك بإيجاد صيغة ضغط تحيط بصناعة القرار السياسى والاستراتيچى المصرى، ولا تزال المَلحمة المصرية مستمرة فى عملية إجلاء الرعايا المصريين ومساعدة الدول الصديقة والشقيقة فى إجلاء رعاياها.

 أمّا الفصل الآخر فى هذا السياق؛ فيتمثل فى الموجات المتدفقة من النزوح الجماعى لأهلنا فى السودان تجاه عدد من الوجهات وفى مقدمتها مصر من خلال مَعبر أرقين البرى، والذى يعمل وفق أطر منظمة وطاقة استيعابية لحركة المرور.. ونجحت مصرُ وأجهزتها خلال الأيام القليلة الماضية فى تيسير مرور آلاف البَشَر من مختلف الجنسيات، ولكن.. وفى ظل تفاقم الأوضاع ومعها تفاقم موجات النزوح وما قد تخلفه من تكدس منطقى رُغْمَ كل الجهود المصرية للتيسير؛ فإن البعضَ قد يسعى إلى توجيه الأزمة إعلاميًا باتجاه مصر والمَعبر والابتعاد بها عن حقيقة مضمون وأسباب انفجار الوضع فى السودان وصرف الأنظار عمّا يجرى على الأرض فى السودان وتحويل الأزمة إلى أزمة مَعبر!.. وهذا السياق وهذه الممارسة سبق أن حدثت مع مصر فى حرب غزة 2008 ولأهداف تتعلق أيضًا بتوريط مصر حينها وتستهدف سيناء مباشرةً تم تفريغ الحرب من مضمونها وتحويلها إلى أزمة مَعبر (رفح)، ووصل الحال بدوائر إعلامية عربية، وللأسف والبعض منها مصرية أنها تتعامل مع الأمر وكأن مصر هى المسئولة وليست دولة الاحتلال..

وللحديث بقية.