الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
حقك.. أمريكا ترفع شعار لا لحرية الرأى والتعبير مع التطبيق الصينى حظر تيك توك.. الغرب ينحاز للأمن القومى على حساب حقوق الإنسان

حقك.. أمريكا ترفع شعار لا لحرية الرأى والتعبير مع التطبيق الصينى حظر تيك توك.. الغرب ينحاز للأمن القومى على حساب حقوق الإنسان

كواليس الصراع على عرش العالم بين الولايات المتحدة والصين زاخرة بالتطورات المتلاحقة والأحداث المثيرة، فالموضوع لا يقتصر على المناوشات حول تايوان أو تخريب التحالف بين الصين وروسيا أو المحافظة على هيمنة الدولار مع تسارع محاولات التخلص منه فى عواصم العالم المختلفة فى تحدٍ حقيقى للهيمنة الأمريكية، بل وصل الأمر إلى أن الحرب على التطبيقات الإلكترونية وخاصة الناجحة داخل أمريكا وتملكها الصين مثل التطبيق الترفيهى تيك توك ووضع مالكه الصينى أمام خيار وحيد، إما البيع أو الحظر فى أمريكا وكل الدول الغربية الدائرة فى فلكها.



 

استوقفنى فى الصراع أن الولايات المتحدة تتحدث بوضوح حول تهديد تطبيق الفيديوهات القصيرة للأمن القومى الأمريكى وأن التحذيرات والملاحقات قادمة من البيت الابيض وأعضاء الكونجرس الذين يتحدثون دائمًا عن انحيازهم المطلق لحقوق الإنسان ولا يرون أن ملاحقة التطبيق الصينى فيها انتهاك للحق فى حرية الرأى والتعبير بخلاف أنه يضرب فى الصميم أن الولايات المتحدة هى بلد الحريات وأرض الفرص الاقتصادية والاستثمارات الناجحة خاصة فى المجالات التقنية.

هى ليست المرة الأولى وقد سبقها ملاحقة تمت لشركة هاواوى الصينية داخل الولايات المتحدة وأوروبا وهى الشركة التى نافست الشركات الأمريكية فى مجالات الصناعات الإلكترونية الحديثة وأيضًا تقديم خدمات ال4G  المتقدمة فى أوروبا ووصلت فى أوقات عديدة لتهديد الحلفاء مثل ألمانيا وبريطانيا حينما قرروا الاستفادة من عروض الشركة الصينية لتقديم خدمات الجيل الخامس باسعار تنافسية، بل اتهمتها الولايات المتحدة بأنها أدوات تجسس وأن الشركة تابعة للجيش الصينى إلى آخره من الاتهامات التى ربما لاحقت شركات أمريكية فى دول أخرى وتهكمت عليها الصحف الأمريكية واتهمتها بأنها دول رجعية واستبدادية وغير ديمقراطية إلى آخره فى قاموس ازدواجية المعايير الأمريكية.

إذا اتفقنا على قاعدة أن تهديد الأمن القومى تحدده مؤسسات الدولة الوطنية فلا تثريب على التحركات الأمريكية، فالولايات المتحدة من حقها الدفاع عن مصالحها إذا كانت تتعرض للتهديد من جانب أى قوى أخرى، لكن بشرط وحيد وهو أن تمد الخط على استقامته وتتوقف عن الاستعلاء على الآخرين وتحترم خصوصية كل دولة فى التعامل مع محددات أمنها القومى، فمن غير المقبول أن تستمر فى الاستعلاء بالقدرة وتتحدث بخطاب عن موضوعات مثل الاقتصاد المفتوح وقواعد السوق وحماية حقوق الإنسان وتتجاهل كل ذلك، بل ترفع شعار سمعناه من قبل فى بريطانيا عند تهديد الأمن القومى لا تحدثنى عن حقوق الإنسان.

لا يمكن الدفاع بأى حال من الأحوال عن اى انتهاك لحقوق الإنسان بل إن الإيمان بمبادئها والانحياز القاطع لأهدافها أمر بالغ الأهمية للاستمرار فى نشر ثقافتها وأهميتها لكل إنسان فى كل مكان على الكوكب، لكن الحديث هنا هو عن ازدواجية المعايير الواضحة والجلية فى قضية ملاحقة تطبيق ترفيهى مثل التيك توك فى الولايات المتحدة وعنف المؤسسات الأمريكية فى التعامل معه ووصلت إلى مرحلة اتهامه بالتجسس لصالح الصين دون أن تعرض أدلة تؤكد اتهاماتها.     

ويرحب البيت الأبيض بمشروع قانون يسمح للرئيس جو بايدن بحظر «تيك توك»، وفق ما أعلنه مستشار الأمن القومى الأمريكى جيك سوليفان فى بيان صحفى أشار فيه مشروع قانون اتفق عليه الحزبان الجمهورى والديمقراطى يمكّن حكومة الولايات المتحدة من منع بعض الحكومات الأجنبية من استغلال خدمات التكنولوجيا بطريقة تشكل خطرًا على البيانات الحساسة للأمريكيين وعلى أمننا القومى، وقد سبق ذلك الإجراء قيام الحكومة الأمريكية بمنع موظفيها من تنزيل التطبيق على هواتفهم فى يناير الماضى مع توجيه إنذار نهائى لـ«تيك توك» من الوكالة الأمريكية المكلفة تقييم المخاطر التى تمثلها الاستثمارات الأجنبية على الأمن القومى.

اتهام الولايات المتحدة لتيك توك يطرح تلقائيًا سؤالاً مضادًا وماذا عن بيانات أكثر من مليار إنسان تملكها شركات أمريكية مثل فيسبوك وتويتر وإنستجرام وغيرها، والحديث عن انتهاكاتها لخصوصية مليارات البشر.

السؤال طرحه نشطاء تحدثوا عن أن حظر التيك توك فى أمريكا يشكل اعتداء على حرية التعبير ويضيّق الخناق على تصدير الثقافة والقيم الأمريكية إلى مستخدمى «تيك توك» فى جميع أنحاء العالم.

الملاحقات الأمريكية تسببت فى انخفاض  ثروة  رجل الأعمال الصينى تشانغ يى مين، مؤسس مجموعة «بايت دانس» الصينية المالكة لتطبيق «تيك توك»، الشخصية بمقدار 17 مليار دولار العام الماضى، ومع ذلك لا يزال ثانى أغنى رجل أعمال فى العالم تحت سن الأربعين، بثروة تُقدّر بـ37 مليار دولار، ويسبقه مارك زوكربيرغ، رئيس شيكة ميتا الأمريكية العملاقة المالكة لفيسبوك وإنستجرام، والذى قدّرت ثروته بـ68 مليار دولار وقد ارجعت بعض الدراسات الخسارة إلى منع التطبيق من جانب الحكومات الأمريكية والكندية والبريطانية والأسترالية، والمفوضية الأوروبية، وتهديد واشنطن بفرض حظر كامل، مع إحالة رئيس تيك توك شو زى تشو إلى جلسة استماع عقدت أمام الكونغرس الأمريكى حول التطبيق.

ويُعد تطبيق «تيك توك» هو السادس عالمياً من حيث أعداد المستخدمين النشطين، إذ يأتى فى المقدمة وفق إحصاءات يناير 2023 تطبيق «فيسبوك» بإجمالى 3 مليارات مستخدم تقريباً، يليه «يوتيوب» بـ2.5 مليار، ثم «واتس آب» و»إنستجرام» بمليارى مستخدم لكل منهما، و»وى تشات» الصينى 1.3 مليار، ومن بعدهم «تيك توك» بـ1.1 مليار مستخدم. أى أن شركة «ميتا» الأمريكية وحدها تستحوذ على ثلاثة من أكثر التطبيقات استخداماً، إلا أن «تيك توك» يتمتع بمزايا نوعية تتعلق بمدة الاستخدام، حيث يأتى فى المركز الأول عالمياً بمتوسط 24 ساعة شهرياً، ومتقدماً على «يوتيوب» 23.2 ساعة، والذى ظل لسنوات محتكراً صدارة المحتوى الرقمى البصرى

وعلى صعيد الولايات المتحدة، كان «تيك توك» التطبيق الأكثر تحميلاً فى البلاد خلال عامى 2021 و2022، وسط توقعات بأن تتجاوز أرباحه من الإعلانات فى الداخل الأمريكى 11 مليار دولار بحلول العام 2024. كما تُعد الولايات المتحدة الأعلى عالمياً من حيث عدد المستخدمين النشطين لهذا التطبيق، حيث يصل عددهم فيها إلى 150 مليون بنسبة %15 من إجمالى المستخدمين حول العالم وهى نسبة كبيرة للغاية بالنسبة لدولة واحدة، تليها إندونيسيا والبرازيل والمكسيك وروسيا وفيتنام والفلبين وتايلاند وتركيا والسعودية على الترتيب، ما يجعلها الدولة الغربية الوحيدة ضمن قائمة الأعلى استخداماً للتطبيق الصينى.

وقد استخدمت واشنطن عصا التصنيف ضد الدول التى تقوم بملاحقة التطبيقات ومنعها ولعل ذلك ما دفع 12 منظمة للحقوق المدنية وحرية التعبير، بما فى ذلك الاتحاد الأمريكى للحريات المدنية، إلى التوقيع على رسالة احتجاج تعارض فرض حظر شامل على «تيك توك»، ووصف هذا الأمر بأنه «سابقة خطرة» لتقييد حرية التعبير.

كما قال المدير التنفيذى لمعهد نايت للتعديل الأول بجامعة كولومبيا أن الدستور يحمى حق الأمريكيين فى الوصول إلى منصات التواصل الاجتماعى التى يختارونها، وأن تقييد الوصول إلى منصة للتواصل يستخدمها ملايين الأمريكيين يومياً سيشكل سابقة خطيرة لتنظيم المجال العام الرقمى

الغريب أن الحكومة الأمريكية لم تلتفت أو تقتنع بدفاع الشركة الصينية عن نفسها وتعاونها المستمر منذ أكثر من عامين  لمعالجة مخاوف الأمن القومى لديها واستناد رئيس تيك توك فى جلسة الاستماع لشهادته أمام الكونغرس، حيث ذكر أن الشركات الاجتماعية الأمريكية ليس لديها سجل جيد فيما يتعلق بخصوصية البيانات وأمن المستخدم، مشيرا إلى فضيحة «كامبريدج أناليتكا» و»فيسبوك وضلوعهم فى التلاعب بنتائج الانتخابات بعدد من الدول.

ومن جانبها قررت الصين الخروج عن صمتها وعقبت المتحدثة باسم وزارة التجارة الصينية، على التحركات الأمريكية ضد «تيك توك»، بأن بكين ستعارض بحزم أى محاولات للبيع الإجبارى للتطبيق أو حظره وأن تلك الإجراءات تضر بشكل خطر مستثمرين من عدة دول، من بينها الصين، كما أنها تضر بالثقة فى الاستثمار بالولايات المتحدة، إلا أنها لم تشر إلى ما قد تفعله بكين، وما إذا كان هناك احتمالات لحظر صينى مضاد ستكون له آثار بالغة على الشركات الأمريكية والتى لها استثمارات هى الأخرى فى الصين.

يوما بعد يوم يتكشف للعالم زيف الشعارات الغربية، وان الصراع بين القوى العظمى يتصاعد ويخترق كل الخطوط الحمراء، ولا يعترف بأى حقوق للإنسان.