
ياسر الغسلان
ليبرالية «أنكل سام» واليسار الأمريكى
منذ أن ظهر الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب كمرشح للانتخابات الأمريكية دأب على بناء خطابه السياسى وفق منهج مبتكر وجديد يختلف بشكل كبير عما اعتاد عليه الناخب الأمريكى الذى طالما استمع وتابع خطابات السياسيين التى كانت دائماً تحاول أن تمسك العصا من المنتصف وأن تظهر أكثر دبلوماسية فى التعاطى مع القضايا التى تهم الشارع الأمريكى بهدف كسب أكبر قدر ممكن من التأييد الشعبى إضافة للدعم المالى من المؤسسات الأمريكية الصانعة للسياسة.
من هنا نشأ خطاب وضع جميع الخصوم فى بوتقة التصنيف الموحد، فترامب اكتشف أنه من أجل شيطنة الخصوم وجذب التأييد كان لزاماً عليه أن يضع الحزب الديمقراطى فى بوتقة اليسار ككتلة واحدة، فالجمهور الذى يخاطبه لا يثق فى السياسى بطبيعته وبالتالى سيقبل ويتبنى أى تصنيف يحاكى شعوره بحقيقة مخاوفه تجاه ذلك الحزب الذى يعمل على هدم كل المعتقدات والأفكار الأمريكية التى تجول فى ذهنه، فأصبح الليبرالى هو اليسارى واليسارى هو الليبرالى، لا فرق بينهم فجميعهم أحفاد نظرية شيوعية خطيرة تهدف إلى هدم أمريكا.
لنبدأ فى النظرة نحو الاختلاف بينهم بخصوص فكرة القومية، فالليبراليون يؤمنون بالدولة القومية سواء كانت تلك الأمة الولايات المتحدة أو فرنسا أو البرتغال، بينما اليساريون يقسمون العالم حسب الطبقة وليس بالهوية الوطنية ويرفضون فكرة القومية رفضاً تاماً، لذلك نجد أن الليبراليين يريدون دائمًا حماية السيادة والحدود الأمريكية بينما اليسار يعملون على تطبيق الحدود المفتوحة.
لطالما كان الليبراليون مؤيدين للرأسمالية ويعملون بالتزام لتحقيق المشاريع الحرة ويؤمنون أنها الطريقة الوحيدة لانتشال أعداد كبيرة من الناس من آفة الفقر، صحيح أن الليبراليين يريدون من الحكومة أن تلعب دورًا أكبر فى الاقتصاد من المحافظين إلا أن الليبراليين لم يعارضوا الرأسمالية أبدًا ولم يكونوا أبداً من دعاة الاشتراكية كما يتهمهم بها اليمين، وهو الاتهام الذى يصح لو كان موجهاً بشكل محدد نحو اليساريين الذين بالفعل يؤمنون بالقيم الاشتراكية.ربما من أكثر الاختلافات وضوحاً بين الليبراليين واليساريين هو موقفهم فيما يتعلق بالجانب العرقى، بمعنى لون بشرة الإنسان، فالموقف الليبرالى تجاه العرق هو أن التركيز فى قضية العرق فى كل شىء يعتبر موقفاً عنصرياً على اعتبار أنها قضية غير مهمة على أساس أن هناك جنسا واحدا فقط هو «الجنس البشري» الليبراليون كانوا على الدوام ملتزمين بحماسة بالتكامل العرقى، بينما كان اليساريون يلتزمون بشكل متزايد بالفصل العنصرى مثل حرصهم على وجود مهاجع جامعية منفصلة مخصصة للسود وحفلات تخرج الطلبة السود من الجامعات.لطالما كان الليبراليون ينظرون لبلادهم أمريكا بتبجيل، الواقع الذى يمكن ملاحظته بجلاء فى الأفلام الأمريكية منذ الثلاثينيات وهى الأفلام التى كانت تحتفل بأمريكا كلها تقريبًا على الرغم من أن الليبراليين كانوا يدركون تمامًا عيوب أمريكا، إلا أنهم اتفقوا مع أبراهام لنكولن على أن أمريكا هى «آخر وأفضل أمل على وجه الأرض» أما اليسار فيعتبرون أمريكا عنصرية ومتحيزة جنسياً ومعادين للمثليين وللأجانب وهى دولة عنيفة وإمبريالية.فيما يتعلق بحرية التعبير فالليبراليون الأمريكيون يلتزمون بمقولة لم يلتزم أحد أكثر منهم بها وهى «أنا لا أوافق تمامًا على ما تقوله ولكننى سأدافع حتى الموت عن حقك فى قول ما تريد»، أما اليساريون فهم يقودون اليوم حملة قمع واسعة النطاق لحرية التعبير فى أمريكا الحديثة نشهدها فى الجامعات وفى شركات التكنولوجيا التى تتحكم فى الإنترنت إلى محاولة قمع جميع المناحى فى المؤسسات وأماكن العمل وغيره، فى وقت يدعى اليسار أنه فقط يعارض «خطاب الكراهية» والذى فى حقيقته قد يعنى أى شىء يختلف عن موقفهم، بمعنى أنه قد يعتبر تعبيرك أنت أو أنا المخالف لموقفه كلامًا يحض على الكراهية، وهو موقف لا يتبناه الليبرالى الذى يقبل حقك ما دمت لا تستخدم حقك هذا فى محاولة إيذاء جسدى أو سلب الآخر حقوقه التى يكفلها له القانون والدستور.دافع الليبراليون عن الحضارة الغربية وسعوا إلى حمايتها، واحتفلون بإنجازات الغرب الأخلاقية والفلسفية والفنية والموسيقية والأدبية، فقد استشهد الرئيس فرانكلين روزفلت بالحاجة إلى حماية الحضارة الغربية وحتى «الحضارة المسيحية»، ومع ذلك فعندما تحدث الرئيس دونالد ترامب عن الحاجة إلى حماية الغرب والحضارة فى خطاب ألقاه فى وارسو قامت وسائل الإعلام اليسارية المعروفة أيضًا باسم وسائل الإعلام الرئيسية بشجب خطابه ذاك، وجادلوا بأن الحضارة الغربية ليست أفضل من أى حضارة أخرى وأن كلام الرئيس ليس إلا تعبيرا ملطفا عن «تفوق البيض».
الدين بالنسبة لليبرالى ليس بالأمر المهم، فكثير منهم لا يمارسون أى دين ومع ذلك فإن بعضهم يمارس الدين وملتزم به، بينما اليساريون فى غالبهم لا يعترفون بدور الدين ولا يمارسونه كجزء من ممارساتهم الحياتية، أما فيما يتعلق بالموقف من الحرية فالليبراليون يعتقدون أن الفرد يجب أن يتمتع بحرية أكبر من الحرية التى تتمتع بها الحكومة، فى حين يرى اليساريون أن الحكومة يجب أن تتمتع بسلطة أكبر وحرية أكبر فى التصرف من الأفراد وذلك لضمان تحقيق المساواة بين أفراد المجتمع، من هنا يمكن فهم اختلاف الموقف فيما يتعلق بحق النقد، فالليبراليون هم أكثر انفتاحًا على انتقاد أنفسهم والآخرين بينما اليساريون هم بشكل عام أكثر عدوانية تجاه النقد ويحاولون طمسه وقمعه إن كانوا فى السلطة.
موقف الطرفين يختلف أيضاً فى نظرتهم للأيديولوجية، فالليبراليون يؤمنون بإعطاء أقصى قدر من الحرية للفرد لفعل أى شىء دون تقييد حقوق الأفراد الآخرين، أما اليساريون فيؤمنون بالاشتراكية والشيوعية كهدف نهائى، أما فيما يتعلق بالثقافة فالليبراليون لا يهتمون بتقاليد وعادات الشعوب الأخرى حتى لو كانت تلك التقاليد والعادات غير منطقية أو غير عقلانية ما لم تشكل تهديدًا للمجتمع، أما اليساريون فيعارضون كل أنواع التقاليد الثقافية والعادات التى يجدونها غير منطقية وغير عقلانية بالنسبة لهم.أما بخصوص رؤية الطرفين فى القضايا الاقتصادية فإن الليبراليين يؤمنون بممارسات أكثر تحفظًا، بينما يرى اليساريون أن الحكومة بحاجة إلى لعب دور أكبر فى الاقتصاد، نجد ذلك جلياً فى الموقف من الضرائب، فالليبراليون يعتقدون أنه يجب أن يكون هناك المزيد من الإعفاءات الضريبية للأثرياء وتقليل الرقابة الحكومية بشكل عام، بينما يعتقد اليساريون أن الأثرياء يجب أن يدفعوا ضرائب أعلى لتمويل البرامج الاجتماعية الأخرى المصممة لمساعدة أولئك الذين لا يستفيدون من الرأسمالية.