الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
عكس الاتجاه.. أزمة أول وآخر العمر

عكس الاتجاه.. أزمة أول وآخر العمر

كان على المسلسل المصرى المثير للجدل (أزمة منتصف العمر) أن يختار له هذا الاسم وهذا العنوان تحديدًا ليتجاوز أزماته المتلاحقة التى سوف تصطدم منذ مشهد عرضه الأول مع قيم المجتمع وأصول الدين، أزمة منتصف العمر؟ حقًا؟ وكأن الحكاية لا تحدث -إن حدثت- إلا عند من يمرون بالغروب، عند التماس مع أزمة منتصف العمر وكأن أول العمر وآخره لا تفارقهما البراءة، وكأن حكاية المسلسل غريبة عن المجتمع، أى مجتمع بكل سنوات العمر، وكأن هذا الرفض الشعبى للأحداث لا يليق الا بمجتمعاتنا المتدينة بطبعها، والحقيقة أن أحداث المسلسل بتداعياته وصداه وردات فعله الأخلاقية والدينية قد حدثت بحذافيرها فى قصة حقيقية بأمريكا فى حكاية المخرج الأمريكى الكبير سنًا ومنزلةً «وودى ألن» حين أحب وتزوج ابنته بالتبنى، ابنة رفيقته الممثلة الأمريكية الشهيرة «مايا فارو» والتى قادته إلى المحاكم فى فضيحة مدوية كان لها الأثر السيئ على سمعته ومسيرته الفنية، الفضيحة التى أثارت ضده الرأى العام الأمريكى المتدين بطبعه والرافض لذاك المنحى الأخلاقى المنحدر والذى جرح براءة وأمان الأسرة، مع أن حكاية مسلسل (أزمة منتصف العمر) وكذا حكاية عشق وزواج العجوز «وودى ألن» لابنته -بالتنبنى- الآسيوية -ثمة فارق فى العمر بينهما وصل إلى 35 عامًا- صغيرة السن وهروبهما من منزل الزوجة والأم «مايا فارو»، حيث لم تشفع حكاية (بالتبنى) فى ملاحقة المسلسلين المصرى والأمريكى فى الوصم بانعدام الخلق والدين.



لكن وودى ألن وزوجته -الابنة المُتبناة الآسيوية الصغيرة- قد وجدا أرضًا رحبة فى بعض بلدان أوروبا؛ «فرنسا وأسبانيا تحديدًا» ملجأً واستقرارًا، فرنسا بالذات استقبلته بالأحضان وفيها أخرج آخر أفلامه قبل أن يُعلن اعتزاله، حيث لا يهتم شعبها بحكايات زنا المحارم ولا زواج المثليين، ويتغاضى رجال الدين عن الإدانة.

حكاية مسلسل (أزمة منتصف العمر) والتى فلتت وهربت فنيًًا وأخلاقيًا من حكم الإعدام الشعبى -الجماهير المشاهدة- بلعبة أن (البنت مش بنتها) وهكذا أيها المشاهد الطيب؛ فإن الأم لم تعشق زوج ابنتها، بل ابنتها بالتبنى.

فى الميثولوجيا الإغريقية قدم سوفولكيس أسطورته (أوديب ملكًا) قبل الميلاد بـ 428 عامًا بكل أبعادها السياسية والأخلاقية والدينية فكانت أسطورة أوديب الخالدة، أوديب الذى يقتل والده «لايوس» ويستولى على الحكم ويصبح ملك البلاد ويتزوج أمه «جوكاستا» دون أن يدرى أنها أمه ودون أن تعلم أنه ابنها تحقيقًا لنبوءة قديمة سمعها من العراف ولم يستطع تجاوزها، فكان أن وقع الملك الإغريقى «أوديب» فى مصيره المحتوم، حينها سيقلع أوديب عينه بيده وستشنق أمه وزوجته نفسها. 

نحنُ هُنا أمام قراءات عدة للحكاية وأمام عدة تناولات فنية لذات القصة؛ سنجد أن صُنّاع المسلسل المصرى (أزمة منتصف العمر) قد ساروا على الحبل بخفة خشية السقوط، ففقد المسلسل جزءًا من فنيته إذ كان عليه أن يُركز مع عين وعقل المشاهد خوفًا من المقصلة.. لكن فلتت ريهام عبدالغفور بروعة أدائها من هذه المِقصلة، إذ حلّقت كفنانة كبيرة مبدعة مستخدمة كل أدواتها الفنية الممكنة وطارت بتعبيرات العين والصوت والجسد فوق المحاكمة الأخلاقية والدينية المنصوبة لها وللعشيق، بينما صارت (الابنة) «رنا رئيس» ضحية فلم تشبه ابنة «مايا فارو» و«وودى ألن» الفاعلة فى الأحداث والعاشقة لأبيها فى خيانة واضحة للأم، وبرعت «رنا رئيس» فى دورها الجديد فنيًا على الدراما المصرية.

لولا هذا الرعب من قوانين المجتمع دينيا وأخلاقيًا لكانت كتابة المسلسل قد انحازت للفن وقدمت رؤية فلسفية وإنسانية للشخوص الساقطة أخلاقيًا، الساقطه فى غريزتها بالطبع، لكن ثمة رؤية فلسفية وإنسانية كان يجب أن يتبناها حتى الأشرار والساقطون، رؤية تبرر الفعل من وجهة نظرهم، فالفن لا يراه البعض رسالة دينية، الفن ليس وعظًا ولا درسًا فى الأخلاق، وهى عكس الرؤية الواسعة التى عبر عنها وصرح بها «وودى ألن» فى مؤتمر صحفى عام 2015 بمهرجان كان: (إن قسوة حياتنا ليست لديها أجوبة متفائلة مهما حادثنا الفلاسفة وعلماء النفس ورجال الدين، فالحياة لها أجندتها الخاصة تقفز فوقك ولا تبالى بك).