الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
حواديت..  الميلاد مع بدء الخليقة (1)  حضارة مصر بناها المصريون فقط

حواديت.. الميلاد مع بدء الخليقة (1) حضارة مصر بناها المصريون فقط

يواجه تاريخنا العريق حربا شرسة من عدة جهات تحاول سرقته ونسبه لنفسها ولذلك كان لا بد من الرد على هؤلاء المُدعين ووضع الأمور فى نصابها والتذكير ببعض لمحات تاريخ مصر الزاخر بالحقائق الموثقة عن مراحل بناء حضارة مصر القديمة.



 

خلق مصر (العصور الجيولوجية)

لم يهبط الفضائيون على أرض مصر ليصنعوا حضارتها العريقة كما يزعم بعض الجهلة، ولكنها حضارة ولدت مع ميلاد الأرض، حيث مرت على مصر عصور جيولوجية متعددة قبل أن تصبح آهلة بسكانها. ففى عصر الإيوسين والذى امتد من 56 مليون سنة إلى 34 مليون سنة، كانت مياه البحر الابيض المتوسط تصل إلى جنوبى مدينة إسنا بصعيد مصر ثم حدث ارتفاع فى الأراضى فى عصر الأوليجوسين والذى امتد من 34 مليون سنة إلى 23 مليون سنة وأدى إلى ظهور أكثر القطر المصرى.

ثم جاءت عصور الميوسين والبليوسين والباليوليتى ويسمى العصر الحجرى القديم (أى منذ 23 مليون سنة وحتى 12 ألف سنة قبل الميلاد) وأخذ نهر النيل شكله الحالى تقريبًا وكان فى البداية سريع المجـرى ويملأ الوادى أثناء الفيضان، ولكنه أخذ يعمق مـجـراه مع مرور الزمن، كـمـا أخـذت كمية الأمطار تنخفض، فأخذ عرضه يقل تبعا لذلك وكون مدرجات على مدى العصور، وعاش الإنسان القديم فوق تلك المدرجات، وترك بعض أدواته الظرانية (الصوانية) فوق الهضاب ثم أخذ ينزل تدريجياً ليكون على مقربة من النهر كلما تقدم به الزمن وعمق النهر مجراه.

عصر ما قبل التاريخ 

كان المصرى فى ذلك الوقت جامعاً للقوت يحصل على حاجته مما يجده من ثمار الأشجار ومما يستطيع أن يصطاده من أسماك النهر والبحيرات، أو من الطيور وصغار الحـيـوانات.

وجاء اليوم الذى عرف فيه المصرى أنه يستطيع استنبات بعض حـبـوب النباتات البرية والحصول منها على كميات كبيرة بعد زرعها، وبعبارة أخرى أخذ المصرى يـتـحـول تدريجياً من جامع للقوت إلى منتج له، فـأجـبـرته الزراعة على الإقامة فى مكان معين ليرعى حقله وليحصل على ثماره، كما بدأ الإنسان يستأنس الحيوانات أيضاً، ويبنى له مستقرا يأوى إليه ويضع فيه محصوله، كما بدأ أيضا يصنع من بعض النباتات ومن الطين أوانى لحفظ حاجياته. ثم بدأ العصر الحجرى المتوسط الذى حسّن فيه المصرى بعض أدواته وأخذ يرتقى قليلا قليلا فى مدارج المدنية، وبدأ يتحلى بأدوات الزينة.

العصر الحجرى النحاسى

وما جاء العصر النيوليتى أو العصر الحجرى الحديث (من 9000 سنة وحتى 4500 سنة قبل الميلاد) حتى كان المصرى القديم يعيش فى قرى صغيرة، وعرف الملابس وبدأ يدفن موتاه فى قبور، وبدأ يصنع بعض التماثيل وأدوات الزينة. وتسمى الفترة بين بداية العصر النيوليتى وبين ظهور الأسرات فى مصر، وتقرب من ألفى سنة، بالعصر الحجرى النحاسى وظهر فيها أقدم حضارات فى مصر وهى:

حضارة حلوان ( العمرى) حوالى 5000 سنة قبل الميلاد

حضارة تاسا حوالى 4800 سنة قبل الميلاد

حضارة البدارى حوالى 4500 سنة قبل الميلاد 

حضارة مرمدة حوالى 4400 سنة قبل الميلاد 

حضارة العمرة بين 4400 سنة و3950 سنة قبل الميلاد 

حضارة جرزة وهى معاصرة لحضارة المعادى تقريبا بين 3950 و3400 سنة قبل الميلاد 

مصر هبة المصريين 

لقد أخطأ هيردوت حين قال: «مصر هبة النيل»، حيث لم يمنحه الكهنة أى معلومات عن الحضارة المصرية، ولذلك ابتدع تلك الجملة التى تقلل إلى حد بعيد جهود المصريين لإقامة حضارتهم وإلا لماذا لم نر حضارة كحضارتنا فى دول حوض النيل خصوصًا بمنطقة الحبشة وهى إثيوبيا الآن.. الحقيقة أن مصر هبة المصريين الذين لم يجدوا الطريق سهلا أو ممهدا لإقامة حضارتهم بل كان لزاما عليهم أن يشقوا القنوات ليوصلوا مياه النيل إلى الأماكن البعيدة عن النهر، كما اضطروا إلى تجفيف بعض المستنقعات وإخلائها من الأشجار، والتعاون فيما بينهم على حماية أنفسهم وقراهم ومحاصيلهم من أخطار فيضان النيل. كانت هذه الأعمال جميعاً تستلزم تعاون عدد كبير من الناس، وتستلزم أيضاً وجود زعيم يحترم الجميع أوامره فينفذوها ويخاف الناس عقابه إذا لزم الأمر. وفرضت طبيعة أرض مصر أن يتجمع عدد كبير من السكان فى قرى قريبة من بعضها فى الأماكن التى يتسع فيها الوادى. فلم يمض وقت طويل حتى تكونت وحدات إقليمية كان لكل منها زعيم له السلطة على من حوله.

وكان العامل الأساسى فى تحديد أقاليم مصر المختلفة هو مجارى الأنهار. أو بعض المظاهر الجغرافية الأخرى، وانتهى الأمر بتقسيم كل من الدلتا والصعيـد إلى أقاليم مـحـددة لكل منها اسم يطلق عليه، ولكن حدود هذا التقسيم لم تكن ثابتة على الدوام. فمن حين لآخر كان يظهر زعيم قوى فى أحد الأقاليم يضم إليه شيئاً مما جاوره، وأخيراً تجمعت أقاليم الدلتا تحت سلطة حاكم واحـد وحـدث الشيء نفسه فى أقاليم الصعيد، وأصبح هناك ملكان أحدهما للشمال وكان يتخذ النحلة شعاراً له ويلبس تاجاً أحمر اللون، والآخـر للجـنـوب ويتخـذ نباتا يسمى «سوت» شعاراً له ويلبس تاجًا أبيض اللون. وكانت هناك محاولات لتوحيد مصر سواء تحت حكم ملك الشمال أو ملك الجنوب.

حضارة مرمدة 

عثر الأثرى هرمان يونكر على هذه الحضارة فى عام 1928 وهذه المنطقة هى بقايا قرية نيوليتية على حافة الدلتا الغربية، لا يزيد حجمها على ستة أفدنة وقد شيـد أهلها أكواخهم المبنية بالطين على جانبی طریق رئیسی مستقیم. وقد ثبت أن سكان مرمدة كانوا يعرفون الزراعة وكانوا متعاونين فيما بينهم ويخزنون غلاتهم فى صوامع مشتركة لهم جميعاً، وكان لديهم قطعان من الماشية والخنازير وقليل من الماعز والخراف واستعملوا فى الزراعة شرشرة مستقيمة من الخشب ثبتوا فى حافتها قطعاً من الظران (حجارة الصوان) ليقطعوا بها أعواد القمح التى كانوا يخزنونها فى صوامعهم التى صنعوها من الخوص، وكانوا يضعونها فى حفر عميقة تحت مستوى سطح الأرض وعرف أهل مرمدة فأس القتال كما عرفوا استعمال السهام وكان لديهم دبابيس للحرب وسكاكين من الظران (حجر الصوان) ولا يخالجنا شك فى أن سكان مـرمـدة كانوا يلبسون الكتان بعد غزله، وحلقان من العاج. وكانت نساؤهم يتحلين بعـقـود من المحار أو أسنان الخنزير البرى، وبخـواتم من العظم، حـجـر الإردواز تصحن عليـه التـوتيـة الخضراء لتكحيل عينيها لأجل التجمل ولوقايتها من أشعة الشمس، وربما أيضاً ضد بعض أمراض العيون. وفخارهم أسود خشن، وشكله على هيئة قرب الماء، بعض أنواع ذات قواعد، وأوان صغيرة على شكل فناجين ذات أرجل، وأحياناً يتصل اثنان منها ببعضهما. وكان لديهم أوان طويلة العنق تشبه القلة الحديثة، كما صنعوا أيضاً «صوان» صغيرة من الفخار. ولم يزخرف سكان مرمدة أوانيهم ولم يصنعوا لها أيادى على جانبيها ولكنهم كانوا يعملون ثقوباً فى جوانبها لتعليقها.

ومن أهم ما عثر عليه يونكر فى منازل تلك القرية وجـود أعمدة فى بعض المنازل لحمل السقف. أقاموها فى وسط الحجرة. كما عثر فى ركن إحدى الحجرات على عظمة كبيرة من عظام فرس البحر كانت مثبتة لاستعمالها سلما للصعود إلى السطح (وهو الأسلوب الذى ظل مستعملا فى الدلتا حتى وقتنا الحالى وأصبح سلما خشبيا) وكانوا يدفنون موتاهم تحت أرضية أكواخهم كما فعل كثيرون من سكان الشرق القديم دون أن يضعوا معهم أوانى أو أسلحة ولم تتصل حضارة مرمدة بحضارة البدارى اتصالاً مباشراً أو كان لها أثر مهم عليها، بل استمرت فى الدلتا.

حضارة البدارى:

لم يكن سكان الصعيد، فى ذلك الوقت، قد استقروا فى مدن أو قرى كبيرة ثابتة، بل كانوا يسكنون فى محلات أو نجوع متنقلة، ولكنهم اختاروا أماكن يدفنون فيها موتاهم وهى الجبانات. وإذا درسنا حضارة البدارى لرأينا فيها شبها كبيراً بحضارة سكان الصحراء الغربية القدماء وبخاصة أهل العوينات وكان الجو فى ذلك العهد أكثر أمطاراً ودفئاً عما هو عليه الآن، وكان السكان يعيشون فوق المرتفعات التى تشرف على المساحات الواسعة من الأحراش والمستنقعات الملأى بالنباتات المختلفة وبخاصة نبات البردى. ولم يبق إلا القليل من القرية أو القرى التى عاشوا فيها، وأكثر ما وصلنا من معلومات عن أهلها إنما جاء من حفائر الجبانات الكثيرة.

المواصفات الجسمانية للصعايدة قديما 

كان البداريون أقرب إلى القصر منهم إلى الطول إذ لم يزيدوا فى المتوسط عن 160 سنتيمتراً. وكانوا نحاف الجسم، وتقاطيع وجوههم دقيقة، وشعرهم متموج أسود، وفى بعض الحالات القليلة كان لون شعورهم كستنائيا. وكان الرجال يسدلون شعورهم على أكتافهم، بينما كان شعر النساء أقصر من شعر الرجال ولم يزد طول شعر امرأة فيهم عن 20 سنتيمترا يضفرنه فى غدائر، وكان رجال البدارى يعنون بمظهرهم الخارجى، فيحلقون لحاهم، ويضعون طاقية فوق رؤوسهم. وعرف البداريون الملابس الكتانية، كانوا يلبسونها رجالا ونساء وأطفالا، وعند اشتداد البرد كانوا يلبسون الجلود وصوفها إلى الداخل، كما عرفوا أيضاً دبغ الجلود.

والمواصفات السابقة تكشف بما لا يدع مجالا للشك أنه لا يوجد أى وجه للتشابه بين المصريين والأفارقة الزنوج كما توضحه رسوم المعابد.

وكانوا يحلون أعناقهم وأذرعهم بالعقود والأساور المصنوعة غالباً من حبات مزججة، وكانوا يزينون شعورهم بوضع الريش فيها، وأحياناً بوضع أمشاط طويلة من العاج زينت رؤوسها بأشكال الحيوانات، كما كان يضع بعضهم حول شعورهم عصابات زاهية اللون محلاة بأصداف البحر الأحمر.

ومن أهم ما عثر عليه فى مقابرهم بعض حبات من النحاس المطروق، كما استخدموا فى حليهم حبات من الفيروز والعقيق والكوارتز، وحبات مصنوعة من قشر بيض النعام. وكان بعض النساء يحلين أنوفهن بوضع زر صغير، يثبتن نتوءاً صغيراً فى أحد طرفيه فى ثقب داخل الأنف، وعرفت النساء استعمال الكحل للعيون واللون الأحمر للشفاء.

أما مساكنهم فكانت بسيطة بدائية، وضعوا فيها الأثاث البسيط، منها أسرة خشبية قليلة الارتفاع، كما كانوا يستعملون وسادات من الجلد أو الكتان المحشو بالتبن. ومن بين أدواتهم عثر على عصى للرماية وشصوص لصيد السمك، والحراب والسهام، كما عثر أيضاً على نماذج للقوارب.

ووضعوا موتاهم فى قبورهم أحياناً فوق الأسرة، أو ملفوفة فى حصير، ولم يقتصر الدفن على البشر بل إن بعضهم دفن معه غزلانا وقططا، وكانوا يضعون رؤوس الموتى فوق وسائد، ويحرصون على أن تكون وجوهها نحو مطلع الشمس مهما كان مكان القبر أو اتجاهه فى الجبانة ويمتاز فخار البدارى بإتقانه وجمال زخارفه وصلابة مادته، ورقة جدران أوانيه، ولا شك أن البداريين آمنوا بالبعث، وكانوا يضعون معهم فى قبورهم بعض تماثيل قليلة للحيوانات وبخاصة فرس النهر، وهناك تماثيل أخرى للنساء وللطيور، ولكن ذلك لا يعنى أنهم كانوا حتما يعبدون تلك الحيوانات.

 

منازل ما قبل التاريخ للمصريين 

كان هناك نوعان من المنازل، أقدمها كان مستديراً أو بيضاوياً، وكانت له قوائم مغروسة فى الأرض، يملأون المسافات التى بينها بأغصان مصفورة ويلطـسـونـهـا بعد ذلك بالطين وفى داخل تلك المنازل البسيطة، التى كانت على الأرجح غير مسقوفة، كانوا يضعون المصطلى الذى يطهون فيه طعامهم ويمدهم بالدفء إذا ما اشتد عليهم البرد.أمـا النوع الآخـر من المنازل، وهـو أحـدث عـهـداً من النوع السابق، فكان مستطيلاً، وكان مشيداً بطريقة القوائم المغروسة كالنوع الأقدم، أما بابه فكان يفتح فى منتصف الواجهة التى كانت فى إحدى الجهات الطولية، (ظل هذا النمط من المنازل حتى فترة قريبة فى قرى الدلتا) وقد زادوا على هذا النوع من المنازل جـداراً أمام المدخل يحمى من فى داخل المنزل من الريح ومن نظرات المارين فى الطريق.

المصادر :

1 -    موسوعة مصر القديمة للأثرى الدكتور سليم حسن (الجزء الاول) 

2 -    كتاب مصر الفرعونية للأثرى الدكتور أحمد فخرى