الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
ع المصطبة.. مذكرات الأستاذ

ع المصطبة.. مذكرات الأستاذ

كتاب «أيامى.. شاهد على خمسة عصور»، للمفكر السياسى الوطنى جمال أسعد عبدالملاك، إضافة كبيرة لذاكرة الواجدان والعقل الجمعى المصرى، يرصد أدق تفاصيل المجتمع المصرى عبر العقود الماضية، لتمتزج السيرة الذاتية مع عملية تأريخ نابضة بالحياة للمجتمع المصرى برمته.



ولعل ما يتميز به أستاذنا الكبير جمال أسعد، أنه يكتب كما يتحدث، ويتحدث كما يكتب، يتطرق لقضايا المجتمع بأسره بكل شفافية، صريح إلى حد أن البعض قد يغضب منه، لكن صراحته تكسبه احترام الجميع، من يختلفون معه قبل من يتفقون مع آرائه، يغوص بنا فى تفاصيل مجتمعية وسياسية دقيقة، يتعامل معها بمشرط جراح ماهر، يزيح الذات والأنا ليقدم لنا صورة حقيقية غير مشوهة للمجتمع، مؤثراً الكل على شخصه.

ولعل أيضاً من أسباب عبقرية وعظمة الأستاذ جمال أسعد، أنه معلم يجول فى كل الأماكن ليصل برسالته التنويرية إلى جميع الأجيال، لم يتلون أو يتغير على مدار تاريخه الحافل، لم تبهره أضواء أو بريق منفعة شخصية، بل على العكس تماماً، لطالما دفع ثمن مواقفه، وهو من بين سياسيين قلائل لم يستفيدوا مادياً أو سياسياً من نضالهم المتواصل، مع تغير الأنظمة ولعبة السلطة.

شرفت أنا وأبناء جيلى فى صعيد مصر، وبالتحديد فى مركز القوصية بمحافظة أسيوط، أن نشب ونتتلمذ على أفكاره، وكان ولا يزال يسعى لخلق جيل واعٍ، لم يتعمد إطلاقاً أن يجعل الأجيال الجديدة نسخة فكرية منه، كما يفعل البعض الذين يحاولون استنساخ ذواتهم فى أشخاص الآخرين، بل على العكس تماماً، فهو يسعد كثيراً بالاختلاف فى وجهات النظر، ويهتم كثيراً فى أن تكون أفكاره سبباً فى تحريك المياه الراكدة فى المجتمع المحيط به.

ما يميز تجربة جمال أسعد السياسية، أنه لم يولد وفى فمه ملعقة من الذهب، بل حفر فى الصخر من أجل أن تكون لديه شخصية مستقلة، دفع ثمنها فى صراعات ومعارك فكرية وسياسية، انتهى بعضها بالاعتقال ضمن رموز مصر السياسية فى سبتمبر 1981، لم يوالس السلطة، وفى الوقت نفسه لم يعاد وطنه، بل كان الوطن هو شغله الشاغل طيلة حياته.

وما يميز مذكرات جمال أسعد «أيامى» أنها ترصد تفاصيل تحولات مجتمعية لن يستطيع رصدها المؤرخون والأكاديميون، فهى أولاً وأخيراً تفاصيل عاشها وشارك فى صنعها كاتب المذكرات، كتبها كما حدثت، لم يجملها ولم يجتزئ منها أو يحاول تجميلها، بل لم يوظفها لمجد شخصى، رغم أنه يستحق هذا المجد عن جدارة، فجاءت مذكراته عفوية، منسوجة بتحليل عميق يحترم ذكاء القارئ.

من يقرأ هذه المذكرات سيجد نفسه فيها ويمكن أن نسميها «أيامنا» خصوصاً بالنسبة لأمثالى وأبناء جيلى الذين عاصروا جمال أسعد ومعاركه، وتتلمذوا على يديه.

أخيراً، فإن لأستاذنا جمال أسعد من اسمه نصيبًا، فهو جمال العمل السياسى النزيه، وأسعد كل من التقى به ونهل من خبراته وأفكاره.