السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بعد أن وضعت دمشق وأنقرة 3 شروط للتطبيع: ما سبب تخلى تركيا عن الترويج للإسلام السياسى فى الخارج؟

يبدو أن الإسلام السياسى أصبح قوة مستهلكة فى السياسة الخارجية التركية على الأقل فيما يتعلق بالعالم العربى، فقد نشرت صحيفة الإيكونوميست الأمريكية التحول التركى تجاه الدول العربية وتخليها عن دعم حركات الإسلام السياسى من أجل تطبيع علاقاتها مع كل من مصر والسعودية والإمارات وسوريا.



 

قالت الصحيفة فى تقريرها إن الإسلام السياسى قد حقق نجاحات أقل فى تركيا مما كان يتمناه الرئيس التركى رجب طيب أردوغان. لكن ما يسمى بالربيع العربى الذى هز الشرق الأوسط فى عام 2011 شهد ظهور تركيا كواحدة من مصدريه الرئيسيين. فقد دعمت تركيا أحزاب الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية الأخرى فى مصر وليبيا وسوريا وتونس، فقد أراد أردوغان ووزير خارجيته فى ذلك الوقت أحمد داود أوغلو التعجيل بانهيار النظام الإقليمى القديم وتعزيز نفوذ تركيا على النظام الجديد. لكن هذه السياسة توقفت فى مصر عندما تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى السلطة، وتوقفت فى سوريا بعد ذلك بعامين عندما تدخلت روسيا لدعم حكومة الرئيس السورى بشار الأسد. 

وأضافت الصحيفة أن أردوغان يسير الآن إلى الاتجاه المعاكس، ففى نوفمبر الماضى التقى أردوغان بالرئيس السيسى للمرة الأولى على هامش افتتاح بطولة كأس العالم فى قطر، وكانت هناك أشهر من المحادثات بين الدبلوماسيين الأتراك والمصريين قد مهدت الطريق لهذا اللقاء.

ولم يكن أردوغان والسيسى يتحدثان منذ عقد، وبصفته إسلاميا ألقى أردوغان بكل ثقله وراء جماعة الإخوان المسلمين التى تولت السلطة فى مصر بعد احتجاجات 2011 التى أطاحت بالرئيس حسنى مبارك، وعندما وصل الرئيس السيسى إلى السلطة بعد ذلك بعامين، نظم الرئيس التركى أردوغان مسيرات دعما لمحمد مرسى الذى تم خلعه ومنح قادة الإخوان الآخرين ملاذا آمنا لديه.

وقالت الصحيفة إن أردوغان قام كذلك بإصلاح الخلافات مع القوى الإقليمية الأخرى، لقد أعلن عن حقبة جديدة فى العلاقات مع المملكة العربية السعودية ووقع أردوغان اتفاقيات تجارية جديدة مع دولة الإمارات العربية المتحدة، كما قام أردوغان أيضا بتصحيح العلاقات مع إسرائيل حتى أنه تواصل مع الرئيس بشار الأسد فى سوريا.

وأضاف التقرير أن دوافع تركيا متنوعة لأن أردوغان يحتاج إلى أموال دول الخليج العربية لدعم الليرة، على الأقل حتى الانتخابات.

فقد تعهدت الإمارات باستثمار 10 مليارات دولار فى تركيا ووافقت على مقايضة عملة بقيمة خمسة مليارات دولار، مما يعزز احتياطيات الدولار المستنفدة. كما تجرى السعودية محادثات لإيداع خمسة مليارات دولار أخرى فى البنك المركزى التركى، وتأمل تركيا فى إضعاف دعم كل من إسرائيل ومصر لليونان فى شرق البحر المتوسط​، لتضع نفسها كطريق عبور لصادرات الغاز الطبيعى. لكن إعادة الضبط جاءت على حساب أوراق اعتماد الإسلاميين فى تركيا لتمهيد الطريق للمصالحة مع السعودية، أسقطت تركيا أى تحقيق فى مقتل الصحفى السعودى المعارض جمال خاشقجى مما يضمن إفلات من قتلوه من العقاب. وأمرت تركيا المنافذ الإخبارية التى أطلقها الإخوان المسلمون المنفيون بعدم انتقاد النظام المصرى. نتيجة لذلك تم إغلاق قناة معارضة واحدة على الأقل.

وأشارت الإيكونوميست إلى أن دمشق ستطالب بدورها بثمن لتطبيع العلاقات مع أنقرة، وتقول دارين خليفة المحللة فى مجموعة الأزمات الدولية إن التوصل إلى اتفاق مع الرئيس الأسد سيجبر تركيا على قطع علاقاتها مع المعارضة السورية المسلحة، وأنه يبدو أن الإسلام السياسى قوة مستهلكة فى السياسة الخارجية التركية على الأقل فيما يتعلق بالعالم العربى. ودمشق التى لا تريد أن تلدغ من جحر مرتين وضعت شروطا للتطبيع مع أنقرة ووضعت مصلحتها الوطنية فوق كل الاعتبارات، فظهرت غير متحمسة للقاء بين الأسد وأردوغان، خاصة أن المعارضة التركية تطرح فكرة الانسحاب من الأراضى السورية وعودة اللاجئين بمعنى أنها ستنفذ ما وعد أردوغان بتنفيذه.

وقد شهدت العلاقات السورية - التركية توترات كبيرة وصلت إلى حد التهديد باجتياح الأراضى السورية، لكن دمشق استطاعت فى كثير من الأحيان تجنب تلك التهديدات باتخاذ خطوات جريئة وفى اللحظة المناسبة. لكن السنوات الأخيرة كانت هى الأسوأ فى العلاقة بين البلدين حيث وصلت إلى حد اجتياح القوات التركية لعدد من المناطق السورية وإقامة قواعد عسكرية فيها لتصبح بذلك دولة احتلال مثلها مثل الكيان اليهودى الذى يحتل أجزاء من الجولان السورى منذ عام 1967.

وبالعودة بالحديث إلى ماضى العلاقات بين البلدين تشير إلى أن فقدان الثقة هى السمة الأبرز لطبيعة تلك العلاقات وهو ما دفع كلا البلدين إلى استضافة المعارضين للدولة الأخرى. فأنقرة استضافت ومنذ عقود الإخوان المسلمين وهم المصنفون تنظيما إرهابيا ومحكوم على المنتمين إليه فى سوريا بالإعدام، بينما استضافت دمشق حزب العمال الكردستانى وزعيمه عبدالله أوجلان.

وقع الطرفان اتفاق أضنة عام 1998 وهو الاتفاق الذى تدعو دمشق إلى احترامه متهمة تركيا بخرقه من خلال دعمها للمعارضة السورية المسلحة، فى حين ترى أنقرة أن دمشق لم تحترم هذا الاتفاق وبقيت تستضيف مجموعات على كيالى (معراج أورال). ولأن إقامة العلاقات الطبيعية بين البلدين هو منطق تفرضه الجغرافيا ولا أحد يمكنه أن يتنكر له، فقد شهدت العلاقة بين البلدين تطورا كبيرا يمكن وصفه بالانفلات فى العلاقات حيث تطورت بسرعة مذهلة وعلى حساب سوريا وقد أكد ذلك ما حدث لاحقا حين بدأت الحرب فى سوريا وكانت أنقرة طرفا رئيسيا فيها.الحرب أظهرت مدى الغدر والخداع الذى يتصف به الجانب التركى خاصة حين صرح أردوغان عن رغبته فى أن يؤم المصلين فى الجامع الأموى مظهرا حقدا وأطماعا عثمانية لم يستطع نسيانها.

وبعد سنوات من الحرب على سوريا والتى تركت أضرارا كبيرة على الصعيد الاقتصادى لكنها على الصعيد السياسى لم تحقق هدفها المتمثل فى تغيير نظام الحكم فى سوريا، ليكون الإخوان المسلمون والجماعات الإسلامية المتطرفة هم البديل عنه مثل ما حدث فى تونس ومصر وليبيا.

وبعد أن وصل الجميع إلى قناعة بضرورة التعامل مع الأمر الواقع، أى مع النظام السياسى القائم فى سوريا. وبعد أن ظهرت مطالبات شعبية تركية تنادى بعودة اللاجئين إلى وطنهم ولاعتبارات داخلية وانتخابية بدأت أنقرة تنادى بضرورة عودة العلاقة مع دمشق وقد جاء ذلك على لسان الرئيس التركى نفسه مظهرا رغبته بعودة العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها متجاهلا القطيعة النفسية التى تشكلت لدى القيادة السورية من التعامل معه، مشيرا إلى أنه فى السياسة لا توجد عداوات دائمة، محتكما فى ذلك إلى النظرية الميكيافيلية التى حكمت سلوكه وتوجهاته السياسية، تلك الميكيافيلية التى لم يعرف منها إلا أسوأ ما جاء فيها وهو أن الغاية تبرر الوسيلة، مع الإشارة هنا إلى أن الهدف التركى ليس انتخابيا فقط خاصة وأن المعارضة التركية تبدو ضعيفة ومفككة وغير قادرة على تقديم مرشح قوى يكون منافسا حقيقيا لأردوغان. ولعل الدافع الحقيقى وراء هذا الموقف التركى هو أن تركيا بدأت تخاف من وجود مشروع أمريكى يستهدف إقامة كيان كردى فى شمال شرق سوريا، حيث تم رصد مبلغ 500 مليون دولار فى ميزانية الدفاع الأمريكية العام الماضى لدعم الإدارة الذاتية وهو ما يشكل تهديدا للأمن القومى التركى.

ومن ناحية أخرى فإن الإصرار التركى على عودة العلاقات مع دمشق يشير إلى أهمية ذلك على المستقبل السياسى لأردوغان، مع الإشارة هنا إلى أن الموقف التركى كان قد تغير تجاه العديد من الدول ومنها سوريا، حيث بدأت أنقرة بإجراء مراجعات لسياستها الخارجية منذ أكثر من عامين تقريبا وخاصة تجاه مصر والسعودية والإمارات وإسرائيل. تلك المراجعات تحتم على أنقرة أن تضع فى حساباتها الموقف العربى الرافض لأى اجتياح تركى للأراضى السورية وقد جاء ذلك فى بيان مصرى سعودى واضح ومشترك وداعم لوحدة الأراضى السورية. موسكو من جهتها رحبت بالموقف التركى وأعلنت دعمها للمباحثات التى جرت بين وزراء دفاع الدولتين برعاية روسية، وشجعت البلدين لإنجاح اللقاء المنتظر بين وزيرى خارجية البلدين وبرعاية روسية أيضا. أما الولايات المتحدة الأمريكية فقد بادرت بالتدخل لمنع التقارب التركى السورى حماية لقوات قسد ومنعا لاستفراد روسيا بهذا الملف فعرضت على أنقرة تسوية تقوم على إبعاد قوات سوريا الديمقراطية عن الحدود التركية ولمسافة 30 كم داخل العمق السورى. أما طهران فقد أعلنت دعمها للتقارب السورى التركى مبدية رغبتها فى أن يكون التطبيع بين البلدين فى إطار مسار أستانة الذى يتيح دورًا أكبر لطهران وجاء ذلك على لسان وزير خارجيتها حسين عبداللهيان قبل وصوله إلى دمشق ولقائه الرئيس الأسد.

ووضعت دمشق 3 شروط لأنقرة يجب القيام بها قبل أى خطوات تطبيعية بين البلدين وهذه الشروط هى أولا انسحاب القوات التركية من الأراضى السورية وثانيا وقف الدعم التركى للعصابات الإرهابية المسلحة وما يسمى بالمعارضة السورية وثالثا عدم التزام أنقرة بالعقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا والبدء فى عملية إعادة الإعمار، وفى الوقت نفسه وضعت أنقرة 3 شروط تريدها من دمشق وهى: أولا التعاون مع الحكومة السورية فى مواجهة قسد، وثانيا التنسيق بين البلدين لتأمين عودة اللاجئين، وثالثا أن يكون لأنقرة دور فى العملية السياسية فى سوريا. كما أن أنقرة تريد خروج كل القوات الأجنبية من سوريا وهو ما يعنى خروج القوات الإيرانية والروسية وهى قوات دخلت بطلب وموافقة الحكومة السورية ووضعها مختلف عن القوات التركية والأمريكية والإسرائيلية حيث تشكل الدول الثلاثة دول احتلال للأراضى السورية.

الكثيرون راهنوا على الضغوط الروسية على الحكومة السورية لكن الوقائع أثبتت عدم صحة ذلك فدمشق تضع أولوياتها ومصالحها الوطنية فوق أى اعتبار وهو ما عبر عنه الرئيس السورى بشار الأسد صراحة واضعا شروط سوريا للبدء بالحوار مع أنقرة، وهى شروط أقرب إلى المبادئ والحقوق التى يجمع عليها السوريون جميعا، ويؤيدها الحلفاء والأصدقاء والقانون الدولى ومبادئ الأمم المتحدة. فلا مجال للقاء مع محتل، ولا مصافحة مع من يدعم قتلة الشعب السورى. الموقف السورى هذا جعل تركيا تستمر فى التهديد بتنفيذ عملياتها العسكرية فى الشمال السورى طالما أن حزب العمال الكردستانى موجود هناك . أما المعارضة السورية فهى الخاسر الأكبر خاصة وأنها غير موحدة كما أنها تعاملت مع تركيا على أنها حزب واحد فوقعت فى الخطأ، حيث لم تتعامل مع باقى الأحزاب التركية. وبدأت المعارضة تشعر أن تركيا لم تفى بالتزاماتها نحوها، فقد توهمت أن أنقرة قد تضحى بمصالحها لأجلها. وبعد التصريحات التركية المنادية بالحوار مع دمشق أصبح واضحا أن المعارضة السورية لم تكن سوى ورقة فى يد الأتراك ولا مشكلة لدى أنقرة بالتخلص منها عند الضرورة.

وبذلك تكون المعارضة السورية قد فقدت آخر حليف وداعم سياسى لها على المستويين الإقليمى والدولى، وبالتالى من المتوقع إغلاق هذا الملف إلى الأبد باستثناء بعض المواقف التى ستستخدم فيها هذه المعارضة للضغط على دمشق وابتزازها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.

أما تركيا من جهتها فتدرس جميع الخيارات وتحاول متابعة دورها فى اللعب على جميع الحبال لذا شهدنا فجأة تصعيدا فى التصريحات، فصرح مستشار الرئيس التركى داوود أقطاى بأن حلب يجب أن تكون تحت الإدارة التركية، لضمان عودة اللاجئين السوريين إليها على حد زعمه. تلك التصريحات تبدو وكأنها استعراض قوة للضغط على دمشق للبدأ فى الحوار مع أنقرة، مع الإشارة إلى أن ملف اللاجئين ملف صعب ومعقد ولم يكتب له النجاح حتى الآن فى لبنان والأردن وهما دولتان تربطهما علاقات جيدة بدمشق خاصة أن الكثير من اللاجئين ينادون بضرورة أن تـكون هناك ضمانات أمنية خاصة من قبل الأمم المتحدة لحمايتهم من السلطات السورية. بينما الواقع يشير إلى ارتكابهم جرائم يعاقب عليها القانون ولا تستطيع السلطات تجاوزها فى حالة وجود حقوق شخصية. المشكلة فى تلك اللقاءات أنها لن تؤدى إلى نتيجة ملموسة على أرض الواقع فالوقت أصبح مضغوطًا على الرئيس التركى والانتخابات أصبحت قريبة جدًا، واستعادة الثقة بين الجانبين هى المفتاح الحقيقى لبدء صفحة جديدة من العلاقات أساسها المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل لكلا الطرفين. إن أى لقاءات سياسية منتظرة بين دمشق وأنقرة لو حدثت قد تغير شكل المنطقة، لكنها لن تقدم حلولا سحرية للأزمة السورية، فسوريا تعانى وضعًا اقتصاديًا صعبًا ويمكن لحلفائها تأدية دور كبير فى التخفيف منه من خلال خرقهم للعقوبات الأمريكية المفروضة عليها.