الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
كدهوّن!.. طائر الأحزان.. ماجدة الخطيب

كدهوّن!.. طائر الأحزان.. ماجدة الخطيب

عاشت حياتها كطائر عنيد يستمد قوته من ذاته يغرد بمفرده خارج السرب تشدوا أنشودتها الخاصة للحياة والحرية فتفرد جناحيها الرقيقين تحلق بهما فى عرض السماء والأرض بلا أى قيود أو التزام يربطها بأرض الواقع غير عابئة بعادات وتقاليد بالية تطاردها أينما ذهبت لتفقدها متعتها بالانطلاق والجنون.



 

وكدهون تنطلق تُصارع الرياح وتتحدى الأعاصير وترقص فرق الأغصان تنعم بعبير الحرية التى تشكل ملامحها وتلون حياتها بكل ألوان الطيف كما أرادت تلك الطفلة التى تحيا بداخها أن تعيش هكذا طائر بلا هدف بعد أن فقدت البوصلة وتاهت عن الطريق فتندفع بكل ما تمتلك من قوة المغامرين فى اتجاه المجهول الذى ينتظرها كى يسطر سطورًا مريرة فى كتاب حياتها ولم تُدرك وقتها أن النار تحرق الفراشات الراقصة حولها الباحثات عن دفئ الضوء وكما تأتى الرياح بما لا يشتهه الطير فينكسر جناحها فى عز نجاحها وتسقط فى هوة سحيقة وتدخل القفص وتقيد حريتها التى ضحت من أجلها بكل عزيز وغالٍ وتزيل روحها خلف أسوار قاسية وجدران باردة لا تعترف بجنون الفنان وجنوحه لتضيع الألوان بداخلها وتتحول من اسم لمجرد رقم من ضمن الأرقام وتعيش كطائر جريح يحاول أن يلملم أشلاءه ويغرد بصوت حزين ينعى حاله للرحمن وكدهون تحكى ماجدة الخطيب عن تجربة السجن فتقول: أردت أن أدخل سجن القناطر كممثلة تلعب دورها المكتوب فى السيناريو بكل تفاصيلة وأنفعل وأبكى وأصرخ وأنظر للكاميرا وأحكى لها حكايتى وكيف كنت وكيف أصبحت ثم تنطفئ الأضواء ويأتى المساعدون ينزعون عنى ثوب السجن وأعود بسرعة لملابسى الشخصية وأمسح وجهى من تلك المساحيق الباردة الكئيبة لأعود لملامح النجمة التى أعرفها وأحبها وربما أستمع لموسيقى هادئة وعشاء فاخر قبل أن أستسلم لنوم هادئ مريح لأنسى تفاصيل التصوير المزعجة داخل سجن القناطر، ولكن هيهات فالقدر كان يحمل لى رؤية أخرى أكثر عمقًا وأشد وجعًا مما أردت، وتوقعت ودخلت سجن القناطر بالفعل ولكن كمتهمة فى قضية جنائية تهدد مستقبلى الفنى وحياتى كلها فوقفت خلف الأسوار صامتة لم أبكِ ولم أصرخ ولم أنظر لأى كاميرا من كاميرات الصحفيين المحلقة بوجهى وأنا أقف بجوار زميلاتى الجدد خلف الأسوار وكدهون الصدمة جعلتنى أصمت وطال صمتى حتى أصبت بمرض البوهاق من الضغط النفسى والعصبى وتقوقعت داخل شرنقتى أحتضن قلبى المذعور الذى ينتفض بقوة بين ضلوعى فأحاول أن أطبطب على روحى الرخوة لأ تماسك قدر الإمكان حتى أستطيع أن أستوعب عالمى الجديد وما يتضمنه من مفردات جديدة علىَّ وقصص وحكايات ترويها زميلاتى من السجينات اللاتى تعاملن معى منذ اللحظة الأولى كنجمة أرسلتها لهم السماء كى تستمع لصوتهن وتخفف من أوجاعهن وتطبطب على أرواحهن المتعبة وتؤنس وحدتهن، بينما تعاملت معى الإدارة كمذنبة مثل باقى النزيلات وتفهمت الموقف بكل قسوته، فالسجن الحقيقى ليس كسجن السينما والمسجونات لسن كفتيات الكومبارس وأنا لست أنا وتعاملت مع الزنزانة على أنها بيتى الصغير وأيقنت أن سلامتى داخل السجن مرتبطة بأذنى (كأهم عضو بجسمى) ومدى قدرتى على الاستماع لمئات الحكايات المتشابهة وأحيانا المشاجرات التى تحدث بين النزيلات، فأصبح أنا الحكم بينهن ويستمر الصراع بين الخير والشر حتى داخل جدران السجن نجد الطيب والخبيث ومع الوقت أصبحت أفرق بين الكاذبة والصادقة ونشأت بينى وبين بعضهن صداقات استمرت لما بعد خروجى من السجن الذى أثر بوجدانى وأعاد تشكيل شخصيتى من جديد. 

وتقول ماجدة الخطيب: «أنا خضت تجربة السجن وعشت فيه لمدة عام و4 أشهر، يا دوب طلعت منها مكملتش 8 أشهر، وأخدت حكم ثانى، القانون أعطانى 3 اختيارات إما أن أقدم نقضًا للحكم وأنتظر الاستئناف أو أعيش خارج البلاد 3 سنوات ونصف حتى سقوط الحكم، أو أعود للسجن، وبعد التجربة الأولى اكتشفت أنى لا أستطيع الصمود مرة أخرى، وأنا لم يكن لدى نفس القوة التى كانت عندى فى المرة الأولى». وأضافت الخطيب: «إن سجن الغربة بالنسبة لها كان أكبر وأقسى من السجن فى مصر، فى التجربة الأولى كان أصدقائى وعائلتى حولى ويزوروننى باستمرار، ولكن فى الغربة أنا كنت متشردة فى أوروبا وكدهون، تمر الأيام وتعود ماجدة الخطيب لحضن الوطن وتواصل عملها بكل عزم وقوة إردة فى محاولة مستميتة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مسيرتها الفنية والحياتية وتقبل بأدوار ثانوية بعد أن كانت نجمة مطلقة ومنتجة لأفلام كبيرة بل وكان لىَّ الحظ فى ذلك الوقت أن أتواصل معها كمخرج شاب يتلمس طريقه فى بدايته الفنية ويحلم بإخراج فيلم قصير من بطولة تلك النجمة الكبيرة رغم أن الفيلم بلا ميزانية إنتاجية تقريبًا إلى أن تجرأت واتصلت بها لأفاجأ بترحاب ودعم شديد وموافقتها للعمل معى بلا أجر نهائى ليبدأ التصوير لأكتشف مدى قدرتها على الصبر والتحمل وشغفها الكبير بالتمثيل وكأنها وجه جديد يريد أن يثبت نفسه ويتحدى قدراته رغم تاريخها العظيم إلا أنها تعاملت مع دورها فى الفيلم القصير كأنه أول أدوارها الذى سيقدمها للجمهور، بينما أنا أخفى انبهارى بالعمل معها حتى أتمكن من أداء دورى كمخرج بداخله شخصية أخرى منبهرة بشخصيتها المتواضعة المرحة وكدهون ولقد تكرر ذلك الموقف النبيل منها مع أكثر من زميل شاب ونجح الفيلم. وحصدنا جوائز عديدة وعدنا لتكرار التجربة معا أكثر من مرة حتى كللت بمسلسل لا أحد ينام فى الإسكندرية عن قصة الأستاذ إبراهيم عبدالمجيد، حيث قدمت دورًا جميلًا لسيدة يونانية تعيش بالإسكندرية أثناء الحرب العالمية الثانية وتتعمق علاقتى بها أكثر وأكثر وتتحول إلى صداقة عميقة مع الوقت اكتشفت مدى صدقها فهى شخصية لا تكذب أبدًا ولكنها قد تقول جزءًا من الحقيقة فقط ولكنها أبدًا لا تدعى شيئًا لا تعرفه أو تردد شائعات كنوع من التميمة. أبدًا هى إنسانة صادقة حتى فى أدائها وكدهون، أشرق وجهها الجميل بضحكة كبيرة أضاءت عالمى الصغير عندما أخبرتها بسر طفولتى ومراهقتى الدفين والذى حرصت على إخفائه حتى عن أمى أقرب المقربين إلى قلبى ومستودع أسرارى ولكنى خجلت فى ذلك الوقت أن أعلن أن ماجدة الخطيب هى فتاة أحلامى بقامتها الرشيقة وخصرها النحيف وجيبتها القصيرة وشعرها الأسود الفاحم المنسدل على كتفيها وعيونها المتمردة وطريقة نطقها للحروف والكلمات وطلتها الأرستقراطية وكأنها شخصية درامية هاربة داخل فيلم فرنسى لتسير فى شارع قصر النيل بوسط القاهرة تتفقد فترينات المحلات وفى يدها زجاجة مياه غازية ترتشفها بسعادة طفولية لا تناسب أنوثتها المتفجرة، بينما عيون الشباب تلاحقها أينما ذهبت وكدهون كنت أحبها. فى طفولتى وهى تلعب شخصية داليا فى فيلم (نصف ساعة جواز) أمام شادية ورشدى أباظة ومع المخرج فطين عبدالوهاب وصرت أردد جملتها الشهير فى الفيلم «الحكاية بقت تيكيلم تيكيلم على الآخر» طوال الوقت مع زملائى بالمدرسة وأصدقائى حتى صارت إحدى ذكريات الطفولة فى حياتنا، وأعتقد أن ماجدة الخطيب خسرت الكثير من النجاحات لعدم تعاونها مرة أخرى مع المخرج فطين عبدالوهاب أفضل من قدمها على الشاشة بروح وشخصية مختلفة عن السائد فى ذلك الوقت وتعامل مع موهبتها بمحبه وتفهم كبير ربما أفتقدته ماجدة مع مخرجين آخرين خلال مسيرتها الفنية وكدهون تجسد شخصية سناء فى فيلم أبلة الناظرة بجوار الأسطورة سعاد حسنى دون أن تهتز أو ترهب الوقوف بجوارها خصوصًا وهى تلعب دور الشريرة إلا أنها أضافت له من روحها وشخصياتها ما جعله خفيف الظل على الشاشة رغم قسوتها وكدهون وتقدم مع المخرج حسن الإمام شخصية عايدة بنت الباشا فى فيلم قصر الشوق ويعود بعد ذلك ليقدمها فى فيلم كوميدى محدود المستوى باسم شقة مفروشة إلا أن نجاحها الحقيقى جاء من خلال فيلم دلال المصرية ثم فيلم امتثال، حيث قدمت ماجدة الخطيب دور راقصة شعبية أبعد ما تكون عن تكوينها النفسى والشخصى ولكنها نجحت وحققت نجاحات فنية وإنتاجية ولن أستطيع أن أغفل اسم فيلم زائر الفجر لأهميته الفنية ولضخامة إنتاجة وتقوم بإنتاج فيلم توحيدة والهروب من الخانكة وفى الصيف لازم نحب وفجأة تتغير الأقدار وتتحول المصائر لتسير عكس الاتجاه الذى بدأته وكدهون تقرر ماجدة الخطيب العودة للفن لما يمثله لها من حياة وتوافق أن تبدأ من الصفر وتوافق بأدوار بسيطة. لا تتناسب مع تاريخها السينمائى ولكنها تحاملت على نفسها حتى تقف من جديد وتكتب حكايتها بنفسها كإحدى الفنانات المؤثرات على شاشة السينما المصرية حتى إن الأطفال اليوم يرددون الحكاية بقت تيكيلم تيكيلم على الآخر. وكدهون فى محبة الست ماجدة الخطيب.