الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
التجارة الفاسدة

التجارة الفاسدة

ابتلى مجتمعنا المصرى خلال الآونة الأخيرة بلعنة لم تكن فى الحسبان، لعنة يطلق عليها البعض وصف تجارة، وآخرون يصفونها بالصناعة، وكلا الوصفين ابتدعهما البعض ليعتقد من أصيب بها أو طالته حتى ولو من بعيد، أن صاحبها ذو شأن أو حيثية، رغم أنه فى حقيقة الأمر لا يتعد دوره سوى كونه شخصا يبحث عن دور، عقب ابتعاد دائرة الضوء عنه فى زمن جعل (القوالب نامت، والإنصاص قامت)، ليطل علينا ومن أوسع الأبواب أنصاف الموهوبين ومدعو الثقافة والعلم والمعرفة، بحثا عن الشهرة أو بمعنى أصح التريند، الذى كاد أن يصبح تجارة وصناعة تدر الكثير من الشهرة واللمعان، فصناعة الأخبار غير الصحيحة فى جميع المجالات، أو الجدل الذى لا طائل منه حول قضايا وهمية تثير الفتن فى المجتمع وتفرق بين فئاته أكثر مما تجمع، انتشرت بيننا بدرجة كبيرة، عقب انشغال الناس بها حتى كادت تصبح سمة من سمات مجتمعنا، لنبتعد بإرادتنا عن جل ما هو مفيد فى حياتنا، بدلا من التركيز على العمل والبحث والكد والسعى فى سبيل الرزق، فقد أنحصر اهتمامنا فى من طلق ومن تزوج؟، وما هو أجر هذا أو دخل ذاك؟، وهل هذا الفنان له أولاد أم لا؟، وشغلنا أذهاننا بفستان فلانة وبدلة أو ساعة علان، وهل فلان يستحق الحصول على جائزة ومدى أحقيته فيها؟، ناهيك عن الآراء التى تثير الجدل فى أمور دينية ثابتة لا يصلح معها الاجتهاد، وبالتالى أفضل عدم تناولها أو الخوض فيها، وخصوصا أن جموع الشعب المصرى تعرف وتعلم بالفطرة أصول دينها وتعاليمه الوسطية السمحة.



الأسطر السابقة سببها بعض التصريحات أو الآراء (التى تتوافق مع مبدأ خالف تعرف) والتى خرج علينا بها البعض مؤخرا، حينما قال أحدهم فى أحد البرامج إن «توفيق الحكيم» كان أحق من «نجيب محفوظ» بجائزة نوبل فى الأدب، وبرر ذلك بأن اللجنة المانحة فى الأكاديمية السويدية لم تمنحه الجائزة لأنه كتب فى الإسلاميات!، متناسيا عن قصد وتعمد أن ما كتبه أديبنا الراحل (الحكيم) لم يصنف قط تحت بند الإسلاميات، بخلاف أن شروط وقواعد نيل الجائزة لم تكن تنطبق عليه، تصريحات غرضها فقط أثارة الجدل، وخاصة أن هذا الحدث مر عليه سنوات كثيرة، ويقال الآن عقب وفاة الأديبين، الهدف منها واضح وضوح الشمس وهو البحث عن التريند وتجارته، وآخر يكتب ويدعى أن يقف ضد منع أى عمل فنى، لأن فى قرار المنع إهدار لحقوق المشاهدين أو المستمعين، ولذلك يشدد على مطلبه بعدم المنع مطالبا بترك الأمر لتقييم المشاهدين، ولكن فى وقت آخر يعود ويطالب بمنع فكرة عن عمل فنى (لم تكتمل) يناقش سيرة ذاتية عن شخصية مصرية، بالطبع مثل هذه النوعية من الآراء الكثير منها متواجد على الساحة الإعلامية، فمثلا هناك الإعلامى الذى يدعى أنه يملك وحده ناصية الأمور فى أحد الأندية الكبيرة، مطالبا مشاهديه بمتابعته لأنه الوحيد الذى ينفرد أو يملك الحق الحصرى لهذه المعلومات أو الأخبار، والتى سرعان ما يتضح عدم صحتها، ولا يخجل سيادته من نفسه بتقديم ولو اعتذار لجموع المشاهدين الذى سبق وطالبهم بتصديق ما يقوله دون غيره، لن نتناول هنا أيضا الإعلاميين الذين يعملون لصالح أندية بعينها، المتغافلون عن قصد عدم ذكر حقائق ما يدور فى هذه الأندية، تطبيقا للقول المعروف (أطعم الفم..) رغم أن ما يرددونه عبر الشاشات أو الصحف، يساهم فى تأجيج المشاعر وإثارة الفتن فى الوسط الرياضى الملتهب أساسا، والذى جعل من مسئول آخر يشكك ويهاجم جل من يخالفه، متوعدا إياهم بنشر فضائحهم وتاريخهم غير المعلن الذى لا يعلمه سواه.. وللأسف التاريخ غير المعلن أصبح من أهم الوجبات الرئيسية والدسمة التى يتميز بها إعلامنا الذى بات يخصص برامج بعينها للبحث فى أسرار وكواليس الحياة الخاصة حين استضافة فنان أو لاعب كرة أو حتى شخصية عامة، بغرض إثارة انتباه الجمهور لتحقيق نسب مشاهدة عالية، الغريب أن مثل هذه البرامج تعد من أهم المواد الأساسية المقررة سنويا على المشاهدين فى شهر رمضان الذى يهل علينا قريبا.

ما سبق ليست سوى أمثلة أراها من وجهة نظرى سطحية، غرضها الوحيد خلق حالة من الجدل بين الناس لتحقيق الانتشار والشهرة لاعتلاء التريند الملعون، الذى أصبح له مخططين وسماسرة ورواد يرسمون ويحددون الخطط والسياسات لمن يريد الجلوس فوق مقعده، مستغلين فى ذلك الرواج الحالى لتلك التجارة الفاسدة التى تتسم بالكذب والسواد والعفن والتى سرعان ما ستكشف من يعمل بها أو يستغلها، ولكن الأمر المؤسف أن إعلامنا يساهم بقصد أو بدون وتحت ضغوط الحاجة فى نشر هذا النوع من التجارة، ويشاركه فى هذا وبدرجة كبيرة مواقع التواصل الاجتماعى التى لم تعد يخلو منها بيت مصرى، فى الوقت الذى كان من الأجدر فيه طرح ومناقشة القضايا الجادة، التى سينتج عنها حلول وطننا فى أمس الحاجة إليها، خصوصا فى هذه المرحلة.