السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
البوصلة

البوصلة

1



هل كانت أحداث يناير قوية لدرجة إسقاط دولة؟!.. نستكمل هذا الأسبوع العامل الثانى لسقوط دولة ما قبل يناير، وذلك بترتيب الظهور بلغة إخواننا الفنانين.

2

 

العامل الثانى كان الأحزاب والمجتمع المدنى، فى بداية حكم مبارك اهتم كثيرًا بلقاء السياسيين وحضور المنتديات الشعبية والحديث المباشر معهم، لكن كعادة السياسيين دائمًا ما يهدمون جسور التواصل بينهم وبين السلطة ويدخلون معها فى صدام عوضًا عن تقديم حلول تخدم المواطن، وكان الرئيس مبارك حاد الذكاء فهو يدرك جيدًا أهمية الحوار السياسى وتأثيره فى الداخل والخارج لكن التعويل على السياسيين لن يجدى وهم غارقون فى بِركة الخلاف، لذلك أطلق حرية الصحافة وكانت تحت حماية مباشرة منه، فأدارت الصحافة الحوار السياسى، احتوت السياسيين وكانت أقسام السياسة بالجرائد من أهم الأقسام- وهنا أتحدث عن الصحافة القومية والفترة من بداية حكم مبارك حتى نهاية التسعينيات- وعبرت أيضًا عن الرأى النخبوى والشعبى بالنسبة لقضايا السياسة الخارجية، وكان لها مخالب وأنياب وكثيرا ما أذاقت الغرب مرارة النقد اللاذع، وكثيرا ما كانت تشتكى دوائر السياسة فى الغرب من حِدة كلمات الكُتاب المصريين تجاه سياساتهم فى الشرق الأوسط، وكان رد مبارك دائمًا «إنها حرية الرأى والتعبير التى تطبقونها فى بلادكم، نحن أيضًا نطبقها فى بلادنا».

 

3

 كان للصحافة أيضًا دور مهم فى الداخل، ومخطئ من يظن أنها كان ترفع راية التأييد المطلق، الصحافة كانت مرآة المجتمع بحسناته وسيئاته، واستطاعت احتواء الجمهور والمشاكل التى يمرون بها، كشفت عوار الحكومات فى التعامل مع ملف الخدمات، وفجرت قضايا الفساد.. لذلك هى شكلت مرجعية مهمة للمواطن فى كل أفكاره ومعتقداته، وبالرغم من هجوم قنوات خارجية على سياسات مصر لكنها لم تشغل بال المواطن وكانت خارج اهتماماته لأن الصحافة القومية كانت عين الحقيقة بالنسبة له ووجودها يكفى.. وبالنسبة للرئيس مبارك أن تخلق الصحافة هذا المتنفس للمواطن هو أمر إيجابى للغاية، مبارك رئيس تشكل ذهنيًا ونفسيًا من ثقافة الحرب واستعادة الأرض وبالتالى كان دائمًا يرى أنه لا خطر يهدد الأوطان سوى العدوان الخارجى.

 

4

 

 وسط كل هذا الحراك انزوت الأحزاب بعد أن اكتشفت أن نبرة حوارها تجعلها الخاسرة دائمًا، وغرقت فى خلافاتها الداخلية، وفى هذا الوقت فطن الإخوان المسلمين لأهمية العمل السياسى وطرح الفكر الجهادى، وقدموا أنفسهم للمجتمع كحملان وديعة، واستغلوا إما غياب الأحزاب أو تواطؤها معهم وقدموا أنفسهم كرموز سياسية.     

5

 ثم تأتى الفترة بعد 2005، وعلى الجانب الآخر من المشهد توجد أطراف خارجية متربصة بشدة لما يحدث، وتفتش عن الكارت الرابح داخل هذه المعادلة كى تبدأ الرهان عليه، بالنسبة للصحافة الطريق أمامها مسدود تمامًا لأنها خطها وطنى وأى محاولة للعبث معها ستقابلها بالمزيد من النقد والفضائح، لذلك لم يكن أمامهم سوى الإخوان المسلمين كملف حيوى وهام، أما الملف الآخر فهو خلق جيوب سياسية وصحفية يمكن التحكم بها، فظهرت الحركات السياسية والجمعيات المدنية والصحف الخاصة.

6

الحركات السياسية فى ذلك الوقت لم تكن عشوائية وعفوية كما كانت تتعمد أن تظهر ذلك، على العكس تمامًا كانت لها غرف تديرها وتنظم وقفاتها الاحتجاجية ومظاهراتها، وتهدف من ذلك قياس قدرتها على الحشد بشكل مستمر تمهيدًا لليوم الكبير، اليوم الذى سيمهد لقلب نظام الحكم سلميًا.

7

وكل هذا كان يتم فى فترة هشاشة الدولة التى تحدثنا عنها الأسبوع الماضى، وهنا يجب ألا نغفل جمعيات المجتمع المدنى التى كانت تحصل على تمويل خارجى بهدف تحقيق أجندات تخدم هذا المشهد العبثى.

 

8

 جيوب السياسة تمثلت فى جيل من الشباب المتمرد الانفعالى قليل الخبرة، فكان من السهل جدًا اللعب بعقولهم لدرجة أن يصبح الوطن بالنسبة لهم بقعة من جهنم والغرب روضة من الجنة، فأخذوا يصبون غضبهم الذى تم شحنه وتفعيله على كل ما يحمل اسم مصر، وكان الفخر بالنسبة لهم أن يروها تحترق وتتعطل وتخطف من الإخوان المسلمين، أو أن يظهروا على قنوات معادية ويمارسوا الدعارة السياسية فيسبوا بلدهم مقابل العملة الأجنبية، ويزيدون فى السب مقابل المزيد من المال.

 

9

النظام السياسى للدولة حينها كان شديد الهشاشة كما شرحنا الأسبوع الماضى فلم يستطع مواجهة كل هذا دفعة واحدة، علاوة على كل ما تم كان له مقدمات حدثت وتم التغافل عنها، كانت هناك محاولات للاستعانة بالحرس القديم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه لكن كان الأوان قد فات وسيطرت الفوضى على المشهد، وظهر الدم فى الشوارع.

10       

وهنا قرر الرئيس مبارك التنحى.. وفى نظرى أن يناير كان عبثًا لا يُسقط دولة لكنه وجدها آيلة للسقوط.