الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
حواديت.. كيف تحوّل عمله البسيط المرهق إلى استثمار يُدر الملايين؟ عم متولى وشهادة الكربون

حواديت.. كيف تحوّل عمله البسيط المرهق إلى استثمار يُدر الملايين؟ عم متولى وشهادة الكربون

فى قريتى الصغيرة القابعة بوسط الدلتا بمحافظة المنوفية وبمنتصف حقبة السبعينيات اعتاد عم متولى البدء فى عمله منذ الصباح الباكر فتجده يجر حماره الموصول بعربته الخشبية المتهالكة متوجهًا إلى إحدى دُور (وهى جمع دار) الفلاحين فيقوم بتنظيف حظائر الحيوانات ثم ينقل الناتج إلى حقل صاحب الحظيرة لاستخدامه كسماد عضوى وأحيانًا أخرى يقوم بجمع المخلفات العضوية البشرية لهذا الغرض. كان عمله يحظى باحترام الفلاحين؛ فله دوره المهم فى الدورة الزراعية.. لا أدرى لماذا تذكرتُ عم متولى أثناء حضورى ورشة عمل بمقر البورصة المصرية تناقش أسوق الكربون وإصدار شهادة الكربون.. فما هى تلك الشهادة، وما الذى ربط بين الموضوعين فى عقلى أثناء المحاضرة؟



ما هى أسواق الكربون

يواجه العالمُ خطرَ الانبعاثات الكربونية المتزايدة والتى بلغت 570 طنًا من انبعاثات ثانى أكسيد الكربون التراكمية اعتبارًا من عام 2018 ويحاول العالمُ تخفيض نسبة تلك الانبعاثات بكل السُّبُل ومن تلك الطرُق التداول على شهادات الكربون.

شهادة الكربون 

لدينا مَثل شعبى مصرى يقول (ما أدب إلا أدب القرش) بمعنى إذا أردت أن تؤدب شخصًا أو كيانًا فعليك بفرض غرامة مالية عليه وبالتالى لن يكرر ما فعله من خطأ مرّة أخرى.. وهذا هو جوهر شهادة الكربون، فهناك دول صناعية تزداد انبعاثاتها الكربونية بصورة كبيرة وتتسبب فى تغيُّر المُناخ بصورة سيئة مما يؤدى إلى تلف المحاصيل وتكاليف الرعاية الصحية نتيجة موجات الحرارة والجفاف أو تضرر الممتلكات من الفيضانات وارتفاع مستوى سطح البحر.

ولنطلق عليها دول الفئة (أ)، ودول أخرى قليلة الانبعاثات والأكثر عرضة للأخطار الناتجة التى تحدثنا عنها فى السطور السابقة وهى الفئة (ب)، فتم التفكير فى إنشاء وسيلة تجعل الدول (أ) تشترى شهادات من الدول (ب) ويتم التداول على هذه الشهادات وبالتالى تدفع الدول الصناعية فاتورة تلويثها للبيئة.

ويساعد تسعير الكربون على إعادة تحميل عبء الضرر على المسئولين عنه، والذين يمكنهم الحد منه. وبدلاً من إملاء أسماء الجهات التى يجب أن تخفض انبعاثات الكربون ومكانهم وكيفية ذلك؛ فإن تسعير الكربون سيجعل الملوثون أنفسهم يفكرون ما إذا كانوا سيحدون من الانبعاثات، أو يحدون من نطاق نشاطهم المسبب للتلوث أو التوقف عنه أو الاستمرار فى التسبب فى التلوث ودفع الثمَن. وبهذه الطريقة، يتحقق الهدف البيئى الشامل بأكثر الطرُق مرونة وأقلها تكلفة على المجتمع.

إفريقيا والكربون 

تعتبر شهادة الكربون مكسبًا كبيرًا للدول الإفريقية؛ حيث تمثل القارة السمراء أصغر حصة من انبعاثات غاز الكربون بنسبة %3.8 فقط على مستوى العالم، فيما تأتى الصين فى مقدمة الدول التى تنتج تلك الغازات بنسبة %23، ثم الولايات المتحدة بنسبة %19 فدول الاتحاد الأوروبى بنسبة %13، ورغم النسبة المنخفضة فى إفريقيا؛ فإنها القارة الأكثر عرضة بشكل خاص لتغيُّر المُناخ.

 ما الجهة المشرفة على الشهادة؟

 هناك أربع شركات فقط على مستوى العالم متخصصة فى إصدار شهادات الكربون ويتم اعتمادها من الجهاز المعنى بتغيُّر المناخ بالأمم المتحدة، وقد وضعت الكثير من المعايير لإصدار تلك الشهادات، وهناك ما لا يقل عن 40 دولة و20 مدينة وولاية ومقاطعة آليات لتسعير الكربون مثل نظم الاتجار بالانبعاثات وضرائب الكربون، أو تستعد لتطبيقها.

مصر وشهادة الكربون 

أطلقت الحكومة المصرية أول سوق إفريقية طوعَى لإصدار وتداوُل شهادات الكربون على هامش مؤتمر المناخ العالمى الذى عُقد فى مدينة شرم الشيخ فى شهر نوفمبر الماضى، وتزامن ذلك مع توقيع الشركة القابضة لتنمية الأسواق المالية، التابعة للبورصة المصرية؛ اتفاقًا مع البنك الزراعى المصرى، وشركة «ليبرا كابيتال»، لتأسيس أول شركة مصرية لتطوير وإدارة وإصدار شهادات الكربون والشهادات والمنتجات البيئية على اختلاف أنواعها. 

وتعتبر مصر أول سوق منظم طوعَى بقارة إفريقيا؛ حيث تتبع هيئة حكومية وهى الهيئة العامة للرقابة الإدارية، فهناك أسواق فى المنطقة ولكن ليست داخل الهيكل الحكومى مثل سوق تداول الكربون بدولة الإمارات، وتسعى المملكة العربية السعودية لإصدار سوق لشهادات الكربون أيضًا. 

ولكن لماذا قامت مصر بإنشاء هذه السوق؟ 

تتمثل الإجابة كما أوضحتها البورصة المصرية فى :

• الحاجة إلى لوائح متماسكة ومتزامنة بين البلدان الإفريقية لتوحيد عملية التحقق والمصادقة، بحيث تصبح شهادة الكربون ذات ثقة ولها معايير موحدة على مستوى القارة.

• السعى إلى مزيد من الشفافية والنزاهة فيما يتعلق بسوق شهادات الكربون. 

• تسعير عادل لشهادات الكربون الإفريقية لجعلها على قدم المساواة مع شهادات الكربون العالمية.

• توفير السيولة والتمكين المالى للمجتمعات المحلية الإفريقية.

• سد فجوة الطلب العالمى على أرصدة الكربون من خلال الاستثمار فى مشروعات الخفض فى الدول الإفريقية.

الكربون والزراعة 

يعتبر مجال الزراعة من أكثر المجالات التى تشهد ارتفاعًا فى أسعار شهادات الكربون؛ حيث تعتمد الفكرة على استخدام السماد العضوى بديلاً عن الأسمدة الكيماوية الضارة بالإنسان والتى تؤدى إلى احتفاظ التربة بالانبعاثات الكربونية الناتجة من النبات؛ حيث يحتفظ الفدان الواحد من الزراعة العضوية الأورچانيك من طن إلى 3 أطنان من ثانى أكسيد الكربون والغازات الأخرى فى السنة.

ونظرًا لمرور المشروع بمراحل متعددة مثل الحصول على السماد العضوى وتجهيزه للزراعة وتعليم الفلاحين كيفية استخدامه مما يؤدى لارتفاع التكلفة وبالتالى ارتفاع سعر شهادة الكربون.. 

هناك شركات خاصة فى مصر بدأت بالتعامل فى هذا المجال؛ حيث تقوم بتوفير السمادة العضوى والتعاقد مع الفلاحين على الزراعة به وقياس نسبة الكربون فى الأرض بعد الزراعة مما حقق عوائد مالية كبيرة للفلاحين. 

ومن هنا تذكرتُ عم متولى وكيف أصبح عمله المرهق ذو العائد القليل؛ استثمارًا ضخمًا لذوى الشهادات العليا يُدر عليهم عوائد بالملايين.. دمتم بكل الخير.