الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
تم الرَّد على الخاص

تم الرَّد على الخاص

 لم أجد خلال الآونة الأخيرة جملة تستفزنى أكثر من جملة «تم الرّد على الخاص»، وهى الجملة التى انتشرت فى حياتنا كانتشار النار فى الهشيم، عند السؤال عن سعر أى سلعة أو خدمة؛ نظرًا لكونها تبتعد تمامًا عن مبدأ الشفافية التى نطالب بها فى جميع أوجُه حياتنا.. هذا من جهة، ومن جهة أخرى تعطى انطباعًا أولاً بأن البائع نصّاب أو غير أمين، كما أنها تفرض حالة من الغموض على جميع التعاملات التجارية الإلكترونية التى تركز على عدم الإفصاح عن السعر، حتى تترك لى أو لغيرى خيار شراء السلعة من عدمها؛ خصوصًا أن نظرية (رِجْل بالداخل وأخرى بالخارج) التى تعتمد عليها مثل هذه التجارة ليست لها أدنى علاقة بالسعر، بخلاف أن هذا الأسلوب يدل على عدم تقدير العميل واحترام حقه فى قبول السلعة أو رفضها، لذلك نجد كثيرًا من المهتمين بشراء سلعة ما لا يكلفون أنفسهم عناءَ السؤال عن السعر إذا وجدت هذه العبارة، رُغْمَ أن البعضَ يعتقد أن الإعلان عن السلعة بهذه الطريقة يُعَد طريقة ذكية، ولذلك تعتمد عليها أغلب صفحات الفيس بوك وغيرها من مَوَاقع التواصُل الاجتماعى الأخرى التى تروّج لهذا الأمر؛ حيث يساهم ذلك فى زيادة عدد التفاعُل والتعليقات على السلعة مما يؤدى إلى رواجها وبالتالى تحقيق نسبة أعلى لشرائها، وإعطاء الفرصة للقائمين على خدمة العملاء لاستدراج العميل من خلال سؤالك عن السعر فى إطالة الحديث وعرض منتجات مشابهة بأسعار متنوعة وألوان متعددة، مما يفتح مجالاً للحوار يزيد من احتمالية الشراء فى النهاية، ولذلك يفضّل عدم الإفصاح عن السعر؛ لأن مجرد ذكره يجعل البعضَ يرفض أن يعلق على المنشور أو يهتم به وبالتالى لن يصل المنشور سوى إلى عدد قليل جدًا من الناس مما يساهم فى انخفاض المبيعات.



قد يكون من المقبول أن يجد هذا الأسلوب قبولاً ممن يقومون بالإعلان عن سلعة تجارية، ولكن غير المقبول أن يتم استخدام نفس الأسلوب من قبل أصحاب الرداء الأبيض.. وأقصد هنا الأطباءَ الذين يعلنون عن أنفسهم وتخصُّصاتهم دون ذكْر المقابل النقدى لهذه الخدمات.. هذا الشأن بالتحديد يُعَد من وجهة نظرى اتّجارًا بمعاناة المرضى الذين ينتظرون بارقة أمَل من الممكن أن تعيد لهم الشفاء والسعادة مرّة أخرى، فعند هذه النوعية من الأطباء سعر الكشف لا يصرّح به سوى على الخاص، وإجراء الحقن أو الإجراء الجراحى أو زرع أسنان، يُعَد سرّا من الأسرار الحربية التى لا تكشف سوى فى العيادة عقب إجراء الكشف والذى منه، وأعتقد جازمًا أن هذا غير مقبول من قِبَل وسطاء الرحمة والشفاء على الأرض، فمن الوارد جدًا أن يذهب المريض إلى العيادة ثم يكتشف أن المطلوب منه ماليًا لتكاليف العلاج أو الجراحة ليس فى مقدوره الوفاء به، وبدلاً من زرع الأمل فى نفسه؛ يصاب بالإحباط والاكتئاب من قِبَل طبيب لم يعلن مقدمًا عن سعر قيمة ما يقدمه من خدمة؛ لسابق تفضيله الإعلان عن نفسه بنفس الطريقة التى تتبع مع السلع التجارية، وشتان الفارق بين تقديم الخدمتين؛ فوارد جدًا بل وممكن أن يستغنى الفرد عن سلعة تجارية ما لحين تدبير مواردها؛ ولكن لا يمكن أن يتم الاستغناء أو تأجيل الطلب فى أى شأن يتعلق بالصحة، التى يقدمها البعض من الأطباء الذين يفضلون مثل هذا الأسلوب، الذى فسّره البعضُ بأن له علاقة بالضرائب، أو له علاقة بالحسد والعين أو بالقدرة والمهارة الطبية أو بنَيْل قِسْط وافر من الشهرة التى تتحقق من خلال مواقع التواصل الاجتماعى.. عمومًا جُل هذه الأسباب السابقة ليس لها أدنى علاقة بالطب ورسالته التى نُجلّها ونُقدّر دورها فى المجتمع، لا تنطبق على جميع الأطباء، فهناك غيرهم كثُر يقدمون العديد من الخدمات الطبية مجانًا للمحتاجين؛ بل ويقدمون لهم الدواء حتى يستكملوا مرحلة العلاج، أمثال هؤلاء لهم منّى تحية تقدير واحترام.

ومع هذا يبقى سؤال لا بُدّ من طرحه موجَّه لجهاز حماية المستهلك: أين، وما هى حقيقة دورك فى مواجهة مثل هذا الأسلوب الذى يتعمّد عدم ذكر السلعة؟ رُغْمَ علمى أن أسلوب تقديم الخدمة أو البيع بهذه الطريقة يُعَد فى نظر البعض من مستلزمات العصر الحديث الذى نعيشه، إلا أننى أراه غير مناسب أو لائق فى بعض الأحيان؛ خصوصًا لبعض المهن مثل الطب أو الخدمات التى لا تنشد سوى اللمعان والشهرة، بِغَضّ النظر عن الجودة.