السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

هل حان الوقت لإجراء مفاوضات مباشرة مع «موسكو»؟ «واشنطن» عالقة بين الدب الروسى والتنين الصينى

عام جديد بدأ، ولا تزال العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا» مستمرة، ولكن المثير للريبة هو أن الأزمة كشفت عن واقع مختلف عن أقاويل الإعلام الغربى، التى توقعت انهيار وفشل «روسيا»، أو تدخل حلف شمال الأطلسى (ناتو) لإنهاء الأزمة بالقوة !!



 

مع اقتراب إتمام عام كامل على بدء الأزمة الروسية الأوكرانية فى شهر فبراير المقبل، تجد «الولايات المتحدة» -التى تصدرت المشهد كداعم أول ورئيسى لأوكرانيا- نفسها فى موقف حرج، مع تعدد التحديات الدولية، وخاصة تلك الناجمة عن منافسي الشرق الأقصى وتحديدًا «الصين»، فى الوقت الذى تواجه الإدارة الأمريكية الحالية أزمات داخلية، اعتبرها عدد من المحللين مشتتة للانتباه. 

ومن هنا، بدأ التساؤل يلوح فى الأفق، هل حان الوقت لواشنطن للنظر فى إجراء مفاوضات مباشرة مع «موسكو»؟ 

أسباب تدفع «واشنطن» للتفاوض مع «موسكو»

أوضح كبير مستشارى وزارة الخارجية الأمريكى خلال إدارتى «جورج دبليو. بوش، ودونالد ترامب»، «كريستيان ويتون» أن الإدارة الأمريكية الحالية، اعتقدت أن «أوكرانيا» كانت قضية جيدة بالنسبة لها، من أجل إخفاء -ما أسماه- الإذلال الأمريكى فى «أفغانستان»، وخيبات الأمل الأخرى فى جميع أنحاء العالم. 

وأكد «ويتون» أنه رغم هذا الاعتقاد الأمريكى، إلا أن العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا» لا تزال قائمة؛ مشيرًا إلى تعبير رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية فى الأربعينيات والخمسينيات الجنرال «عمر برادلى» أنها: «الحرب الخاطئة، فى المكان الخطأ، فى الوقت الخطأ، ومع العدو الخطأ».

يبدو أن «ويتون» ذكر هذه المقولة، نظرًا لخوض «واشنطن» –حاليًا- منافسة حاسمة مع «بكين»، التى تسعى لفرض نفوذها وسيطرتها حول العالم، فى وقت أظهرت فيه الأزمة الروسية الأوكرانية حدود القوة العسكرية التقليدية لروسيا، كما أثبتت –أيضًا- أن العديد من الحكومات الأوروبية لن تمول دفاعها بشكل كافٍ، فى ظل عدم استعداد «أوكرانيا» للتفاوض بجدية من تلقاء نفسها، رغم أن رئيسها «فولوديمير زيلينسكى» قال فى جلسة مشتركة للكونجرس، إن «كييف» مستعدة للتفاوض، وأن «موسكو» لا ترغب فى ذلك. 

فى الحقيقة، يعد الواقع أكثر تعقيدًا، إذ يرى المحللون السياسيون حول العالم، عدم رغبة، أو استعداد أي من الجانبين لتقديم تنازلات إقليمية، والتى بدونها تبدو تسوية تفاوضية غير مرجحة، رغم أن «كييف» لديها القليل من القدرة على الاستمرار فى خوض حرب واسعة النطاق، أو إعادة السيطرة على الأراضى المفقودة، دون مساعدة أمريكية كبيرة ومستمرة، بما فى ذلك: الأسلحة الأمريكية، والذخيرة، ومعلومات الاستخبارات، والمشورة العملياتية، والمزيد من تدفق الأموال.

من جانبه، يبدو أن الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين»، وحكومته على استعداد لاستمرار العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا» على المدى الطويل، إذ أثبتت «روسيا» أنها مرتاحة للنزاعات الباردة، كما ثبت خطأ الشائعات، التى أفادت بأن السلطات الروسية فى حالة سيئة، أو على وشك الإطاحة بها خلال العام الماضى. 

كما أن الاقتصاد الروسى الذى قيل إنه يشهد حالة من الاضطراب، يبدو أنه على ما يرام حتى وإن لم يكن فى أحسن أحواله، مع وجود أحد أمهر المصرفيين المركزيين «إلفيرا نابيولينا» على رأسه. 

أضف إلى كل ذلك، أن «موسكو» لديها حوافز قوية لمواصلة عمليتها العسكرية فى «أوكرانيا» مدة عام آخر فى الشتاء المقبل، حيث قد تواجه «أوروبا» أزمة طاقة أكبر مما هى عليه اليوم. 

وعليه، أوضح «ويتون» أن هناك أربعة أسباب لدى «الولايات المتحدة» للبحث عن صفقة أو تفاوض لحل الأزمة الروسية الأوكرانية فى الحال، وهي: 

أولاً، ضرورة تركيز «الولايات المتحدة» على ردع «الصين»؛ إذ لا يمكنها –حاليًا- القيام بذلك بشكل كافٍ.. على سبيل المثال، تم تحويل الأسلحة التى اشترتها «تايوان» إلى «أوكرانيا»؛ كما أن مبلغ الـ 100 مليار دولار الذى عرضته «واشنطن» على «كييف»، كان يمكن أن يقطع شوطاً طويلاً فى المحيط الهادئ. 

ثانياً، بدون حل، قد تمنع الأزمة الروسية الأوكرانية «واشنطن» من إعادة توجيه تركيز السياسات نحو «الصين» لفترة طويلة، تاركة «الولايات المتحدة» وحلفاءها فى حالة تقلص للأصول البحرية والجوية فى منطقة (المحيط الهادئ)، وجيشاً يركز -بشكل كبير- على القتال فى المناطق النائية فى بعض مناطق «أفريقيا»، والأوساط الأوروبية، حيث لا يتعلق الكثير من هذه المواجهات بخبرة ردع معركة بحرية، أو جوية، أو فضائية مع منافس نظير بحجم «الصين». 

ثالثاً، عندما يتعب الشعب الأمريكى والكونجرس من هذا الالتزام، فإن الإدارة الأمريكية الحالية، أو خليفتها قد تقاطع «أوكرانيا»، وقد تخسر «كييف» أمام «موسكو»، أكثر مما ستخسره إذا بدأت المفاوضات الآن. 

رابعاً، إن مثل هذه النتيجة، التى قد تشبه الإخفاقات الأمريكية فى كل من دول «فيتنام، وأفغانستان»، وغيرهما، ستكون أكثر ضررًا بكثير لمصداقية «الولايات المتحدة» من صفقة يتم التفاوض عليها بشكل جيد فى الوقت الحالى.

كلمة السر .. «بكين»

من بين الأسباب السابقة، برزت «الصين» -بوضوح- كمنافسة «الولايات المتحدة» الأقوى -فى الوقت الحالى، وهى التى قال عنها وزير الخارجية الأمريكى «أنتونى بلينكن»، إنها: «الدولة الوحيدة التى لديها نية لإعادة تشكيل النظام الدولى، وبشكل متزايد القوة الاقتصادية، والدبلوماسية، والعسكرية، والتكنولوجية للقيام بذلك».

وبالفعل، فإن تصاعد قوى ونفوذ بكين بات يؤرق صناع السياسة الأمريكية.. وقد أوضح نائب مدير البحوث والسياسات فى معهد كوينسى «ستيفن ويرثيم» أن فرص مواجهات «الولايات المتحدة» مع «الصين» تتزايد.. فعلى سبيل المثال، أكدت «واشنطن» -مراراً- أن لديها التزامًا بالدفاع عن «تايوان» عبر المساعدة فى تسليح الجزيرة؛ متعهدة بإرسال قوات أمريكية فى حالة حدوث غزو صيني؛ فى الوقت الذى تخاطر فيه زيارات الكونجرس عالية المستوى إلى «تايبيه»، بالإيحاء بأن «الولايات المتحدة» ترغب فى إبقاء «تايوان» منفصلة بشكل دائم عن البر الرئيسى للصين، وهو موقف يصعب على «الصين» تقبله.

لذلك، اعتقد «ويرثيم» أن كل جانب سيميل إلى التصعيد؛ مستدلاً بما استنتجه منظمو اجتماع عقده مركز الأمن الأمريكى لحرب بين الجانبين، انتهت بتفجير «الصين» لسلاح نووى بالقرب من «هاواى» الأمريكية؛ موضحين أن فى هذا السيناريو، قد تجاوزت كل من «واشنطن»، و«بكين» الخطوط الحمراء الرئيسية، ولم يكن لأى منهما استعداد للتراجع. 

وأوضح «ويرثيم» أنه يمكن للصين أن تشن هجمات إلكترونية لتعطيل البنية التحتية الأمريكية الحيوية، خاصة فى ظل حرب طويلة الأمد، وقد تقطع التيار الكهربائى فى أى مدينة رئيسية، أو تعيق خدمات الطوارئ، أو تعطل أنظمة الاتصالات. 

يتوقع المحللون السياسيون أن الحرب بين «الولايات المتحدة»، و«الصين» قد تخاطر بخسائر فادحة، فيما قدر الباحثون فى مؤسسة (RAND)، أن الصراع من شأنه أن يخفض الناتج المحلى الإجمالى للولايات المتحدة بنسبة 5 % إلى 10 %، وهى نسبة أعلى من انكماش الاقتصاد الأمريكى بنسبة 2.6 % فى عام 2009، الذى وصف بأسوأ عام فى الركود العظيم. 

ورجح الباحثون أن ارتفاع أسعار الغاز الناجم عن الأزمة الروسية الأوكرانية، لا يعد سوى نسبة قليلة، لما يمكن أن تولده المواجهات بين «واشنطن»، و«بكين»؛ ناهيك عن الأزمة الداخلية التى قد تضرب الاقتصاد الأمريكى جراء المواجهات الصينية الأمريكية، حيث سيفقد الملايين وظائفهم، بينما سترتفع الأسعار وتنقص السلع.   

فى النهاية، يلوح فى الأفق التساؤل الأكثر إثارة للقلق للأوساط السياسية، وصناع القرار الأمريكيين، هل تضطر «واشنطن» إلى إجبار «كييف» على التفاوض مع «موسكو»، من أجل إنهاء الأزمة الروسية الأوكرانية، التى ألهت -بدورها- الإدارة الأمريكية عن التحديات الدولية الأخرى خاصة «الصين»؟؛ أم تستمر «الولايات المتحدة» فى مواجهة التحديات الدولية الراهنة، فى ظل تأجج التحديات الداخلية الأمريكية، واستمرار التوقعات بأن الطريق أمام الإدارة الأمريكية الحالية –التى اقتربت من مرور عامين على توليها مقاليد الحكم الأمريكى فى 20 يناير 2021- سيكون أكثر صعوبة، خاصة بعد سيطرة الجمهوريين على مجلس النواب الأمريكى فى 3 يناير الجارى، فيما يلوح خطر الركود فى الأفق خلال التضخم الأمريكى المرتفع؟

على كل، سيكون العامان المقبلان والمتبقيان للإدارة الأمريكية الحالية معقديَن للغاية، بسبب تراكب ثقيل ومعقد من أزمات السياسة الداخلية والخارجية..