الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

النسوية الإسلامية تعدد الزوجات.. لا الأزواج: سندس.. زوجة لرجلين! "48"

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخـرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.



 

فى نهاية سنة 2022، انتشر مقطع فيديو لامرأة تونسية عمرها 30 سنة، وتدعى الحاجة سندس، ظهرت فيه وهى تعلن عن موعد زواجها من رجُلين فى وقت واحد، بموافقتهما وعلمهما، ووجهت الدعوة لأصدقائها لحضور حفل الزفاف.

 

الحاجة سندس هى ناشطة تيك توك، وقد أثارت الجدل بعد نشر فيديو الزواج من رجُلين، وقد وجد الكثيرون أنها بفعلتها هذه ربما تبحث عن الشهرة واستقطاب المتابعين لحساباتها على مواقع التواصل الاجتماعى.

وقد عبّرت عن سعادتها لأنها ستكون أول امرأة تونسية تتزوج رجلين فى وقت واحد، وفى مقطع فيديو آخر تعهدت الحاجة سندس بالعدل بين زوجيها، وصرّحت أنها تلقت طلبات من رجال آخرين أبدوا رغبتهم فى الزواج منها.

وظاهرة تعدد الأزواج للنساء موجودة فى بعض القبائل فى بعض الدول مثل الباراجواى والكونغو والصين والنيبال، كما كانت منتشرة فى جنوب إفريقيا والقطب الشمالى ونيجيريا، وعند بعض القبائل من سكان أمريكا الأصليين، وعند سكان جُزر الكنارى الأصليين.

وموضوع تعدد الزوجات وليس الأزواج جاء فى القرآن: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِى الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ)، النساء3، والآيات الأولى من سورة النساء تتحدث عن اليتامى الذين قد يظلمهم الناس، والسياق العام الذى ورد فيه موضوع تعدد الزوجات مرتبط باليتامى.

 رعاية اليتامى:

بدأت سورة النساء بدعوة الناس إلى تقوى ربهم وإلى صلة الأرحام، ثم الحديث عن اليتامى الذين فقدوا آباءهم ويأمر تعالى برعايتهم وتنمية أموالهم ودفعها إليهم بعد أن يبلغوا رشدهم، وفى حالة الخوف من عدم رعايتهم والحفاظ على أموالهم فيمكن الزواج من الأرامل أمهات الأيتام.

والخطاب موجّه للرجال المتزوجين من واحدة وعندهم أولاد؛ لأن الآية بدأت بـ (مَثْنَى)، ولو كانت الآية تتكلم عن التعدد بشكل عام بلا شروط لكانت الصياغة «أولى وثانية وثالثة ورابعة»، بدلًا من (مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ)، ولكن الآية لم تذكر الزوجة الأولى لأنها ليس لها شروط محددة، وذكرت للتعدد شرطين؛ الأول أن تكون كل من الزوجات الثانية والثالثة والرابعة أرملة ذات أولاد، والثانى أن يتحقق العدل إلى اليتامى.

والقول بأن المقصود فى الآية هو الزواج من النساء اليتامى فهو غير صحيح؛ لأن اليتامى إذا بلغوا رشدهم فقد خرجوا من حالة اليتم، قال تعالى: (وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ..)، النساء 6، وبما أن اليتامى قد بلغوا سن الزواج فإن النساء منهم لم يعدن من اليتامى، أمّا قوله تعالى: (وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِى الْكِتَابِ فِى يَتَامَى النِّسَاءِ)، النساء 127، اليتم يعنى الحاجة إلى شىء، ومصطلح (يَتَامَى النِّسَاءِ) يدل على حالة من الضعف خاصة بالنساء المحتاجات المنفردات اللاتى ليس لهن زوج.

وفى قوله تعالى: (مَا طَابَ لَكُم)، إشارة للنساء الأرامل ذوات الأولاد واللائى أصبحن مضطرات إلى القبول بأى خاطب يتقدم إليهن، وكأن المعنى المقصود «ما طاب من خاطر النساء ومشاعرهن نحوكم»، وهنا يشير تعالى إلى طيب النفس عند الأرامل مراعاة لهن، ولم تأتى الصيغة قهرية مثل «فانكحوا ما شئتم من النساء»، فى ظل الظروف الاضطرارية.

 (مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ):

وعن التعدد (مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ)، لو بدأت الآية باثنتين فمعناها أن يتزوج أكثر من رجل مشتركين فى اثنتين، ولذلك بدأت بمثنى لتعنى اثنتين اثنتين، أى كل رجل يتزوج من اثنتين، ومثلها ثلاث تعنى ثلاثة ثلاثة، ورباع تعنى أربعة أربعة.

ونجد مثل ذلك فى قوله تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِى أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ..)، فاطر 1، يعنى قسم له اثنتان اثنتان من الأجنحة، وقسم له ثلاثة ثلاثة، وقسم له أربعة أربعة، بمعنى منهم من له جناحان، ومنهم من له ثلاثة، ومنهم من له أربعة.

وفى التعدد: (مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ)، الواو للعطف تدل على أن لك أن تختار بين الحالات الثلاثة، ولو قال «أو» فيقتضى التخيير يعنى أن تختار حالة واحدة منها فقط إمّا اثنتان أو ثلاث أو أربع.

 التعدد استثناء:

وقد رأى البعض أن للتعدد أسبابًا، منها زيادة القدرة الجنسية عند بعض الرجال، أو عقم المرأة، أو مرضها، أو سوء طباعها، مع أنه تعالى قال: (وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ)، النساء 20، وهو الحل بمفارقة الزوجة والزواج بزوجة أخرى، والآية هنا لا تقدم التعدد كحل من الحلول، فالأصل فى الزواج هو بين ذكر واحد وأنثى واحدة، والتعدد بالنسبة للرجل حالة استثنائية وليست أصلًا. 

وهدف الآية هو العناية بالأيتام وكفالتهم من خلال الزواج بأمهاتهم، وتحقيق العدل بين أولاد الرجل من الزوجة الأولى وبين الأيتام أولاد الزوجة الجديدة؛ لأن العدل بين النساء هو أمرٌ لا يتعلق به تشريع لأنه غير ممكن: (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ..)، النساء 129، ولا يكون ذلك محل تكليف لأنه فوق استطاعة الإنسان، بخلاف العدل بين اليتامى فهو محل تكليف لإمكانية حدوثه فى الواقع، وجاء النهى للرجال عن إهمالهم للزوجة الأخرى: (فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ..)، النساء 129، بحيث تشعر أنها ما زالت مرغوبًا فيها. 

ومن الخطأ فصل موضوع التعددية عن الهدف الأساسى وهو اليتامى، ومن الخطأ ابتداع مبررات للرجل تسمح له بالتعددية مثل عدم إنجاب المرأة مع أن عدم الإنجاب يصيب الرجل أيضًا، ومثل إن الرغبة الجنسية عند الرجل تبرّر له التعددية مع أن المرأة قد تزيد عندها الرغبة الجنسية، ومثل عجز المرأة كزوجة بسبب المرض المزمن مع أن الرجل قد يكون هو العاجز المريض، أن ما يسرى على المرأة إنسانيًا يسرى على الرجل والحل لا بُدّ أن يكون عادلًا لا أن ينحاز لأحدهما على حساب حق الأخر.

 تقييد التعدد:

الآية تحدثت عن تعدد الزوجات وهو تقليد كان موجودًا قبل القرآن، ولمّا نزل القرآن وضع شروطًا للتعدد من خلال تشكيل منظومة اجتماعية إنسانية جديدة تكون مثالًا نموذجيًا لعمل آيات القرآن الكريم على التغيير التدريجى للمجتمع.

لقد احترم القرآن النظام الاجتماعى القائم الخاص بالعلاقات الزوجية، وفى نفس الوقت كان يعمل على تقديم حلول للمشاكل الزوجية بحيث يمكن العيش فى إطار علاقة أساسها الاحترام المتبادل، حتى فى حالة تعدد الزوجات فهو أمر تحكمه شروط منها تحديد عدد الزوجات فى أربع، والعدل بين الأولاد، ومراعاة مشاعر الزوجات.

فتعدد الزوجات يؤدى إلى ظلم كل زوجة منهن مَهما كانت درجة عدالة الزوج؛ لأنه يشكل خروجًا عن القاعدة العامة فى الزواج من زوجة واحدة، حتى إن النبى عليه الصلاة والسلام غضب عندما سمع أن عليًا زوج ابنته فاطمة يريد الزواج عليها بامرأة ثانية.

ومع أن الأحكام القرآنية تضبط تعدد الزوجات بشروط محددة؛ فإن التعدد يحدث من دون ضوابط، حتى صار الزواج بأكثر من واحدة عند بعض الرجال المسلمين وكأنه امتيازٌ خاصٌ منحه الله لهم.

وفى قوله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُون. إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ)، المؤمنون 5 - 6، حرف (أَوْ) هو للتخيير لأن الرجل مسموح له بالتعدد، والجمع بين الزوجة الحُرّة والزوجة مِلْك اليمين؛ لتحقيق الإحصان بالزواج.

وفى قوله تعالى: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً)، النساء 24، والإحصان للنساء هو إحصان عفة: (والذين يرمون المحصنات) النور 4، أو إحصان زواج: (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ)، النساء 25.

والمحصنات فى محارم النكاح غير مقصود بهن إحصان العفة والأخلاق لأنهن عفيفات مباح نكاحهن، مما يدل على أن المقصود بكلمة (وَالْمُحْصَنَاتُ) فى آية تحريم النكاح هن النساء المتزوجات، مما يؤكد حرمة تعدد نكاح الرجال بالنسبة للمرأة، وذلك قياسًا على تحريم نكاح المتزوجة على الرجال.

قال تعالى: (وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ)، النساء 25، والإحصان للنساء يعنى عدم تعدد نكاح أكثر من رجل لها فى وقت واحد، وتحريم السفاح بالانتقال من رجل إلى آخر، وممنوع على النساء التعدد فى نكاحهن للرجال. 

إن تعدد الزوجات يأتى حلًا لمشكلة اجتماعية إنسانية، فقد كانت التعددية منتشرة لدى المجتمعات المختلفة من دون حدود أو شروط، ثم جاء القرآن الكريم ليحدد العدد بأربع، ويضع شروطًا ليجعل منها حلًا يلجأ إليه أفراد المجتمع تبعًا للظروف.