
حسن عيسى
كدهوّن!.. فتشنى فتش
«عذراء حسناء هيفاء ولهاء دعجاء سمراء فيحاء فى العشرين من ربيعها الوردى الزاهر المزدهر».. أحد أهم الإفيهات التى قالتها «زينات صدقى» فى فيلم (عريس مراتى) عام 1959 وكِدَهُوَّن.. لم تتوقع زينات صدقى فى يومًا من الأيام أنها سوف تصبح إحدى مُلهمات مواقع التواصُل الاجتماعى فى القرن الحادى والعشرين وأن إفيهاتها التى أطلقتها فى الأفلام الأبيض والأسْوَد التى قدّمتها فى خمسينيات القرن الماضى ستعيش وتستمر وتتوهج وتنتشر وتتوغل فى وجدان المصريين؛ بل تلهمهم بالعديد من الكوميكس على أحداث حياتية معاصرة وكأنها خُلقت للخلود
مثلها مثل إفيهات إسماعيل يس وعبدالفتاح القصرى ومارى منيب وتوفيق الدقن والشاويش عطية وغيرهم من المبدعين وصناع السعادة فى حياتنا حتى يومنا هذا حتى تحولت لتراث شعبى متفق عليه ومتداوَل بين المصريين دون الحاجة للإشارة لمصدر الإفيه أو شرحه أو حتى معرفة اسم الفيلم الذى قدّم الإفيهات، فرغم مرور كل هذه السنوات على رحيلهم؛ فإن حنين المصريين الدائم للماضى البعيد وذكريات الطفولة جعل مواقع التواصُل الاجتماعى تبحث فى مغارة الأفلام الأبيض والأسْوَد ويزيح غبار الزمن من على تلك الإفيهات وتعيد تصديرها مرّة أخرى للجمهور بإضافة لمسات عصرية تناسب الواقع الحالى وما يستجد من أحداث يومية فى الشارع المصرى مما يثير ضحكاتهم مرّات ومرّات حتى إن البعض ينسى قصة الأفلام القديمة ويتذكر فقط إفيهاتها، ولعل أشهَر تلك الحالات تنطبق على الفنان استيفان روستى؛ حيث يتذكر الجميع جُملته الشهيرة (نشنت يا فالح) ولا يتذكر اسم الفيلم نفسه الذى قال فيه تلك الجملة، وكذلك جملته (الكونياك مشروب الآنسة المهذبة) يتبادلها رواد المواقع الاجتماعية وأغلبهم لا يتذكرون الأفلام ذات نفسها التى قدمت تلك الإفيهات من خلالها، ولكنها أصبحت كوميكس شهيرًا يتبادله رواد السوشيال ميديا فيما بينهم فى مواقف مختلفة ومتباينة فتثير ضحكاتهم مرّات ومرّات مثلما يحدث مع الفنان توفيق الدقن وجملته الخالدة: (أحسن من الشرف مافيش)، وجملة مارى منيب (مدوباهم اتنين) فى إشارة إلى أنها تزوجت أكثر من مرّة، أو جملتها الشهيرة: (10 قناطير شحم 10 قناطير لحم ياخى جاك 10 قناطير نيللاااا»، وقالتها الكوميديانة الرائعة فى فيلم (الحموات الفاتنات).. هذا بخلاف لوسى ابن طنط فكيهة فى فيلم (إشاعة حب) وجملة يوسف وهبى الشهيرة عليه عندما كان يغنى: ماما، ليقول له: (ياروح امك)، وجملة الشاويش عطية لإسماعيل يس: (شغلتك على المركب بروروم) وكِدَهُوَّن.
يعتبر فيلم (ابن حميدو) 1957، للمخرج فطين عبدالوهاب هو المادة الخام للكوميكس على السوشيال ميديا إذ تعتبر أغلب كلمات الفيلم الإفيهات يحفظها المصريون عن ظهر قلب ويستخدمونها كإحدى مفردات حواراتهم اليومية فيما بينهم دون الحاجة إلى الإشارة أنها من ضمن حوار فيلم (ابن حميدو) والذى تحوّل إلى مجموعة لا يستهان بها من الإفيهات والقفشات على لسان أبطاله منذ اللحظة الأولى عندما وقف «القصرى» يعرّفهم بنفسه ويقول: «أنا الريس حنفى أنعم وأكرم».
فيرد إسماعيل يس فى سذاجة وربما فى سخرية ليسأل زينات صدقى: «أنعم وأكرم دا اسم والدك؟» فتصرخ هند رستم فى عصبيتها الأنثوية قائلة: «شايف يابا أهُم بدأوا يقبّحوا»، فيرد القصرى بهدوء العارفين: «دى مش قباحة يا عزيزة.. دا جهل بعيد عنك».. وكِدَهُوَّن، وتتوالى الإفيهات التى جاءت على لسان «القصرى» فى وصف الباز أفندى: «ده رجل مستوعب كل الأشياء وقارى. ده سمسار مراكب وقبّانى ووكيل أعمال وساقط توجيهية يعنى شهر عقارى متنقل».
وعندما حاول أن يقنع ابنته هند رستم بالزواج من الباز أفندى أطلق أغرب جملة يمكن لأى إنسان يقولها فى عريس ابنته: (أنا ذات نفسى أستمناه)، بينما وقفت زوجته أم حميدة تؤكد على كلامه فتقول لابنتها: «ده عليه كرافتة ترد الروح»، وعندما أصرّت ابنتها على رفض الباز أفندى وقفت الأم فى حَزم تسرد لها الدستور العائلى للأسرة: «اسمعى ياحميدة، أنا أطبخ وانتى تاكلى، أفصّل وانتى تلبسى، أنا أنقى وانتى تتجوزى» وكِدَهُوَّن، ولا شك أن بينما اليافطة التى وضعها الباز أفندى على مكتبه قد حظيت بشهرة لم تصل إليها أى يافطة أخرى فى تاريخ السينما المصرية؛ حيث كتب عليها: «ساقط توجيهى ووكيل أعمال وسمسار مَراكب وقبّانى وبالعكس»، وكأنه فخور بسقوطه فى التوجيهية ويعتبرها من أهم مؤهلاته العلمية وكِدَهُوَّن، وعندما أعرب الريس حنفى عن مخاوفه من بقاء ابنته «زينات صدقى» بمفردها مع ابن حميدو «إسماعيل يس» فقال لزوجته: «أنا خايف الوابور إلى جُوّه يدوس على البت»، فترد عليه بثقة الخبيرة: «ماتخافش يا حنفى ده وابور قشاش مش مجرى» فى إشارة أن ابن حميدو ساذج ولا خوف منه على ابنتهما التى استفرضت به فى أغرب مَشاهد السينما المصرية؛ حيث نرى لأول مرّة فتاة تتحرّش برَجُل وتنصب له الفخ للوقوع فى براثنها؛ حيث اعتاد الجمهور على العكس، وهنا تنفجر الضحكات عندما تتبادل الأدوار ليصبح الرجل المسكين هو ضحية للتحرش وليست الأنثى التى تقتحمه فى جرأة تحسد عليها «زينات صدقى» فتغنى له بهيستريا واضحة وبشكل متواصل أكثر من أغنية فى نفس الوقت: «ميدو مداميدو، أنا قلبى ليك ميال ولا فيه غيرك ع البال إنت وبس اللى حبيبى»، «بتبصلى كده ليه والمُكر جُوّا عينيك؟ كل العيون حواليك قاتلها سحر عينيك، حبيبى ياما بحبه ياما أصفر أحمر أخضر!! يعنى أنا اللى هفضل كده من غير جواز؟ ده حتى مش كويس على عقلى الباطن يا إخواتى»، بينما إسماعيل يس يبكى ويتوسل لها أن تتركه وبلاش فضايح، وعندما يطلب منها مفتاح المطبخ تشير إلى صدرها وتقول له بمنتهى الجدية: «المفتاح أهو يا قاتل يا غادر يا سارق قلوب العذارى»، وهنا تدخل الأم وفقًا للخطة التى وضعتها مع ابنتها مسبقًا فتقول فى أداء مسرحى مُبالغ فيه: «ابنتى عذراء الربيع»، فترد عليها زينات صدقى بأشهَر إفيهاتها السينمائية: «الحقينى ياامّا الوَحش الكاسر الأسد الغادر إنسان الغاب طويل الناب»، وتتصاعد الكوميديا بجملة القصرى الحريص دائمًا على مزج الفصحى بالعامية: «لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم»، وهنا تجدها فرصة أم حميدة لتزيد الموقف سخونة وتستعير جملة يوسف وهبى الشهيرة: «ده زى عود الكبريت ما يولعش غير مرّة واحده»، وكِدَهُوَّن.. يستمر الفيلم فى حواراته الضاحكة والتى طغت على القصة نفسها فنشاهد جميع الأبطال يقفون على مسرح خشبى مقام على الميناء فى مشهد عبثى مثير للسخرية والصيادون يهتفون: «عاشت أم حميدة سيدة البحار»، فتقف فى تواضع الحكماء لتقول لهم: «مش عايزة هتاف خاص عايزة هتاف عام»، فتتعالى أصوات الجماهير: «يعيش البحر الأحمر المتوسط»، فيتقدم القصرى المشهد بجملته الشهيرة: «والآن أيها الإخوان المجتمعون فى هذا الصوان من سالف العصر والأوان أسَلّم أحسن أفندى القبضان وابن حميدو أفندى القرصان المفتاح الذهبى للباخرة العظيمة نورماندى تو تو»، وتتعالى الموسيقى وتغرق المركب فى الحال وكِدَهُوَّن.. ولعل أشهَر كوميكس على الإطلاق يتداوله رواد السوشيال ميديا هو جملة القصرى: «أنا كلمتى لا ممكن تنزل الأرض أبدًا.. خلاص تنزل المرّة دى.. إنما المرّة الجاية لا ممكن أنزل أبدًا».. فهذه العبارة أصبحت مقولة مشهورة للتعبير الفكاهى عن انبطاح طرف للطرف الآخر طواعية أو مضطر والتسليم للشخص الأقوى والمسيطر فى العديد من المواقف المتباينة وليس فقط بين الزوج والزوجة؛ خصوصًا عندما يتراجع شخص عن تصريحاته العنترية من قبل ويضطر إلى التراجع لأسباب كثيرة فيظهر على الفور كوميكس بصورة القصرى، وهو يكرّر جملته الخالدة بنفس العنترية التى سبق أن قال بها تصريحه السابق وكأنه هو صاحب القرار وليس مضطرًا عليه وكِدَهُوَّن.. وكالعادة الشاويش عطية يحتل موقعًا مميزًا فى أى فيلم رغم قصر دوره، ولكنه دائمًا ما يترك بصمته قبل أن يختفى تمامًا كما فعل فى فيلم (ابن حميدو) عندما قال لإسماعيل يس فى الحبس: «صبحية مباركة يابن العبيطة»، ليرد عليه اسماعيل يس: «عقبال عندك يا شاويش ربنا ما يوريك حاجة وحشة»، فيقول الشاويش عطية: «ما أشوفش وحش إزاى.. ما أنا شفتك أهه»، وعندما يكتشف أنهما ضابطان يتحول أداؤه إلى الخنوع والنفاق فيستغل الموقف ابن حميدو لإهانته فيقول له: «بتضحك يا رفضى يابن الرفضى»، وعندما يأتى توفيق الدقن لاستلامهما من الحبس فيسألهما عن قطعة المخدرات التى معهما فيتظاهر إسماعيل يس بالسذاجة ويأكلها وهو يقول إحدى إفيهاته الشهيرة: «توكنشى شوكولاتة؟!» ويضعها بالكامل فى فمه فيقول توفيق الدقن: «صلاة النبى أحسن»، وكِدَهُوَّن.. يمضى الحوار فى فيلم (ابن حميدو) ولا يخلو أبدًا من إفيهات تحولت مع الوقت لأشهر كوميكس على السوشيال ميديا لعل أشهرها جملة إسماعيل يس بنقطة التفتيش: «فتشنى فتش، والنبى فتشنى فتش»، بينما العسكرى يعتذر له وكأنه هو الذى أخطأ فى حقة، وكِدَهُوَّن.. نجد السوشيال ميديا تعيد اكتشاف إفيهات وقفشات عديدة ربما لا يعرفها الجيل الحالى من الأطفال والمراهقين فيعيد صياغتها فى كوميكس جديد يناسب الفترة الحالية على يد شباب محترفين عبر مواقع التواصُل الاجتماعى فتثير الضحكات مرّات ومرّات وكأنها خُلقت اليوم لتناسب الأحداث الجارية وليست من زمن فات ومضى وذهب نجومه إلى العالم الآخر، وكِدَهُوَّن.. سلامًا لكل من أسعد قلوب المصريين بضحكة ونجح فى رسم بسمة على وجوههم.