الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

حرب سياسية أم عسكرية؟! ماراثون التسلح بين الدول الكبرى

إن «فن الحرب الأسمى، هو إخضاع العدو دون قتال»، هكذا اتفق الخبراء والمحللون السياسيون، أن الدول الكبرى تدخل مرحلة جديدة من المنافسة والتحدى على الساحة الدولية على المستوى السياسى، والاقتصادى، والأيديولوجى، التى صارت تظهر بوضوح فى الوقت الحالى، ومن المتوقع أن تستمر خلال الفترة المقبلة، إذ يتمثل جزء كبير منها فيما أطلق عليه مسمى (حروب الشتاء).



أشارت صفحات مجلة «روزاليوسف» فى العدد السابق بالجزء الأول من (حروب الشتاء) أن العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا، تعتبر بابا تم فتحه على مصراعيه لظهور عدد من التحديات والمواجهات العالمية التى لم تكن فى الحسبان.. وفى الجزء الثانى نستكمل بعض التحديات والمواجهات المنبثقة عن تلك الأزمة، وعلى رأسها سباق التسلح (القديم-الحديث)، الذى استعر خلال الأسابيع القليلة الماضية.

إن التساؤل الذى نفتتح به التقرير، يدور حول ما إذا كان ينبغى وصف سباق التسلح الحالى– وتحديدًا بين الدول الكبرى- بأنه حرب سياسية أم عسكرية، أو كلاهما معًا؛ أى أنها معركة من أجل النفوذ السياسى، عبر استخدام القوات العسكرية!!

على كل، تعد المواجهات العسكرية حافزًا رئيسيًا فى تشكيل سباقات التسلح العالمية، فى وقت صار فيه من غير المرجح أن يعود العالم إلى مستويات الاستقرار والسلام قبل العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا»، التى ساعدت فى قيادة استراتيجية جديدة، وأكثر فاعلية لحلف شمال الأطلسى (ناتو)، الذى يعمل على تعزيز دفاعه وردعه، لا سيما على الجانب الشرقى من من دول (الحلف). 

وقادت الأزمة الروسية الأوكرانيةـ أيضًاـ الدول الغربية، مثل: «ألمانيا، وبريطانيا» إلى الدعوة إلى زيادات فى الإنفاق العسكرى؛ كما أنها أدت إلى زيادة تركيز «الولايات المتحدة» على (حلف شمال الأطلسى)، فى وقت تعتبر فيه «الصين» التهديد الرئيسى لها، وتبنى استراتيجية تدعو إلى بذل جهود كبيرة جديدة فى الإصلاح العسكرى والتحديث. 

فى المقابل، من الواضح أن «روسيا» تتخذ موقفًا أكثر تنافسية لتشكيل القوات التى يمكنها التأثير، وردع، و-إذا لزم الأمر- محاربة (الناتو)، والدول المدعومة من الغرب. فقد أوضحت خطابات (الكرملين) أن «روسيا» سيتعين عليها إعادة هيكلة وتحديث قواتها لمواكبة التطورات العديدة الجديدة فى مجال الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية؛ وهو ما سيؤدى ـ بطبيعة الحال ـ  إلى تغييرات مماثلة فى الدول الأوروبية و«الولايات المتحدة»، و«كندا»، خاصة أن معظمهم يحتاج لتعويض سنوات من التراجع فى حجم قواتهم، وتحديثها من خلال توفير قوات وقدرات جديدة لتلائمها.

توقع باحثو (CSIS) أن تلك الدول سوف تسارع على مدى العقود المقبلة فى إحداث ثورة فى القوات العسكرية؛ مؤكدين أنه لا يمكن لأحد أن يتنبأ بها، أو يميز شكلها بشكل كامل.

 ميزانيات سباق التسلح التقليدى

جدير بالذكر، أن فكرة إحداث ثورة فى القوات العسكرية تواجهها بعض القيود المالية لجميع الأطراف، إذ تؤثر الحرب الاقتصادية بين «روسيا» و(الغرب) بشكل كبير على إنفاقهم، فى وقت تحتاج فيه تلك الدول لتطوير القدرة العسكرية بتكاليف غالية، وربما يتطلب الأمر نسب أعلى من إجمالى الناتج المحلى الإجمالى الوطنى لبعض الدول على مدى عقد أو أكثر.

فإن التكلفة التى تتحملها الدول الغربية وشركائها الاستراتيجيين من دعمهم العسكرى والاقتصادى لأوكرانيا أعلى بكثير مما توقعه القادة السياسيون فى صياغة خطط مساعداتهم الأولية. وبالطبع، لا يمكن إغفال زيادات أسعار الطاقة، والواردات الأخرى التى أدت لارتفاع التضخم إلى مستويات حرجة، فى وقت يتعين على تلك الدول الاستجابة للمطالب المدنية الشعبية من خلال دفع المزيد من دخلها الحكومى لتلبية الاحتياجات المدنية.

أشار (حلف شمال الأطلسى) إلى أن «الولايات المتحدة» أنفقت 793 مليارا و99 مليون دولار على القوات العسكرية فى عام 2021، بينما أنفقت دول (الناتو) فى «أوروبا» 361 ألفا و2900 دولارًا. فى المقابل، أنفقت «روسيا»- رسميًا- 62 مليارا و200 مليون دولار، وفقًا للمعهد الدولى للدراسات الاستراتيجية، الذى أفاد– أيضًا- بأن الإنفاق العسكرى الصينى الرسمى بلغ 207 مليارات دولار.

ومع ذلك، تتباين ميزانيات الدفاع، وقيمة الإنفاق عليها، بالإضافة إلى حجم قوات كل من «الولايات المتحدة»، دول (الناتو) فى «أوروبا»، «روسيا»، و«الصين»، بشكل ملحوظ. ولكنها، فى الوقت ذاته ليست مقارنة كافية، إذ إنها تعتمد على الأرقام المعلنة لكل دولة، كما أنها لا تقارن التطورات التكنولوجية، والإلكترونية، وحرب الفضاء، وغيرها من أشكال الحرب المتطورة الحالية لكل بلد. 

 شتاء.. الطاقة أم السلاح؟

تعتبر هذه المقارنات حاسمة، لأنه– وفقًا لباحثى (CSIS)- من المرجح أن شتاء (2022-2023) سيشكل بداية مواجهة عسكرية دائمة بين «روسيا» و(حلف شمال الأطلسى)، وسباق –يكاد يكون ماراثونا- لتحديث وتطوير القوات العسكرية لتلك الدول. لكنه، من غير الواضح كيف سيتم تطوير الساحة العسكرية فى وقت ستدخل فيه دول (الناتو) شتاء (2022-2023) بمشاكل اقتصادية مدنية كبيرة، ومطالب شعبية جديدة للإنفاق الحكومى، الذى يبدو أنه من المرجح أن يحد من الإنفاق العسكرى للدول الأعضاء.

وفى السياق ذاته، توقع الباحثون أن «الولايات المتحدة» ستواصل دعم «أوكرانيا» فى محاولة للانتصار على «روسيا»؛ ومن ثم ستساعدها على التعافى اقتصاديًا، وتشجيع اندماجها الإقليمى مع «الاتحاد الأوروبى». كما توقعوا- أيضًا- أن تزيد «موسكو» من اعتمادها فى تهديداتها على الأسلحة النووية فى تخطيطها العسكرى.