الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

رغم القلق من الطقس القارس المواجهات «الروسية - الأوكرانية» تزداد سخونة

كانت الأزمة الروسية - الأوكرانية، التى بدأت فى فبراير الماضى، أحد أهم الأسباب التى أسفرت عن ظهور بعض (حروب الشتاء)، التى لم تكن فى حسبان خطط العديد من الدول حول العالم، لتظهر تحديات لبعض الحكومات، وتهديدات لأخرى يمكن وصفها بغير المسبوقة.



فمن بين أبرز الأزمات المتوقع استمرارها خلال الفترة المقبلة، خلال خلال شتاء (2022/2023)، تلك العملية العسكرية الروسية، التى تصاعدت- بالفعل- إلى مواجهات تتخطى حدود «أوكرانيا»، و«روسيا».

تطورات سريعة الوتيرة

تسعة أشهر مرت على اندلاع العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا»، بدعوى «موسكو» أنها تدافع عن أمنها القومى، وسرعان ما تحولت تلك العملية إلى نزاع مسلح كبير بين البلدين، بعد أن حشدت «أوكرانيا»- فى المقابل- قواتها على طول خطوط التماس الشرقية والجنوب شرقية على الحدود مع «روسيا»، وهى المناطق التى استهدفتها «موسكو» بقوة.

ولكن، ما أشعل المواجهة العسكرية بين قوات الجانبين، وزاد الأزمة تعقيدًا، قيام الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين» -منذ أسابيع- بالتوقيع على مراسيم، تقر بضم أربع مناطق أوكرانية إلى الأراضى الروسية على غرار «شبه جزيرة القرم»، وهى: مناطق «دونيتسك، ولوهانسك، وخيرسون، وزابوريجيا»، فى إجراء استنفر غضب «كييف»، وقوبل بالتنديد من جانب بعض دول العالم، خاصة تلك المؤيدة لأوكرانيا.

وبعدها، أعلنت «كييف» شن عملية عسكرية مضادة لمواجهة الهجوم الروسى على أراضيها، وهى عملية أسفرت عن انتصار عسكرى للقوات الأوكرانية، حيث تمكنت القوات الأوكرانية من استعادة السيطرة على مدينة «خيرسون» الاستراتيجية فى جنوب البلاد، بعد انسحاب القوات الروسية من المدينة.

مواجهات على جميع الأصعدة

وخلال تلك الفترة وما بين كرّ وفرّ فى العديد من مناطق المواجهات بين الجانب الروسى والأوكرانى، برزت مدينة «زابوريجيا» -التى تسيطر عليها «روسيا»- على الساحة بقوة، خاصة مع تكرار استهداف المحطة النووية بالمدينة، والتى تعد أكبر محطة من نوعها فى «أوروبا»، وسط تبادل للاتهامات بين «روسيا»، و«أوكرانيا»، حول مسئولية كل طرف منهما فى قصفِ المحطة، ما أثار مخاوف المجتمع الدولى.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد أدى تصاعد المواجهات، خاصة فى شرق «أوكرانيا» لوصول البنية التحتية المدنية لمستويات غير مسبوقة بحلول نهاية أكتوبر الماضى، إذ توقف– لفترات- تدفق المياه، والطاقة الكهربائية، إلى العاصمة الأوكرانية «كييف» بأوائل نوفمبر الماضى، فى فترة تعد الأحلك بالنسبة لأوكرانيا مع دخول فصل الشتاء.

وأفادت الحكومة الأوكرانية– منذ أيام- أن الضربات على أهداف رئيسية لتوليد الكهرباء فى «أوكرانيا» دمرت نحو ثلث مرافق توليد الكهرباء، وغيرها من مرافق توليد الطاقة، لتترك مليون و500 ألف أوكرانى على الأقل بدون كهرباء.

تفاعلت المواجهات العسكرية بشكل أوسع من الحرب الاقتصادية خلال الأسابيع القليلة الماضية، لتشمل أزمة صادرات الحبوب الأوكرانية، التى لم تؤثر على الجانبان المتناحران فحسب، بل على العالم كله.

المواجهة الروسية الغربية  عبر «أوكرانيا»

إن استمرار الأزمة الروسية - الأوكرانية تزامن مع دعم عسكرى ومالى متواصل من جانب الدول الغربية لكييف، من أجل مواجهة «روسيا» على أراضى «أوكرانيا». وبالفعل، حصل الجانب الأوكرانى على دعم كافٍ من الغرب، ودول أخرى، وعلى رأسها – المنافس القديم الحديث والتقليدى لروسيا - «الولايات المتحدة»، التى قدمت نحو 60 مليار دولار من الأسلحة، والمساعدات الاقتصادية، وغيرها من أشكال الدعم بحلول أوائل أكتوبر 2022، بينما قدمت «بريطانيا»، و«الاتحاد الأوروبى»، والعديد من الشركاء الاستراتيجيين الآخرين مساعدات كبيرة لأوكرانيا أيضًا.

ولم يتوقف الأمر عند الدعم الغربى لكييف فحسب، بل شنت «الولايات المتحدة» وحلفاؤها من أنصار «أوكرانيا» حربًا اقتصادية من العقوبات، والقيود التجارية على «روسيا»، من أجل احتوائها، وإيقاف عمليتها العسكرية، لكن رد الفعل الروسى كان أكثر فاعلية بطرق أخرى، بمزيج من التصعيد العسكرى، وحرب اقتصادية أشرس على صادرات الطاقة، وتحديدًا للجانب الأوروبى، الذى تلقى ضربة مباشرة من تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية، ليدفع ثمن دعمه الكامل لأوكرانيا.

حيث دفعت أسعار الطاقة نسب التضخم فى 19 دولة تستخدم عملة اليورو إلى مستوى قياسى بلغ %10.6 لشهر أكتوبر الماضى، مقارنة بـ%9.9 لشهر سبتمبر السابق له؛ ناهيك عن توقعات بعض الإحصاءات الأرووبية التى اشارت إلى أن أزمة الطاقة، تعنى أن بعض دول «الاتحاد الأوروبى» تخسر ٪6 على الأقل من ناتجها المحلى الإجمالى السنوى.

حرب الشتاء الروسة الأوكرانية

منذ اندلاع الأزمة، لم تظهر بوادر تهدئة على أى من الجانبين، حيث ترفض «أوكرانيا» التفاوض مع «روسيا»، فى حين تقول «موسكو» إنها مستعدة للحوار حال تم ضمان مخاوفِها الأمنية، والمتمثلة فى الأساس فى عدم انضمام «كييف» لحلف شمال الأطلسى (ناتو)، إلى جانب عدم توسع الحلف باتجاه الحدود الروسية.

ومن منظور آخر، فإن مثل هذه الهجمات الروسية تقدم دليلًا واضحًا على حقيقة أن المواجهات فى المستقبل من المرجح أن يشمل هجمات أكثر كثافة، وفقًا لعدد كبير من المحللين السياسيين الغربيين، الذى توقعوا -أيضًا- تستمر «موسكو» فى ربط استخدام مثل هذه الهجمات الصاروخية، والجوية بالتهديد بالتصعيد إلى مسرح حرب نووية.

من جانبهم، أوضح باحثو مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) الأمريكى أنه ما لم تتوقف العمليات الروسية، أو تُمنح «أوكرانيا» مجموعة أكبر بكثير من الدفاعات الصاروخية والجوية، فإنها ستخلق مشاكل متزايدة بشكل مطرد مع تقدم الشتاء، وغالبًا ما تزيد من نسبة الفقر إلى الحد الذى يتعين فيه اتخاذ خيارات صعبة بين (التدفئة، والطعام). ورأى الباحثون أن «أوكرانيا» أمام خيارين، إما التنازل عن تسوية، أو خوض حرب منهكة لأجل غير مسمى فى المستقبل.

على صعيد آخر، أشار الباحثون إلى ضرورة ملاحظة أن تجنب القتال، أو التقليل منه نادرًا ما تكون خطوة تسفر عن سلام؛ مرجحين أن «روسيا» والغرب يسعيان إلى فكرة (إخضاع العدو دون قتال) مباشر بينهما، رغم أن كليهما لا يفوزان- حاليًا- بالجانب الاقتصادى والسياسى من أزمة «أوكرانيا»، ولا يبدو أنه من المحتمل أن يبرز أحدهما على أنه الفائز فى المستقبل القريب.

من ناحية أخرى، أكد الباحثون أن الغرب أخطأ فى حساباتهم، عند تنفيذ عقوبات اقتصادية وسياسية ضد «روسيا»، لأنهم قللوا بشدة من قدرة «موسكو» على البقاء واقفة، كما أنهم لم يتوقعوا التأثير المستمر والمتصاعد لردود فعل الجانب الروسى على إمدادات الطاقة الأوروبية وغيرها من صادرات الغذاء العالمية، والانقسامات السياسية العالمية امام تلك القضية.  

فى النهاية، لا تبدو فى الأفق بوادرُ لإنهاءِ الأزمة؛ كما صار من المشكوك فيه –حاليًا- أن أى حل للأزمة الروسية الأوكرانية قد ينتج عنه أى شكل مستقر للسلام، أو يقلل من مواجهة دائمة بين «روسيا»، والغرب، خاصة بعد أن تصاعدت المواجهة الحالية إلى مستوى الحرب السياسية والاقتصادية، قد يتبعها تنافس لتحديث وإعادة تشكيل القوات العسكرية على كل جانب ذات الأبعاد التقليدية والنووية، وهو ما دفع باحثين مركز (CSIS) إلى التأكد من هذا الشكل من المواجهات، سيتصاعد باطراد طوال فصل الشتاء المقبل، وربما قد يستمر لسنوات مقبلة!