السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

مرصد الأزهر: (داعش) تسعى لإضفاء صبغة شرعية على جرائمها الأزهر لـ«التنظيمات المتطرفة»: فهمكم فاسد

فى إطار قيادة الأزهر للفكر المستنير فى مواجهة الفكر المتطرف قال مرصد الأزهر إن التنظيمات المتطرفة خاصة (داعش) دائمًا ما تسعى إلى إضفاء صبغة شرعية على عملياتها الإجرامية من خلال الاستشهاد بالآيات والأحاديث فى غير موضعها، ومنها حديث «عبد الله بن عمر» رضى الله عنهما، وفيه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله» [أخرجه البخارى].



 

وأوضح المرصد، فى أحدث تقاريره حول فهم  التنظيمات المتطرفة لحديث القتال، أن هذه التنظيمات تقول إن الحديث يفرض على المسلم قتل جميع الناس حتى اعتناق الدين الإسلامى وإلا لم يدخل فى زمرة المسلمين.

والحقيقة أن الحديث نفسه يكشف فساد فهم التنظيمات المتطرفة للسنة النبوية المطهرة. صحيح أن الحديث فى أعلى درجات الصحة ولا إشكال فيه من ناحية الثبوت، لكن الترويج إلى القتل العام باسم الإسلام ورسوله، هو من قبيل الاعوجاج الفكرى والقصور فى فهم مغزى الحديث ومعناه، إذ يصف الله تعالى نبيه بـ (الرحمة) فقال: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}.

واستطرد قائلاً: «للأسف تنتشر ثقافة قتل المخالف فى أدبيات التنظيمات المتطرفة، ولذلك لا يتورعون عن تنفيذ هجوم مباغت على إحدى نقاط التفتيش أو الكتائب أو دخول البيوت وقتل أفرادها. فلم يدرك هؤلاء الفرق الشاسع بين كلمتى (أقاتل) و(أقتل)؛ حيث تدل الأولى من الناحية اللغوية على المفاعلة بين طرفين، وفيها اشتراك من الجانبين، قال فى لسان العرب : القتال الذى هو من المقاتلة والمحاربة بين اثنين». 

وفى القرآن الكريم: {وَقَاتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ}، وقال ابن دقيق العيد: «المقاتلة» مفاعلة، تقتضى الحصول من الجانبين»، كما قال الشيخ الشعراوى فى تفسيره «أى لا يقاتل مسلم من لم يقاتله ولا يعتدى».

المفهوم الصحيح 

أضاف تقرير الأزهر أنه من هذا التوضيح يختلف مفهوم القتال عن القتل، وأن المقاتلة تستلزم وجود طرفين يقاتلون بعضهم بعضًا، وقد تكون هناك مقاتلة دون قتل. ولم يثبت عن رسول الله (ص) أنه هاجم قومًا مسالمين، بحجة أنهم غير مسلمين، رغم أن بعض القبائل الوثنية كانت قريبة من المدينة النبوية. والمقصود من لفظ «الناس» فى نص الحديث، هو البعض أو من بادر بقتال المسلمين، كقوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا}.

وشدد أنه يوضح معنى الحديث قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا  إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} وهم أولئك الذين ذهبوا لقتاله فى المدينة من كفار مكة وغيرهم من بعض القبائل العربية، لافتًا إلى أنه لو كان المقصود من الحديث قتال جميع الناس لما جاء النهى عن الاعتداء.. بل إن المولى سبحانه وتعالى أمرنا بالبر والإحسان إلى الغير المختلف فى الدين ما لم يبادر بالهجوم والاعتداء، فقال سبحانه: {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}. 

وقال الأزهر فى تقريره أن عفو رسول الإسلام شمل حتى الأعداء، وكان يقابل أذاهم بالصفح الجميل ومثال ذلك عفوه (ص) عن مشركى مكة يوم الفتح، وهم الذين وقفوا ضده يوم أن أعلن عن دعوته ورسالته، وآذوه وأصحابه وقاتلوه فى المدينة... إلخ، ولما سألهم: «ما تظنون أنى فاعل بكم؟ قالوا: خيرًا.» فقال لهم الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام: «اذهبوا فأنتم الطلقاء». وقوله «حتى يقولوا لا إله إلا الله... إلخ»، فليس فيه دليل على أن القتال بسبب اختلافهم فى الدين، وإنما لاعتدائهم على المسلمين كما سبقت الإشارة، وإلا كان اعتناقهم للإسلام عن طريق الإكراه، والله تعالى يقول: {لا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ}.

وشدد أن القرآن حث كذلك على الفكر وإعمال العقل والنظر فى الأنفس والآفاق بغية معرفة الله تعالى عن إقناع، قال تعالى: {قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، كما أن هناك الكثير من الآيات التى تحث على النظر والعبرة والتدبر. والسؤال: ما هى ردود التنظيمات الإرهابية على الأحاديث التى وردت فى النهى عن قتل المواطنين من أهل الذمة والديانات الأخرى، وكذلك المعاهدين الذين دخلوا بلادنا بتأشيرة رسمية؟ ومن بين هذه الأحاديث ما نقله عبد الله بن عمرو بن العاص (رضى الله عنهما) عن رسول الله (ص) حيث قال: «من قتل مُعاهدًا لَمْ يَرَحْ رائحة الجنة، وإن ريحها يُوجدُ من مسيرةِ أربعين عامًا» [رواه البخارى فى صحيحه]. 

كما استشهد الأزهر فى تقريره بقول ابن عمر (رضى الله عنهما): نهى رسول الله (ص) عن قتل النساء والصبيان» [أخرجه البخارى فى صحيحه: 3015]. وَعَنْ رَبَاحِ بْنِ الرَّبِيعِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ (ص) فِى غَزْوَةٍ غَزَاهَا، وَعَلَى مُقَدِّمَتِهِ خَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ، فَمَرَّ رَبَاحٌ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ (ص) عَلَى امْرَأَةٍ مَقْتُولَةٍ مِمَّا أَصَابَتِ المُقَدِّمَةُ، فَوَقَفُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا، وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْ خَلْقِهَا؛ حَتَّى لَحِقَهُمْ رَسُولُ اللهِ (ص) عَلَى رَاحِلَتِهِ؛ فَانْفَرَجُوا عَنْهَا؛ فَوَقَفَ رَسُولُ اللهِ (ص) فَقَالَ: «مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِلَ!»، فَقَالَ لِأَحَدِهِمْ: «الْحَقْ خَالِدًا، فَقُلْ لَهُ: لَا تَقْتُلُوا ذُرِّيَّةً، وَلَا عَسِيفًا». [أخرجه أبو داود فى سننه: 2669].

ولفت إلى أن الصحابة رضوان الله عليهم صاروا على نفس النهج؛ فقد أوصى أبوبكر الصديق رضى الله عنه يزيدًا حين وجهه إلى الشام قائدًا لجيوش المسلمين فقال له: «لا تقتل صبيًا ولا امرأة ولا هرمًا»، موضحًا أنه من خلال هذه الأحاديث تظهر فلسفة الإسلام فى قتال المخالفين لحماية الأوطان، وهى أن قتالنا معه لا يكون إلا من باب الدفاع، وأن القتال لا يكون إلا لمن يقاتلنا، وأن من لم ينتصب لقتالنا فلا يجوز قتاله والاعتداء عليه، وهذا من عدل الإسلام ورحمته بالمخالفين.

فهم منحرف 

وقال مرصد الأزهر إنَّ فهم الجماعات المتطرفة على هذا النحو المنحرف إنما هو فرع عن تكفيرهم لجموع الناس، ذلك أنهم يرون أن جميع النَّاس فى هذا الزمان إما كفار أصليون وإمَّا مسلمون مرتدون عن الإسلام، وعلى ذلك فهم يستبيحون دماء الناس خلا من كان معهم فى تنظيمهم.

وشدد المرصد أن إسقاط الأحكام على أناس بعينهم إنما هو من مهمة القضاء، وليس لأحد أن يحكم على غيره بالكفر. كما أن القاعدة الشرعية أن الإنسان لا يخرج من الإسلام إلا بإنكار معلوم من الدين بالضرورة. ويؤكد مرصد الأزهر أن هذا الحديث -كما قال كثير من العلماء- وارد فى شأن من يبادروننا بالقتال، فتقع المقاتلة بيننا وبينهم، وعلى ذلك فهو ليس بحجة لتلك التنظيمات المتطرفة وإنما هو حجة عليهم؛ حيث لم يلتزموا به ولم يفهموه فى ضوء الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الأخرى.

ولفت إلى أن أمثال هذه الجماعات من المفسدين فى الأرض؛ فلقد سفكوا الدم الحرام ويتموا الأطفال وسبَوا النساء، وحكمهم ما قال الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِى الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِى الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.