السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الزيادة السكانية بين النعمة والنقمة

الزيادة السكانية بين النعمة والنقمة

منذ أيام قليلة أعلنت شعبة الإسكان فى منظمة الأمم المتحدة أن عدد سكان العالم تخطى الـ 8 مليارات نسمة، البعض اعتبر هذا التصريح نعمة وفرحة يجب الاحتفال بها، لأن فى هذه الزيادة دليلاً على ارتفاع متوسط الأعمار نتيجة للتحسن المستمر فى مجال الرعاية الصحية، مما أدى إلى ارتفاع معدل المواليد الجدد وانخفاض معدل وفيات الأطفال الرضع.. والبعض الآخر وصفها بالنقمة التى من الممكن أن تستنزف موارد وثروات الأرض التى أصبحت تكاد تكون معدومة، كنتيجة طبيعية لجشع وطمع الدول الكبرى المهيمنة على كل بقاع العالم، وهذا تحديدًا ما حذر منه أمين عام منظمة الأمم المتحدة جوتيرتش حال لم تراع دول العالم المسئولية المشتركة تجاه الكوكب الذى يضم الجميع (كبيرًا أو صغيرًا، غنيًا أو فقيرًا).



وبين النعمة والنقمة بات واجبًا علينا فى مصر البحث عن أفضل السبل للاستفادة أولاً من النعمة التى وهبها لنا الله وتستفيد منها دول مثلما استفادت الصين من ثروتها البشرية، لنبتعد عن النقمة التى فى مقدورها (بلع) أى مشروعات تنمية يصب عائدها فى صالح المواطن لتحسين مستوى معيشته، وأعتقد جازمًا أن قارتنا الأفريقية مازالت تدور حتى الآن فى محيط النقمة التى تتميز بمعدلات خصوبة عالية، وبالطبع مصر فى القلب منها، لإيمان الكثير منا ببعض الأقوال والموروثات الثقافية الخاطئة التى ليس لها من وجود على أرض الواقع مثل (العيل بيجى برزقه وإن الإنجاب الكثير عزوة وسند للمستقبل) يضاف على هذه الموروثات تلك الأمية والجهل الذى يستغله البعض من المتاجرين بالدين، الذين يطالبون بكثرة الإنجاب ويحرمون تنظيمه تحت حجج وأوهام الجهاد فى سبيل رفع راية الإسلام، مع ضمان الله تعالى لرزق الأطفال معتمدين فى ذلك على تحريف وتأويل بعض آيات القرآن مثل( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِى الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِى كِتَابٍ مُبِينٍ هود:6) وكذلك تأويل وتفسير بعض أحاديث النبى صلى الله عليه وسلم فى هذا الشأن مثل حديث (تناكحوا، تكاثروا، تناسلوا، فإنى مباه بكم الأمم إلى يوم القيامة) رغم أن هذا الحديث بالتحديد كان يتضمن دعوة للشباب لكى يتزوجوا وينجبوا لكى يزيد عدد المسلمين فى هذا الوقت.

غياب خطاب دينى صحيح ومعتدل مقترن بمعتقدات وأفكار موروثة خاطئة، مضاف إليها بالطبع غياب ملحوظ لدور إعلامى صحيح ومدروس مصحوب بغياب الوعى، جميعها أسباب أدت إلى ارتفاع معدل الزيادة السكانية وهى الزيادة التى تلتهم فى طريقها جميع مشروعات التنمية والإصلاح الاقتصادى التى تسعى إليها الدولة لتنفيذها، وهذا هو الخطر الدائم الذى ستظل مصر تعانى بسببه، وسيكون السبب الأول والأخير فى جميع المشاكل والأزمات التى ستواجهنا فى الحاضر أو المستقبل، لذلك سنظل نعانى من تكدس الفصول فى المدارس، ومن زيادة عدد قوائم الانتظار بالمستشفيات وعدم حصول المواطنين على خدمة صحية جيدة، ولن نجد مكانًا يمكن الإقامة فيه لأن دلتا نهر النيل لم يعد باستطاعتها تحمل مولود جديد كل 15 ثانية، وبالتالى لن تختفى العشوائيات السكنية من مجتمعنا، ناهيك عن تهديد الأمن القومى نتيجة زيادة الإنفاق على الخدمات الأساسية، كالتعليم والصحة والمواصلات والإسكان والحماية الاجتماعية والأمن، وذلك على حساب مخصصات الإنفاق الرأسمالى على المشروعات التنموية بقطاعات الإنتاج الرئيسية كالزراعة والصناعة التحولية.. وهذا ما يجعل هناك صعوبة فى رعاية الأبناء، وانخفاض المستوى المعيشى للأسرة، ويؤدى إلى عمالة الأطفال دون تلقى التعليم فترتفع نسبة الأمية فى المجتمع، وكذلك ترتفع وتيرة الخلافات الأسرية، فتضعف الرقابة على الأبناء نتيجة انشغال الوالدين، وبالتالى سيكون الناتج النهائى ينحصر فى عدم شعور المواطن بأى أثر إيجابى تبذله الدولة من أجله.

لهذه الأسباب وغيرها يجب علينا أن نقف جميعا مع الدولة فى محاربتها لجميع الطرق والأفكار والموروثات القديمة التى ينتهجها البعض لتضليل الناس لنقضى على هذه المشكلة المستعصية، حتى ولو اقتضى الأمر إصدار قوانين ووقف الدعم عن الأسر التى لا تكتفى بإنجاب طفلين فقط، حتى نضمن لأسرنا دوام الصحة والسعادة والنعمة لأن البديل وقتها سيكون النقمة.