الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
عكس الاتجاه.. «ترامب» حيًا أو ميتًا

عكس الاتجاه.. «ترامب» حيًا أو ميتًا

أربكت نتائج انتخابات التجديد النصفى للكونجرس، المشهدَ الأمريكى سواءً فى الداخل المتشظى الذى كان ينتظر حسمًا لمشكلاته الاقتصادية ولصراعات الحزبين الديمقراطى والجمهورى، أو فى الخارج حيث العالم المنتظر لتلك النتائج على نار ليحدد مصير نفسه، حتى كادَ أن يطغى هذا المشهد بتفاصيله- الخارجة عن النص- على مَشاهد أخرى كانت مكتوبة بحَرفنة ولم يجرِ تصويرها بَعد، ربما لن يجرى تصويرها أبدًا، وبدا وكأن السيناريو الذى كانت أمريكا قد أعدته لحرب «أوكرانيا- روسيا» قد صنع وأنتج فيلمًا آخر ليس على مزاج هوليوود؛ بل ربما جاء على دماغ هوليوود، فلم تحسم الانتخابات النصفية للكونجرس مصير «بايدن» ولا مصير «ترامب»، فلا هذا ولا ذاك سيكون الرئيس القادم، من أجل ذلك ربما يقود الاثنان فى العامَيْن القادمين حربًا أهلية أكثر دمارًا من تلك التى اشتعلت فى العام 1861م، إن لم يتم التخلص من «ترامب» و«بايدن» معًا، فما بدأه «ترامب» من حرب الكابيتول فى 6 يناير 2020 سيكمله لو وجد نفسه خارج الكادر وخارج حلمه بالبيت الأبيض، أمّا «بايدن» فقد تم إخماده بالفعل ونزعوا فتيله ووضعوه فى مخازن التكهين والخُردة حتى ينهى عامَيْه المتبقيين فى تهدئة ما أشعله، فالنار التى أضرمها بعيدًا فى بلاد الغير قد أحرقت ملابسه، والبلاد التى كان يستضعفها صار يسترضيها، فذاك الدور المفاجئ والقوى الذى بدا عليه الرئيس الصينى فى قمة الـ G7 أو مجموعة السبعة دول الصناعية الكبار فى العالم بإندونيسيا قد رسم للعالم خططًا أخرى نسفت المخطط الأمريكى السابق.



ولأن الصانع الهوليوودى حرّيف أفلام فقد جرى تهدئة الأرض الأمريكية قليلا وتهدئة النيران بين الحزبين؛ بل تهدئة النار المشتعلة فى الحزب الجمهورى نفسه التى أشعلها طرح ترامب لنفسه من جديد كرئيس أمريكى محتمل، هذا السيناريو الترامباوى يتم نسفه الآن - فلم يعد ترامب بما يمثله يصلح لأمريكا ولا العالم- وهُنا يجرى طرح اسم ووجْه آخر عليه توافق وهو «رون دى سانتس» محافظ فلوريدا الجمهورى الناجح بجدارة فى انتخابات التجديد النصفى، كبديل لترامب وكمرشح رئاسى محتمل بشدة، وسيتم تنحية الحزب الديمقراطى برجالاته هذه المرّة لتهدئة الجبهتين الخارجية والداخلية، ومحاولة إصلاح العطب فى عَجَلة العالم ليس حُبًا فى العالم بل خوفًا من ضياع مكانة أمريكا وخوفًا من سيادة الصين.

مع أن السيناريو الذى كان مرسومًا للعالم ساعة إشعال الحرب «الروسية- الأوكرانية» بَعد فشل سيناريو فيروس كورونا هو سيادة اليمين المتطرف لينهى على ما لم يقدر عليه «كوفيد 19»، وجرى ذلك بترتيب بالغ الدقة وهدوء وبالإجبار أيضًا، وما كانت رئاسة ترامب 2020 ونمو وسيطرة اليمين التابع له سوى البداية وما كانت محاولة عودة «ترامب» لتصدُّر المَشهد من جديد سوى إثبات للحالة وما كان من سيطرة هذا اليمين على المَشهد السياسى فى إيطاليا والسويد والمجر سوى لقطات متناغمة مع هذا الفيلم الذى لم يُكْتَب له النجاح.

فما الذى حدث؟ حدث أن قال اللاعبون فجأة لصناع الفيلم: (فيركيش)؛ حيث يجرى سيناريو آخر تتشكل وتجرى كتابته على نحو مغاير يتبدل فيه كل طاقم العمل.. فحين حاول «بايدن» أن ينهى «بوتين» أفنَى نفسَه وجر أمريكا إلى منحدر ليس له نهاية واستنزف مخزون سلاحه على حرب خسرها هو وأوروبا وأدخل العالم فى أزمات اقتصادية طالت أمريكا نفسها وجَرّ الكونَ إلى مَعارك سلاحها الأقرب والأسهل هو النووى، فلا فاز «بايدن» ولا انهزم «بوتين»؛ بل فاز الرئيس الصينى «شى چين بينج» فى معركة لم يدخلها، وصارت الصين هى المستفيد الأول من صراع الأغبياء - كقوة عُظمى- دون أن يرتب لها رئيسها، فالرئيس الصينى هو الآن من يسكب الماء فوق النار الأوكرانية ويبدل الخطاب السياسى فى العالم ويؤدب الزعماء والرؤساء من «بايدن» حتى «ترودو».

هل هذا هو ما سيبدو عليه المشهد العالمى الجديد بالفعل؟

-لا أحد يعلم على وجْه اليقين حتى ولو تحدثت زرقاء اليمامة بما فى جُعبتها: فلا حقائق واضحة ولا مواقف ثابتة ولا نتائج تشى بنهاية واحدة وحيدة، لكن الثابت واليقينى أن الفيلم الهوليوودى المبهر (بتاع زمان راح زمانه) وستتم إزاحته وأن سينما جماهيرية أخرى شرق أوسطية قد فرضت نفسَها على السوق، وأبطال جُدد قد أزاحوا الكاوبوى من البطولة، فماذا ستقدم هذه السينما لجماهير العالم البائسة والجوعَى؟ لا أحد يعرف. 

لكن حتى الآن لا تزال فى العالم تجرى حرب كونية اقتصادية وعسكرية مُهلكة وطاحنة لم تتوقف، ولا تزال مفتوحة مخازن السلاح على مصراعيها ومفتوحة بيبان المَقابر الجماعية بالجنازات اليومية ومفتوحة أفواه الجائعين بالملايين حتى فى الدول التى كانت كبرى ومفتوحة كتب التاريخ الجديدة لمَن سيكتب فيها اسمه ويشير إلى بلاده ومفتوحة مزابل التاريخ لمَن أوصل العالم لما آل إليه.