الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

السياسة الخضراء.. خطة التحول لإنقاذ العالم

منذ انطلاق فعاليات القمة السابعة والعشرين لمؤتمر الدول الأطراف فى اتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ COP27 بمدينة شرم الشيخ، اتجهت أنظار العالم نحو مدينة السلام حيث عملت الإدارة المصرية على التأكيد لوضع خريطة طريق لحل أزمات التغيرات المناخية، وأن تكون COP27 قمة تنفيذ وليست مجرد اجتماعات ووعود، حيث تم خلالها إبرام عدد من الاتفاقيات الدولية للعمل المشترك حول الحد من نسبة الانبعاثات الكربونية والملوثات البيئية والتوجه نحو «الاقتصاد الأخضر» بوتيرة أسرع للحفاظ على خطر التغيرات المناخية على الكرة الأرضية وشعوب ومستقبل العالم.



 

 الاستراتيجية الخضراء

عملت مصر على تبنى تنفيذ بروتوكول كيوتو Kyoto Protocol لعام 1997، وذلك من أجل تطبيق اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية الخاصة بتغير المناخ والتى أقرت عام 1992 من أجل الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة وعلى رأسها ثانى أكسيد الكربون والميثان. 

وعلى الرغم من توقيع أغلب دول العالم على اتفاق باريس Paris Agreement فى عام 2015 بشأن تغير المناخ الذى نص على ضرورة الحد من انبعاثات الغازات التى تؤدى إلى الاحتباس الحرارى العالمى والحد من زيادة درجة الحرارة العالمية إلى درجتين مئويتين مع السعى إلى أن تكون %1.5، إلا أن الجهود الدولية لتنفيذ بنود الاتفاق كانت تسير بوتيرة ضعيفة، وهو ما أكدته مصر خلال فعاليات القمة على ضرورة الاتجاه إلى الاقتصاد الأخضر ووضع آلية دولية لتنفيذ بنود اتفاقية باريس.

كما قامت الحكومة المصرية وبالتزامن مع قمة المناخ السابعة والعشرين بالإعلان عن عدد من المشروعات فى مجال الاقتصاد الأخضر والطاقة الخضراء على سبيل المثال، تحويل مدينة شرم الشيخ إلى مدينة خضراء أو التوسع فى إنتاج الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء والعمل على توفير وسائل نقل كهربائية ومشروعات حماية السواحل الشمالية ومشروعات مواجهة السيول.

وجاءت هذه الجهود استمرارًا  لجهود الحكومة المصرية فى الآونة الأخيرة من أجل توليد الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة مثل مشروع بنبان لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية أو مشروع رأس غارب بخليج السويس لتوليد الكهرباء من طاقة الرياح، ويظل العمل فى إطار هذه المشروعات، فقد تم التوقيع فى قمة المناخ بشرم الشيخ على اتفاقية لإنشاء أحد أكبر مشاريع الطاقة فى مصر بقدرة 10 جيجاواط بين الحكومة المصرية والحكومة الإماراتية.

كما تم الإعلان مسبقًا عن المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية والتى تستهدف تنفيذ مشروعات خضراء فى المحافظات المختلفة، كما تستهدف نشر الوعى المجتمعى حول تحديات التغير المناخى وإدماج أطياف المجتمع فى إيجاد حلول للتغير المناخى.

كما دعا الرئيس عبدالفتاح السيسى لأن تكون هذه القمة قمة تنفيذ لما جاء فى اتفاق باريس لتكون هذه القمة هى قمة تنفيذ وليس قمة وعود فقط ليتم تنفيذ اتفاق باريس بشكل فعال. وبهذا فلا تقدم دول العالم المساهمات المحددة وطنيًا (NDC) على سبيل الوعود Pledges  فقط بتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة، ولكن تبدأ بالعمل جديًا من خلال تنفيذ مشروعات لتقليل هذه الانبعاثات وللحد من الاحترار العالمى.

كذلك طرحت القمة عدة تساؤلات حول مدى إمكانية تطبيق السياسة الخضراء وهى السياسة الصديقة للبيئة والتى تضع البيئة محورًا لها. فعندما نفكر فى الصناعة والتحديث والتقدم والتنمية المستدامة نراعى أيضًا الجوانب البيئية. فتحقيق معدلات أكثر من التقدم والتحديث والصناعة لا يتعارض بالضرورة مع الحفاظ على البيئة، حيث يمكن التفكير فى صناعات جديدة وطرق جديدة للتصنيع وإنتاج الطاقة من خلال الحفاظ على البيئة بأقصى قدر ممكن.

 السياسة البيئية

عملت مصر على طرح عدة مجالات يتم من خلالها تنفيذ مشروعات خضراء تساعد فى الحفاظ على البيئة، وكان اتباع مبدأ السياسة الخضراء توجهًا عالميًا خلال العقد الجارى، خاصة بعد ما شهدته دول العالم من تغيرات مناخية مميتة أثرت على العديد من حياة الشعوب، ومن المتوقع أن يستمر تأثيراتها بصورة غير متوقعة إذا لم يتم وضع خطط جادة لتنفيذ هذه السياسة.

 وقد أكدت جهود الدول المختلفة بغض النظر عن اختلاف أيديولوجيتها أو توجهاتها السياسية لتطبيق سياسات تحافظ على الإنسان والبيئة معًا، والعمل على تقديم مشروعات تحقق نموًا اقتصاديًا أيضًا، وهنا كانت فرصة للعديد من الجهود العالمية لتقديم مشروعاتها خلال قمة المناخ COP27 للعمل على تحفيز الاقتصاد الأخضر وتحويله إلى صناعة حقيقية تدر الكثير من الأموال على الحكومات والشركات الخاصة، خاصة أن ما يشهده العالم من أزمة فى توفير الغاز والبترول بسبب الحرب الروسية الأوكرانية قد يكون حافزًا لتأجيل بعض المبادرات الخضراء،  هنا لا يتم النظر إلى الاهتمام بالبيئة كعائق أمام تحقيق النمو الاقتصادى. فبالرغم من أن الدول الصناعية الكبرى قد حققت تقدمها فى مرحلة التصنيع من خلال الاعتماد على الوقود الإحفورى، إلا أنه يمكن تحقيق التنمية باستخدام مصادر الطاقة البديلة. وبالتالى تتضافر الجهود الدولية حاليًا من أجل الحفاظ على البيئة وتحقيق التنمية معًا. ولا شك أن دول العالم ستتباحث فى المرحلة القادمة حول الطريقة المثلى لتحقيق الاستفادة من ثرواتها الطبيعية والحفاظ على البيئة وتحقيق التنمية المستدامة.

 إفريقيا والمستقبل الأخضر

كان الحضور الإفريقى الكبير لقمة المناخ عنوانًا قويًا لوضع أزمات القارة الإفريقية التى تعانى من التغيرات المناخية الأكبر على الإطلاق، وتعتبر هذه هى المرة الأولى التى تقام فيها القمة العالمية فى دولة إفريقية ولهذا فيُطلق على قمة شرم الشيخ للمناخ «قمة إفريقيا للمناخ» Africa COP. بهذا تختلف هذه القمة عن القمم السابقة. ومن القضايا الأساسية التى تناولتها COP 27 قضية التمويل الذى ستقدمه الدول الغنية للدول النامية لمواجهة آثار التغير المناخى وذلك لأن القارة الإفريقية مسئولة عن نحو فقط %3 من الانبعاثات الضارة التى تهدد الكوكب ككل. كما أن القارة الإفريقية تتسم بثراء مواردها الطبيعية وتنوعها البشرى والحضارى. وعلى الرغم من عدم مسئوليتها عن أزمة المناخ، تواجه القارة الإفريقية التبعات الأكثر سلبية لظاهرة التغير المناخى وما يترتب عليها من آثار اقتصادية واجتماعية وأمنية وسياسية. ومع ذلك، تعد القارة نموذجًا للعمل المناخى الجاد بقدر ما تسمح به إمكاناتها والدعم المتاح لها. ولذلك كان من الضرورى أن تدعو الدول الإفريقية إلى ضرورة منح القارة الإفريقية معاملة خاصة فى إطار تنفيذ اتفاق باريس بالنظر لوضعها الخاص وحجم التحديات التى تواجهها، حيث يعتبر التغير المناخى هو أحد أبرز التهديدات التى تواجه كثيرًا من الدول الإفريقية وجهودها من أجل تحقيق التنمية المستدامة. ليس ذلك فحسب، فله تأثير كبير على وجود الإنسان على كوكب الأرض. وقد ذكر بنك التنمية الإفريقى أن إفريقيا تحتاج إلى نحو 2 تريليون دولار من أجل جهود التخفيف والتكيف مع آثار التغير المناخى حتى عام 2030. فقضية التمويل من أبرز القضايا التى يتم التباحث حولها فى القمة.

كما طرحت القمة أيضًا تساؤلًا حول مدى أهمية الحديث عن السياسة الخضراء فى العالم الذى يواجه تحديات كبرى مثل الحرب الروسية-الأوكرانية أو أزمة الغذاء أو تحدى وباء كورونا أو الحروب السيبرانية. فلماذا تولى الدول اهتمامًا بمثل هذه القضية؟

المبادرات المصرية لإنقاذ إفريقيا

أطلقت مصر عدة مبادرات لحشد التمويلات  المناخية لدعم الدول النامية وخاصة الإفريقية، وتنوعت المبادرات بين حياة كريمة والانتقال العادل والمنصف للطاقة والمرأة والتكيف والزراعة ونظم الغذاء التى تهدف إلى النظر فى الممارسات الزراعية والنظم الغذائية والتنوع البيولوجى التى تهتم بحماية الحياة البحرية والمخلفات الصلبة 2050.

ومن بين الإنجازات التى حققتها الدولة المصرية خلال الأيام الماضية لانطلاق المؤتمر، هو التأكيد على التمويل من قبل الدول الكبرى المتعهدة بتعويض الدول النامية عن خسائر التغير المناخى الناجم عن انبعاثات بلدانهم، وشهد المؤتمر إجماع عدد كبير من الزعماء على ضرورة دعم التكيف مع تغير المناخ فى إفريقيا، وذلك خلال حدث عقد بعنوان «قادة إفريقيا من أجل التكيف»، والذى دعا إليه ماكى سال رئيس الاتحاد الإفريقى ورئيس السنغال، والمدير التنفيذى للمركز العالمى للتكيف باتريك فيركويجين، ورئيس مجموعة بنك التنمية الإفريقى أكينوومى أديسينا.

وأكد بنك التنمية الإفريقى الحاجة الماسة للتكيف مع المناخ فى إفريقيا، والاستجابة للدعوة إلى وضع رأس مال لبرنامج تسريع التكيف فى إفريقيا (AAAP)، ونقل التقرير عن رئيس الاتحاد الإفريقى ماكى سال قوله «هذه خطوة محورية فى مكافحة تغير المناخ ستمنح الالتزامات التى قطعها شركاء إفريقيا بشأن برنامج تسريع التكيف فى القارة الدفعة التى يحتاجها لتحويل مسار التنمية فى أكثر قارات العالم تعرضًا لتغير المناخ، أنا واثق من قدرة برنامج (AAAP) على تحقيق نتائج لإفريقيا». 

وبرنامج تسريع التكيف فى إفريقيا هو بمثابة تنفيذ لمبادرة التكيف فى إفريقيا (AAI) لتعبئة 25 مليار دولار لتحقيق التكيف مع المناخ وتوسيع نطاقه وتسريع وتيرته فى جميع أنحاء إفريقيا، فمنذ عام 2021، قامت (AAAP) بتعميم التكيف مع المناخ فى استثمارات تزيد على 3.5 مليار دولار فى 19 دولة.