الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
ع المصطبة.. بقليل من التحضر يتقدم المجتمع

ع المصطبة.. بقليل من التحضر يتقدم المجتمع

على مدار سنوات طويلة مضت لم أستقل القطارَ المتجه من القاهرة إلى الصعيد إلا نادرًا، وفى هذه الحالات النادرة كنت أسافر ليلًا، لكن منذ نحو الأسبوعين سافرت بالقطار صباحًا، لأجد نفسى أمام مَظاهر وتصرفات غير حضارية على امتداد الرحلة تكاد تكون قاسمًا مشتركًا بين مختلف التجمعات السكانية على امتداد خط السكك الحديدية.



هذه السلوكيات تعكس حالة خطيرة مزمنة تكشف عن غياب الوعى بمفهومه الأشمل للمجتمع، فلا فائدة من أى تقدُّم ما لم يتواكب معه تقدُّم حضارى فى العقل الجمعى لرجل الشارع العادى، وهذا الوعى لن يكلف شيئًا؛ بل سيوفر مليارات مهدرة نتيجة هذه التصرفات والسلوكيات.

هذه السلوكيات تبدأ منذ الوهلة الأولى لاستقلال الركاب للقطارات، وطريقة تعاملهم مع العربات التى تدخل محطة الانطلاق نظيفة وينتهى بها الحال إلى مَقلب قمامة لمخلفات الركاب.

ولا أعلم ما هى البهجة والسعادة التى يشعر بها الراكب وهو يلقى بعلب المياه الغازية الفارغة أو قشر اللب وأكياس البلاستيك من نوافذ القطار؟!!

ولا أعلم طبيعة متعة مُخاطرة بعض سكان المناطق القريبة من خط السكك الحديدية الذين يجازفون بحياتهم ويَعبرون الخطوط الحديدية لإلقاء أطنان من المخلفات على حافة الترعة الإبراهيمية، والمثير فى الأمر أن هؤلاء الأشخاص أنفسهم يغسلون أوانيهم المنزلية وأحيانًا ملابسهم فى مياه الترعة الإبراهيمية بجوار هذه التلال من القمامة التى تلوث المياه العذبة!..

الأمر ذاته ينطبق على الزحف العمرانى على حرم السكك الحديدية بمبانٍ خرسانية تلاصق قضبان الحديد، مما يشكل خطورة بالغة على سكان هذه البيوت المخالفة.

ربما يقول البعض: ما الجديد فى ذلك؟

أقول: الكارثة أنه لا جديد فى ذلك؛ بل إذا كان هناك جديد فهو تفاقم هذه السلوكيات التى يبدو أنها أصبحت سمة مشتركة بيننا جميعًا، والكارثة أيضًا أننا أصبحنا نتعايش معها كما لو كانت أمرًا مفروغًا منه وإقرارًا لواقع يستحيل تغييره.

وحتى تتضح الصورة أكثر دعونا نذهب جغرافيًا بعيدًا إلى قارة آسيا، وبالتحديد الهند، وهى رُغم كونها دولة نووية وبها تقدم علمى وصناعى كبيرين؛ بل رُغم أنها من بين أكبر الدول الديمقراطية فى العالم؛ فإنها لا تزال فى مصاف دول العالم الثالث أو الثانى إن وجد على أقصى تقدير، وذلك ناتج عن السلوكيات غير الحضارية التى تجعل من بعض مناطقها بين الأكثر تلوثًا فى العالم، ناهينا عن انعكاس ذلك فى بعض السلوكيات الاجتماعية، وانتشار الفقر فى العديد من الولايات الهندية.

ما أريد أن أخلص إليه من كل ما سبق ذكره، أننا حتى نتقدم علينا أولًا تغيير سلوكياتنا الفردية، فتقدُّم المجتمع يبدأ بالفرد قبل أى شىء آخر، فعلى سبيل المثال نجد بعض عيادات الأطباء المتمكنين من مهنتهم، متسخة ومتهالكة لم تمتد إليها يد الصيانة منذ افتتاحها، فهذا المنظر بمثابة مرآة للمجتمع بأسْره.

فى المقابل نجد أن الحضارة الغربية، قبل أن تقوم على العلم والحياة الديمقراطية، هى قائمة فى الأساس على تحضر الفرد ووعيه من خلال سلوكياته اليومية.

لذلك لن نستطيع التقدم كمجتمع ما لم تتقدم أولًا سلوكياتنا الفردية، فمثل هذه السلوكيات القائمة حاليًا، انعكست على سلوكياتنا الاجتماعية برمتها، فبات القبح مرادفًا للحشمة، ومن ثم اختفت وتلاشت شياكة المجتمع التى كنا عليها فى الستينيات على سبيل المثال، وبالمناسبة الشياكة لا تعنى ارتداء ملابس باهظة الثمَن، وتوارى جوهر معظم مبادئنا بعدما طغت ثقافة القشور فى كل شىء، حتى تم تجريف الهوية المصرية، فبات التعليم مجرد شهادة، والعمل فهلوة، والانسياق خلف الأفكار المتشددة طريقًا لإثبات التدين، والأمثلة الحية فى هذا السياق لا تنتهى، ولن تنتهى إلا بتحضر الفرد سلوكًا ووعيًا.