السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

فى ظل ظروف دولية بالغة التعقيد والحساسية «لم الشمل» تعلن رفض جميع التدخلات فى شئون الدول العربية

على مدار يومين انعقدت فعاليات أول اجتماع لقمة قادة الدول العربية تحت شعار «لم الشمل» فى العاصمة الجزائرية بعد توقف دام نحو ثلاث سنوات بسبب جائحة كورونا،  وتأتى القمة هذه المرة فى توقيت شديد الحساسية فى ظل ظرف دولى حرج وواقع عربى مؤلم، تعانى بعض دولنا العربية من أزمات طاحنة على جميع المستويات، وهو ما كان يعكس أهمية انعقاد تلك القمة فى هذا التوقيت، لإحداث حالة من التوافق حول القضايا العربية ولا سيما تلك الدول التى تعانى ويلات الصراعات منذ سنوات.



 

كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى، على هامش القمة، عكست واقع العرب المؤلم، ودعت فى فحواها لأهمية لم الشمل العربى والتكاتف لحل أزماته وإزالة عراقيل مشكلاته وتحدياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فى ظل تتابع الأزمات العالمية والإقليمية، وتأتى ذلك من خلال كلمة قالها من القلب حين قال: «أتوجه برسالة إلى شعوبنا.. فأقول.. ثقوا فى أمتنا العربية... فهى صاحبة تاريخ عريق وإسهام حضارى ثرى وممتد... وما زالت تلك الأمة تمتلك المقومات اللازمة لمستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا، وعلى رأسها عزيمتكم وعقولكم وسواعدكم... وثقوا فى أن مصر ستضع دومًا نصب أعينها تماسك الكيان العربى، وصونه وحمايته، وستظل دائمًا حاضرة دعمًا لكم، وستبقى على أبوابها مفتوحة أمام كل أبناء العرب فى سبيل الدفاع عن حاضرهم ومستقبل الأجيال القادمة».

القضية الفلسطينية ركيزة من ركائز السياسة المصرية الخارجية

 القضية الفلسطينية ستبقى قضية مهمة باعتبارها ركيزة من ركائز السياسة المصرية الخارجية، وهذا ما أكد عليه الرئيس عبدالفتاح السيسى فى كلمته، مؤكدًا أن العرب قادرون على العمل الجماعى، لتسوية القضية الفلسطينية، واسترجاع الحقوق الفلسطينية، التى كانت تاريخيًا؛ المعيار الحقيقى لتماسك الأمة العربية.

مضيفا إن المبادرة العربية للسلام تجسيد لهذا التماسك، والرؤية المشتركة للحل الشامل للقضية، على أساس المبادرة العربية للسلام، وإقامة دولة فلسطين على حدود 67، وعاصمتها القدس الشرقية.

لافتًا إلى الحاجة للمزيد من العمل العربى الجماعى، حتى مع الأزمات الجديدة فى سوريا وليبيا واليمن والعراق والسودان، منوهًا إلى أن «السلم والأمن مهددان مع توالى تلك الأزمات».

ودعا إلى أهمية التوصل إلى تسوية سياسية بقيادة وملكية ليبية خالصة، دون إملاءات خارجية، حتى الوصول لإجراء الانتخابات، وخروج المرتزقة والمقاتلين فى مدى زمنى محدد، وإعادة توحيد مؤسسات الدولة، وحل الميليشيات، بما يحول دون تجدد المواجهات العسكرية.

 وهذا ما أكد عليه الرئيس الفلسطينى، محمود عباس، قائلًا: ننتظر دعمكم بتشكيل لجنة عربية للتحرك دوليًا من أجل الحصول على عضوية كاملة فى الأمم المتحدة.

وأكدت القمة على عدد من المواقف فى مختلف الملفات الشائكة، ولا سيما القضايا العربية التى أكدت فحواها أن هذا هو توجه السياسة الخارجية المصرية منذ سنوات، ومثلت مخرجات القمة العربية، انعكاسًا للسياسة الخارجية المصرية التى دومًا تدعو للسلام والإخاء وتماسك الدول والحفاظ على مفهوم الدولة الوطنية. 

بينما طالب محمد المنفى رئيس المجلس الرئاسى الليبى بضرورة الابتعاد عن كل ما من شأنه زيادة الانقسامات الليبية وإلى احترام قرارات الأمم المتحدة، داعيًا الأشقاء العرب لتبنى موقف موحد تجاه ليبيا خاصة ما يتعلق بإخراج المرتزقة ووقف التدخلات الدولية.

هذا فى الوقت الذى دعا فيه ولى عهد الأردن الأمير حسين بن عبدالله للاستفادة من الإمكانيات الواعدة فى مجالات الطاقة والأمن الغذائى والاقتصاد، مؤكدًا أن واجبنا هو تكثيف جهودنا مع الدول ذات العلاقة لاستئناف عملية السلام فى الشرق الأوسط مع الاستفادة من الإمكانيات الواعدة فى مجالات الطاقة والأمن الغذائى والاقتصاد.

وأكد الرئيس الجزائرى، عبدالمجيد تبون، خلال كلمته الافتتاحية لفعاليات القمة العربية فى نسختها الـ31، أن أعمال هذه القمة تأتى فى ظل ظروف دولية بالغة التعقيد والحساسية.

وأضاف الرئيس الجزائرى، إن العالم العربى لم يعرف فى تاريخه مرحلة بالغة الصعوبة مثل المرحلة الراهنة، كما أن المخاطر على العالم العربى لا تزال قائمة، وتابع: «يجب أن نسترجع الثقة فى أنفسنا ليكون لنا تأثير فى المشهد العالمى والاقتصاد الدولى».

وجدد ولى عهد الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، موقف دولة الكويت الثابت، بعدم وجود حل عسكرى لهذا الصراع الدامى فى سوريا.

وأضاف خلال كلمته «لا بُد من إفساح المجال أمام الحل السياسى، الذى يحقق آمال الشعب السورى الشقيق، ولسوريا سيادتها ووحدة أراضيها».

وأعرب عن قلق بلاده من عدم تمديد الهدنة باليمن، فى ظل الجهود المبذولة من مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، مناشدًا المنظمة الأممية مواصلة جهودها، للوصول إلى حل سلمى للأزمة اليمنية.

وأكد دعم الكويت لتلك الجهود، وصولًا للحل السياسى للأزمة، والذى يحقق للأشقاء فى اليمن، تطلعاتهم لتحقيق الأمن والاستقرار.

وعن العلاقات مع إيران، أشار إلى حرص الكويت على علاقات الصداقة والتعاون، التى ترتكز على أحكام مبادئ القانون الدولى، وعدم التدخل فى الشئون الداخلية، واحترام سيادة الدول وحسن الجوار، وحرية الملاحة فى المياه الدولية.

وجدد التأكيد، على إدانة ورفض دولة الكويت، لكل أشكال التدخلات الخارجية، التى تمس سيادة أى من الدول العربية الشقيقة.

ووصفت روسيا دور الجامعة العربية بأنه مهم فى «تصحيح الوضع الدولى»، وأبدت استعدادها لتطوير التعاون مع الجامعة «لتوطيد الأمن» فى المنطقة والعالم.

«الثلاثية الخطيرة»

من جانبه، أشار الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط، خلال كلمته فى اليوم الأول للقمة، إلى ما أسماه بـ«الثلاثية الخطيرة» التى تواجه المنطقة، وتتمثل فى أزمات الغذاء والطاقة والمناخ.

وقال أبوالغيط فى هذا السياق: «حيث تُمثل حلقة متصلة، ومنظومة مترابطة، إنتاج الغذاء يعتمد على أسعار الطاقة واستقرار المناخ، والتغير المناخى يتأثر فى الأساس بالانبعاثات المتولدة عن إنتاج الطاقة، والعناصر الثلاثة صارت عنوانًا للأزمة العالمية التى نشهدها حاليًا، بكل تبعاتها الاقتصادية والإنسانية التى تتحملها الشعوب».

وأضاف إن الأوضاع العالمية تفاقم متاعب دولنا، فهى تداهم المنطقة العربية وهى لم تخرج بعد من واحدةٍ من أخطر الأزمات والتحديات فى تاريخها الحديث، ولقد مرّ على المنطقة عِقد صعب، ولا تزال بعض دولِنا تعيش أوضاعًا لا تُهدد فقط أمنها واستقرارها، بل وجودها ذاته.

وأشار إلى أنه لا تزال الدولة الوطنية ذات السيادة  والاستقلال  والقرار المستقل، تتعرض لهجمة شرسة فى بعض أركان منطقتنا من الإرهاب والميليشيات والجماعات المسلحة وأيضًا من أطراف غير عربية، فى جوار الإقليم العربى، تُحرض وتُمارس تدخلاتٍ غير حميدة فى المجتمعات العربية بهدف بسط النفوذ والهيمنة.

 موضحًا أن الدفاع عن الدولة الوطنية، دولة المواطنة وحكم القانون التى لا يكون ولاء مواطنيها سوى لعلمها ومصالحها وعروبتها، هو دفاع عن مستقبلنا جميعًا.

وقال إن العالم العربى عاش عقدًا صعبًا، بينما لا تزال  بعض دول المنطقة تعانى جراء تداعياتها، مضيفًا إن الدول العربية تبقى فى حاجة ملحة إلى استراتيجية واضحة حول التعامل مع الأزمات الممتدة.

وتابع: إن المنطقة العربية تواجه أزمة أمن غذائى، ونحتاج لاستراتيجية عربية موحدة للتعامل مع الأزمات عبر نهج جماعى تتم بلورته، مضيفًا: «إن استراتيجية الأمن الغذائى المعروضة على القمة نموذج لما يمكن أن تقوم به الدول العربية لمواجهة الأزمات».

وتابع الأمين العام لجامعة الدول العربية: «هذه الصراعات الدامية التى تُدمى قلب الأمة، هى تهديد لنا جميعًا، وإننى أناشدكم، زعماء الأمة وقادتها، ألا تتركوا هذه الجراح النازفة تأتى على حاضر الأمة ومستقبلها».

ومن جهته، قال محمد عز العرب رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن هناك جهودًا كثيرة تبذل لتنقية الأجواء العربية، وعلى رأس هذه الجهود، ما قامت به مصر والرئيس عبدالفتاح السيسى من أجل انعقاد القمة العربية فى موعدها، خاصة بعد تأخر انعقاد القمة لـ3 سنوات.

وأضاف إن القمة تمثل محاولة من جانب الدول العربية للتعامل مع 3 تحديات.

ولفت إلى أن التحدى الأول هو تنقية العلاقات البينية العربية خلال المرحلة المقبلة والجهود التى بذلها الرئيس السيسى مع غيره من الملوك والرؤساء من مايو الماضى حتى هذا الشهر، وهو ما يؤكد مساعى مصر لتعزيز التعاون والعربى، والتحدى الثانى مواجهة تداعيات جائحة كورونا، والتحدى الثالث هو بلورة خطة استراتيجية للأمن العربى بعد الحرب «الروسية - الأوكرانية» التى طالت كل دول العالم.

توصيات القمة

وأكدت القمة العربية فى ختام توصياتها على رفض التدخلات الخارجية بجميع أشكالها فى الشئون الداخلية  للدول العربية، والتمسك بمبدأ الحلول العربية للمشاكل العربية عبر تقوية دور جامعة الدول العربية فى الوقاية من الأزمات وحلها بالطرق السلمية، والعمل على تعزيز العلاقات «العربية - العربية».

وأكد القادة العرب التمسك بمبادرة السلام العربية بجميع عناصرها لحل القضية الفلسطينية، والترحيب بإعلان الجزائر للم الشمل الفلسطينى.

وشدد البيان الختامى على ضرورة تقوية الجامعة العربية لتمارس دورها فى حل الأزمات، لافتًا إلى ضرورة مواصلة الجهود لحماية القدس.

وأشار إعلان الجزائر إلى التضامن الكامل مع الشعب الليبى ودعم جهود حل الأزمة سلميًا.

دعم الشرعية فى اليمن

كما أكد على دعم الحكومة الشرعية فى اليمن، ودعم الجهود المبذولة للتوصل إلى حل سياسى فى اليمن وفق المرجعيات المعتمدة مع التشديد على ضرورة تجديد الهدنة الإنسانية كخطوة أساسية نحو هذا المسار الهادف إلى تحقيق تسوية سياسية شاملة تضمن وحدة اليمن وسيادته واستقراره وسلامة أراضيه وأمن دول الخليج العربى ورفض جميع أشكال التدخل الخارجى فى شئونه الداخلية.

كما دعا الدول العربية للقيام بدور جماعى قيادى للمساهمة فى جهود التوصل إلى حل سياسى للأزمة السورية ومعالجة كل تبعاتها السياسية والأمنية والإنسانية والاقتصادية، بما يضمن وحدة سوريا وسيادتها ويحقق طموحات شعبها ويعيد لها أمنها واستقرارها ومكانتها إقليميًا ودوليًا.

فيما رحب البيان بتنشيط الحياة الدستورية فى العراق بما فى ذلك تشكيل الحكومة والإشادة بجهودها الرامية إلى تحقيق الاستقرار والتنمية الاقتصادية، وتجسيد آمال وتطلعات الشعب العراقى، مع تثمين النجاحات التى حققها العراق فى دحر التنظيمات الإرهابية والإشادة بتضحيات شعبه فى الدفاع عن سيادة البلاد وأمنها.

وجدد التضامن مع لبنان للحفاظ على أمنه واستقراره ودعم الخطوات التى اتخذها لبسط سيادته على أقاليمه البرية والبحرية.

مشروع التكامل الاقتصادى العربي

وجدد إعلان الجزائر الالتزام بمضاعفة الجهود لتجسيد مشروع التكامل الاقتصادى العربى وفق رؤية شاملة تكفل الاستغلال الأمثل لمقومات الاقتصادات العربية وللفرص الثمينة التى تتيحها، بهدف التفعيل الكامل لمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى تمهيدًا لإقامة الاتحاد الجمركى العربى.

وثمن السياسة المتوازنة التى انتهجها تحالف «أوبك +» من أجل ضمان استقرار الأسواق العالمية للطاقة واستدامة الاستثمارات فى هذا القطاع الحساس ضمن مقاربة اقتصادية تضمن حماية مصالح الدول المنتجة والمستهلكة على حد سواء.

توحيد الجهود لمكافحة الإرهاب

وشدد على ضرورة توحيد الجهود لمكافحة الإرهاب والتطرف بجميع أشكاله وتجفيف منابع تمويله، والعمل على تعبئة المجتمع الدولى ضمن مقاربة متكاملة الأبعاد تقوم على الالتزام بقواعد القانون الدولى وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.

كما دعت القمة العربية للالتزام بمبدأ عدم الانحياز فى الأزمة «الأوكرانية - الروسية».

وأشاد البيان الختامى بمبادرة الشرق الأوسط الأخضر التى أطلقتها السعودية، معلنا تأييد الدول العربية لاستضافة السعودية لمعرض إكسبو 2030.

وعقب انتهاء أعمال القمة العربية فى الجزائر، أعلن وزير الخارجية السعودى الأمير فيصل بن فرحان استضافة المملكة للقمة العربية المقبلة.