الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الطريق الثالث.. تقليد رئاسى راسخ.. منحنا فرصة التعرف على تاريخنا (المنسى) تكريم «البطل المجهول» فى أكتوبر 73

الطريق الثالث.. تقليد رئاسى راسخ.. منحنا فرصة التعرف على تاريخنا (المنسى) تكريم «البطل المجهول» فى أكتوبر 73

جسدت قصة عبدالرحمن، سائق سيارة الصحافة الذى اختفى فى أكتوبر عام 1973، أسطورة (روح أكتوبر) التى ولدت من رحم اليأس، وتجلت فى مشاركته المدهشة ضمن صفوف المقاومة الشعبية فى واحدة من أعظم بطولات «نصر أكتوبر» خلال حصار مدينة السويس الباسلة، والتى تحتفل فى 24 أكتوبر من كل عام بعيدها القومى، وتتجدد مع الاحتفال ذكريات الصمود والبطولة. 



 

وقد عرفنا عبدالرحمن (أو الغريب أو عبدالعزيز أو كمال) وأحببناه فى قصة «حكايات الغريب» التى أبدعها الأديب الكبير جمال الغيطانى (رحمه الله)، والتى تختزل فى نسيج خيالى بارع، قصص وبطولات كثيرة مجهولة لرجال كرام ضحوا من أجل أن تبقى مصر، وقد خلدت المخرجة الأستاذة إنعام محمد على هذه (الأسطورة) فى شريط سينمائى بديع، ومعها السيناريست محمد حلمى هلال، وكوكبة من نجوم الفن يتقدمهم المطرب الكبير محمد منير والفنان الراحل محمود الجندى، ليمثل الفيلم منذ عرضه فى عام 1992 قيمة خاصة بين أفلام (أكتوبر) فى السينما المصرية، بعد أن لفت الأنظار لسيرة الأبطال المجهولين فى حرب أكتوبر 1973.

و«الجندى المجهول» فى سائر دول العالم، هو الذى يموت فى الحرب ولا يستدل على اسمه، فيدفن فى مقابر جماعية يقام لها نصب تذكارى تكريمًا له ولكل المجهولين، أما فى مصر فقد رسخنا معنى اخر لهذا المجهول الذى نعرف اسمه جيدًا لكنه (منسى)، ولم يحظ بالتكريم اللائق الذى يبرز حجم بطولته، فتاهت سيرته واختفت بطولته، وليس فقط لأن «آفة حارتنا النسيان» كما يقول عمنا نجيب محفوظ، لكن أيضًا لأنه تم تغمية بصرنا وتغييب عقولنا بقصة «الضربة الجوية» التى فتحت باب الحرية، كما تقول الأغنية الشهيرة، وتم اختزال (أكتوبر) فى هذه (الضربة) طوال 30 سنة، هى فترة حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وتوارت كل قصص البطولة التى سطرها أبطال مصريون من العسكريين والمدنيين، من الذين كان دورهم محوريًا فى خلود هذا النصر المجيد فى سجل المجد والشرف.

وقد فطن الرئيس السيسى إلى قيمة قصص المجهولين والمنسيين فى حرب أكتوبر، وحقهم فى التكريم والتقدير وحق الأجيال الجديدة فى التعرف على الأبطال الحقيقيين، ومنذ توليه الحكم ومع كل احتفال بذكرى النصر، يكرم أبطالًا ويستحضر بطولات، يعيدهم التكريم إلى الأضواء فتتصدر قصصهم اهتمامات المصريين، ويسترجعون معهم وقائع العبور من النصر إلى الهزيمة، وهذا العام وفى إطار فعاليات الندوة التثقيفية الـ36 للقوات المسلحة «أكتوبر.. إرادة وطن»؛ بمناسبة الذكرى الـ49 لانتصارات أكتوبر، تم تكريم أبطال المجموعة (139) صاعقة، الذين نجحوا فى منع القوات الإسرائيلية من دخول مدينة الإسماعيلية فى معركة مفصلية دارت وقائعها بين يومى 19 و23 من أكتوبر عام 1973 وسجلتها أدبيات الحرب الإسرائيلية باسم معركة «حقول المانجو» وعرفها المصريون بمعركة «أبو عطوة».

ومن قصص هؤلاء المجهولين لنا، والذين تعرفنا مؤخرًا على أدوارهم البطولية فى تحقيق النصر، انتخبت لكم بعض القصص.. 

عرفت بالأولى مصادفة، عندما قرأت خبرًا (غير مؤكد) عن حادث سيارة تعرض له دكتور فى أكاديمية البحث العلمى بعد أن صدمه (رياضى مشهور) وهرب عام 2010، ووقع الحادث بالقرب من النصب التذكارى للجندى المجهول فى طريق النصر، فى إشارة قدرية لها مغزى، ودفعتنى الحادثة المثيرة للبحث فى سيرة الدكتور (المجنى عليه)، وصدمت بجهلى وكثيرين مثلى بسيرة هذا العالم البطل.

وقد وثق اللواء أ.ح طيار محمد زكى عكاشة، فى كتابه «جند من السماء» قصة بطل الحادثة السابقة، الدكتور مهندس محمود يوسف سعادة، الأستاذ بقسم التجارب نصف الصناعية بالمركز القومى للبحوث، ونائب رئيس أكاديمية البحث العلمى والتكنولوجيا، والذى لجأ له المشير محمد على فهمى قائد سلاح الدفاع الجوى خلال حرب أكتوبر عام 1973، ليساعده فى حل مشكلة نفاد وقود الصواريخ الروسية وامتناع الاتحاد السوفيتى عن مد مصر بأى كميات منه، بعد أن طرد الرئيس السادات الخبراء الروس عام 1972.

فقام الدكتور سعادة بفحص وقود الصواريخ المنتهى الصلاحية ونجح بعد الدراسة والبحث فى استخلاص 240 لترًا صالحة للاستعمال، وقام بفك شفرتها ومعرفة نسب مكوناتها ووجه باستيراد هذه المكونات من الخارج. ونجح الخبراء المدنيون والعسكريون تحت إشرافه فى إنتاج 45 طنًا من وقود الصواريخ، فأصبح الدفاع الجوى المصرى فى كامل الاستعداد لتنفيذ دوره المخطط له فى عملية الهجوم، ويعتبر نجاح الدكتور محمود سعادة فى تخليق الوقود المصرى للصواريخ أحد أهم أسباب نجاح حائط صواريخ الدفاع الجوى المصرى فى تدمير 326 طائرة إسرائيلية فى حرب أكتوبر 1973.

أما القصة الثانية التى أدهشتنى أيضًا ليس فقط لجهلى بها، ولكن أيضًا لطرافتها، فهى قصة مشكلة حدثت قبل الحرب، وشغلت قيادات الجيش وأجهزة المخابرات المصرية وتتعلق بـ«الشفرة» العسكرية، وكيفية التوصل إلى شفرة جديدة يصعب على الإسرائيليين فهمها وحلها، لتستخدمها القوات فى التواصل وإبلاغ التعليمات والأوامر للضباط والجنود عبر مواقع العمليات، وكانت تلك الشفرة التى حيرت الإسرائيليين وأمنت إشارات ورسائل الجيش المصرى هى «اللغة النوبية»، ويرجع الفضل فى تلك الفكرة إلى مجند بحرس الحدود (آنذاك) يدعى أحمد إدريس، والذى كان منتدبًا فى مكتب رئيس الأركان وعلم بهذه المشكلة، فاقترح على قائده اللغة النوبية لتكون هى الحل، حيث إنها تنطق ولا تكتب ولن يستطيع أحد فك الشفرة نظرًا لخلو اللغة من الحروف الأبجدية.

وقد التقى إدريس مع الرئيس الراحل السادات، وشرح له فكرته وعرض على الرئيس الاستعانة بأفراد نوبيين من أبناء النوبة القديمة، وأخبره أنهم متوفرون بقوات حرس الحدود، وذكر إدريس فى أحاديث إعلامية مختلفة بعد أن كرمه الرئيس عبدالفتاح السيسى عام 2017: «أن الرئيس السادات طالبه بعدم الإفصاح عن هذا السر العسكرى، وهدده بالإعدام لو أخبر به أحدًا»، مضيفا «أن هذه الشفرة استمرت متداولة حتى عام 1994 وكانت تستخدم فى البيانات السرية بين القيادات».

وكما بدأنا بالسينما، نختم بها أيضًا، ومن فيلم «الممر»، للمخرج الكبير شريف عرفة، والذى كان حقق طفرة سينمائية كبيرة على مستوى الصورة وإخراج المعارك، وقد تم دعم سيناريو الفيلم بالعديد من القصص الحقيقية لأبطال شاركوا فى تشييد مجد أكتوبر، ومنهم المجاهدة السيناوية الراحلة الحاجة فرحانة حسين سلامة (رحمها الله)، والتى جسدت دورها فى الفيلم الممثلة أسماء أبو اليزيد، وقد ظهرت صورة فرحانة الحقيقية لأول مرة على شاشة العرض أمام الجمهور وبحضور الرئيس، خلال الندوة التثقيفية الـ31 للقوات المسلحة، بمناسبة الذكرى الـ46 لانتصارات أكتوبر، وكانت فرحانة قد التحقت بمنظمة «سيناء العربية» التى شكلتها المخابرات لضرب مصالح العدو الإسرائيلى فى سيناء، وتم تدريبها ضمن آخرين من أبناء سيناء المهاجرين على حمل القنابل وطرق تفجيرها وإشعال الفتيل وتفجير الديناميت ونقل الرسائل والأوامر من القيادة إلى خلايا المنظمة. 

يرحل الجسد ويبقى الأثر خالدًا.. رحم الله أبطال أكتوبر، سنجتهد جيلًا بعد جيل لتبقى سيرتهم الطيبة تعطر سماء الوطن ببطولاتهم وتضحياتهم، فقد منحونا «شرفًا نرجو أن نستحقه».