الثلاثاء 29 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
كدهوّن!.. أنا ولبنى

كدهوّن!.. أنا ولبنى

رغم أن موهبتها التمثيلية لم تكن عظيمة إلى الحد الذى يهدد عرش الفنانة فاتن حمامة إلا أن الفنانة لبنى عبدالعزيز فعلتها وأحدثت حركة فى البحيرة الراكدة بقوة حضورها على الشاشة وجمالها الأرستقراطى الهادئ وما تحمله معها من نموذج مختلف الملامح للفتاة المصرية والمغاير تماما عن ذاك النموذج الشائع فى الخمسينيات من القرن الماضى على شاشة السينما للفتاة المهذبة الخجولة الخاضعة تماما لسلطة الأب أو الزوج.



وهو النموذج الذى برعت فى تقديمه الفنانة فاتن حمامة وبنات جيلها فى ذلك الوقت كشادية وماجدة الصباحى حيث اعتدن على تقديم نموذج للبنت مكسورة الجناح مغلوبة على أمرها والتى تضطر أن تسجن مشاعرها وأحاسيسها بداخلها خوفا من حدوث أى مواجهة مع المجتمع الذكورى الذى يخضع الفتيات لشروطه وأحكامه القاسية،فقدمت فاتن حمامة على سبيل المثال عدة أفلام مثل اليتيمتين وبين الأطلال ونهر الحب وتابعتها ماجدة الصباحى فقدمت أفلامًا على نفس الوتيرة مثل أين عمرى والمراهقات بينما تحايلت الفنانة شادية على هذا الوضع البائس بتقديم شخصية الدلوعة خفيفة الظل سريعة الحركة والكلام ولكنها فى النهاية لم تستطع اختراق حاجز العادات والتقاليد العتيقة وكدهون ثم جاء النموذج المنتظر الذى يبشر بملامح التغير القادم بقوة بملامح جديدة تشبه التغيرات التى طرأت على المجتمع فى بداية الستينيات والذى تمثله لبنى عبدالعزيز مذيعة الإذاعة المصرية فى عصرها الذهبى تلك الفتاة الجميلة القوية المثقفة خريجة الجامعة الأمريكية التى جاءت لتقدم أدوارا تشبهها فى الواقع ففى البداية تأتى مع الأديب إحسان عبدالقدوس والمخرج صلاح أبوسيف فى فيلم الوسادة الخالية أمام العندليب لتلعب دورا رومانسيا لفتاة قوية تستطيع أن تكبح جماح حبها للعندليب محطم قلوب العذارى وتتزوج من غيره لتتحول مشاعرها بالكامل لزوجها وتتحدى حبها للعندليب وتكتم بركان مشاعرها وقلقها بحزم وقوة تخفيها تحت سطح هادئ وابتسامة ناعمة وملامح جامدة فلًم نشاهدها ضعيفة أبدا وتنهار لفشل قصة حبها ولكنها على عكس المتوقع فى سينما الخمسينيات تجاوزت الموقف بثبات تحسد عليه ولم تلجأ أبدا لاستدرار عطف الجمهور بالبكاء ولا ينسى الجمهور حتى يومنا هذا مشهدها الشهير وهى تتحدث مع عبدالحليم بالتليفون وقد استلقت بنفسها على السرير بمنتهى الجراءة ورافعة قدميها لأعلى فى مشهد لم تعتده السينما فى ذلك الوقت ونجح الفيلم ونجح النموذج الجديد للفتاة المصرية على الشاشة لتطلق لبنى عبدالعزيز صيحتها المدوية (أنا حرة) فى وجه كل عادات وتقاليد المجتمع البالية التى تحاول أن توقف طموحها وكدهون كانت لبنى عبدالعزيز صوتا جديدا ومختلفا ساعدتها ملامحها العنيدة ونظرتها الممتلئة بالتحدى للجميع بمنتهى الندية فى قصة إحسان عبدالقدوس وإخراج لصلاح أبو سيف الذى استغل قوة شخصيتها لتوصيل رسالته المهمة بضرورة تغيير وضع المرأة المصرية فى المجتمع مؤكدا على قدرتها على تحمل واجباتها مثلها مثل الرجل تماما ودون أن تفقد أنوثتها أيضا وهذا هو التحدى الأكبر الذى تحملته لبنى عبدالعزيز وكدهون فالفتاة المصرية يمكنها تدرس وتتخرج فى الجامعة وتتحمل مسئولية اختياراتها حتى لو أدى ذلك إلى دخولها السجن وكدهون.

تواصل تمردها على أدوار البنت المغلوبة على أمرها فتلعب دور صحفية عنيدة تحارب الفساد وتعرض نفسها للخطر فى فيلم لا تذكرينى فى دور ابنة الفنانة شادية التى تحاربها دون أن تدرى أنها ابنتها وتتحدى الجميع وتغامر بمستقبلها وحياتها من أجل مبادئها وقناعتها بدور الصحافة فى خدمة المجتمع ومحاربة الفساد غير مبالية بالمخاطر التى قد تتعرض لها فى سبيل ذلك، وكدهون وحتى عندما قدمت شخصية فتاة تنجب طفلا بدون زواج فى فيلم (رسالة من امرأة مجهولة) لم تضطر أن تنحرف كعادة السينما المصرية وتعمل فى كباريه لأن جسد المرأة فى تلك الفترة هو رأسمالها،فنجد لبنى عبدالعزيز تقدم نموذجا أكثر قوة واحتراما للأم التى تحيا بدون زوج فنجدها تستكمل دراستها وحافظت على نفسها من السقوط بعد خطيئتها الأولى وتعمل فى وظيفة محترمة تعتمد على مهارتها المهنية وليست الجسدية كما اعتادت السينما المصرية بأن الفتيات اللاتى وقعن فى الخطيئة يتحولن إلى غانيات وفتيات ليل فقط ولكن مع لبنى عبدالعزيز الأمر اختلف وبقصد أو بدون قصد قدمت النموذج العصرى الذى يتماشى مع المتغيرات التى طرأت على مجتمع الستينيات وتغير الصورة الذهنية للفتاة المصرية وكدهون، استمرت لبنى عبدالعزيز فى تقديم أدوار غير تقليدية فلعبت دور الأميرة جهاد تلك الفتاة العنيدة القوية التى تتمرد على وجودها فى الحرامليك وسط الحوارى والمحظيات وتتصدى للعديد من المؤامرات والفتن داخل دهاليز القصر وقاومت هجمات التتار على مصر وشاركت حبيبها الأمير محمود الكفاح من أجل حماية الوطن حتى تحقق النصر وكدهون، وجاءت مرحلة الأفلام الكوميدية من خلال تعاونها مع المخرج فطين عبدالوهاب فى عملين أولهما فيلم آه من حواء أمام رشدى أباظة حيث واصلت تقديم الفتاة القوية التى تصل لحد الشراسة والعنف حتى إن الجميع يخشاها بما فيهم جدها وهو بالتأكيد دور جديد تماما على الشاشة المصرية حيث اعتادت على تقديم بطلات رقيقات ناعمات نجد البطلة فى هذا سليطة اللسان ووقحة حتى لو كان من خلال أداء كوميدى وكدهون.  

 يأتى التعاون الثانى بينها وبين المخرج فطين عبدالوهاب فى فيلم عروس النيل عن فكرة للبنى عبدالعزيز عن أسطورة عروس النيل فى الحضارة المصرية القديمة ويحسب للفيلم أنه من الأفلام القليلة جدا فى السينما المصرية التى تتناول مثل هذه الموضوعات من تاريخنا القديم وكدهون، كانت فاتن حمامة من الذكاء لأن تستشعر وقت التغير فحاولت أن تغير من جلدها فى تلك الفترة بعدة أدوار مختلفة عما اعتاده جمهورها فقدمت فى فيلم (المعجزة) شخصية صحفية طموحة تسعى لتنمية مجتمعها وفى فيلم (الباب المفتوح) قدمت فتاة ثائرة حتى إننا نراها فى أول الفيلم تقود مظاهرة شعبية فى الشوارع وتحرض الفتيات على الثورة وقدمت أيضا فيلم (لا وقت للحب) فى دور مدرسة تشارك فى المقاومة الشعبية ضد الإنجليز وكدهون، وفجأة اختفت لبنى عبدالعزيز من على الشاشة تاركة خلفها مجموعة من الأفلام القيمة رغم قلتها بالمقارنة بتجارب زميلتها إلا أنها قررت الرحيل والهجرة إلى أمريكا كأنها كانت تدرك مهمتها كمرحلة انتقالية تقدم نموذجا عصريا للفتاة المصرية وتمهد المجتمع لظهور النموذج الأمثل للفتاة المصرية المعاصرة والذى سيصبح حلم كل الشباب وقدوة كل الفتيات الفنانة سعاد حسنى.