الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

ماذا بعد تفجير جسر القرم؟ الحرب الأوكرانية تتجاوز الخطوط الحمراء

دخلت الحرب الروسية الأوكرانية منعطفًا جديدًا شديد الخطورة، بعد أن انفجرت شاحنة مفخخة على جسر القرم، المنشأة الأساسية ذات القيمة الرمزية الكبرى لشخص الرئيس الروسى فلاديمير بوتين والكرملين، نظرًا إلى أهميته الاستراتيجية والعسكرية لموسكو وشبه الجزيرة التى ضمتها من أوكرانيا عام 2014.



الحرب الدائرة والتى قاربت على العام تستهدف منذ بدايتها الرموز الكبرى، بدءًا من «اغتيال» ابنة الفيلسوف الروسى المقرب من الكرملين ألكسندر دوغين، وتنفيذ أعمال تخريبية ضد خطى أنابيب السيل الشمالى (نورد ستريم 1 و2)، وأخيرًا تفجير جسر القرم بالتزامن مع انتكاسات ميدانية عسكرية للقوات الروسية فى عديد من المناطق الأوكرانية، يزيد من صعوبات الصراع ويرجح تصعيد وتيرته بشكل قد «لا يمكن التنبؤ به»، بحسب تقدير كثيرين، خاصة مع احتدام الاتهامات بين المعسكرين، ووسط المخاوف من «جدية» التلويح الروسى باستخدام أسلحة استراتيجية ونووية.

 

وقد استهدفت عمليات قصف روسية دامية مجددًا مدينة زابوريجيا جنوب أوكرانيا، وتعرضت مناطق أوكرانية عدة وبينها العاصمة كييف لقصف غير مسبوق بحدته تضمن أكثر من 80 صاروخًا «عالى الدقة»، وفق وزارة الدفاع الروسية، وذلك للمرة الأولى منذ يونيو الماضى، صاحب ذلك تجديد الرئيس بوتين لتحذيره، إذ قال فى مستهل اجتماع متلفز مع أعضاء مجلس الأمن الروسى، إن رد بلاده على أية هجمات أوكرانية أخرى سيكون «شديدًا. ويجب ألا يكون هناك شك فى ذلك»، موضحًا أنه «لم يكن من الممكن ترك (الهجمات الأوكرانية) تمر من دون رد. إذا تواصلت فسيكون الرد الروسى شديدًا ومتناسبًا مع مستوى التهديد».

فى المقابل ترى كييف، وفق ما أعلن وزير خارجيتها دميترو كوليبا، أن الرئيس الروسى يشن ضربات كثيفة على أوكرانيا، لأنه «يائس بسبب الهزائم فى ساحة المعركة»، موضحًا بحسب تغريدة له على «تويتر» أن «بوتين يائس، ويستخدم إرهاب الصواريخ، ليحاول تغيير إيقاع الحرب لصالحه».

 مرحلة فارقة

اتسمت التفاعلات الأخيرة فى الساحة الأوكرانية بالغموض الواضح، وارتبط هذا النهج بتطورين لافتين دارت التفاعلات فيهما حول البحث عن المستفيد فى ظل عدم الإعلان عن الفاعل، حيث أثارت تفجيرات خطى «نورد ستريم» فى شهر سبتمبر الماضى حالة من الجدل بعدما تبادلت روسيا والغرب الاتهامات بوقوف الآخر وراء هذه التفجيرات، ومحاولة كل منهما إثبات مصلحة الثانى فى وقوعها وعرقلة إمدادات الطاقة.

من ناحية أخرى، جاء تفجير جسر القرم يوم 8 أكتوبر الجارى ليُضفى بُعدًا جديدًا على مشهد الحرب، فعلى الرغم من اتهام روسيا المباشر لأوكرانيا بالوقوف وراء التفجير، فإن كييف لم تعلن مسئوليتها، بل إنها قامت بالتشكيك فى الرواية الروسية، معتبرة أن هذا التفجير قد يكون جزءًا من الصراع الداخلى بين قوات الأمن الروسية، وهو ما عبّر عنه مستشار مدير مكتب الرئيس الأوكرانى، ميخايلو بودولياك، حيث أشار إلى أن التفجير يعتبر «مظهرًا ملموسًا للصراع بين جهاز المخابرات الداخلية الروسية ومقاولين عسكريين خاصين، مثل مجموعة فاجنر من جهة، ووزارة الدفاع، وهيئة الأركان العامة للاتحاد الروسى من جهة أخرى».

وبغض النظر عن الفاعل والمستفيد، فإن تفجيرى نورد ستريم وجسر القرم يعتبران من التحولات الفارقة التى تشهدها الحرب الروسية - الأوكرانية فى شهرها الثامن، فالأول يمكن أن يفاقم من أزمة الطاقة التى تعيشها أوروبا وسط مساعى دولها لتوفير بدائل عن الغاز الروسى لمواجهة الشتاء القادم، بينما تفجير جسر القرم يمكن أن يؤدى إلى توسيع وإطالة الحرب الحالية فى ظل رغبة موسكو فى إثبات قدرتها على إلحاق الضرر بأوكرانيا، وأنها لا تزال – بالرغم من بعض التراجع العسكرى مؤخرًا - تمتلك زمام الأمور وبإمكانها تحويل مسار الوضع الميدانى.

وقد حمّل الرئيس بوتين أجهزة الاستخبارات الأوكرانية المسئولية عن تفجير جسر القرم. وخلال اجتماعه مع رئيس لجنة التحقيق الروسية بشأن تفجير جسر القرم، ألكسندر باستريكين، أكد بوتين أن «السلطات الروسية ليس لديها شك فى أن حادث جسر القرم كان هجومًا إرهابيًا ضد البنية التحتية المدنية فى روسيا». وكرد فعل مباشر على هذا الهجوم، وقّع بوتين مرسومًا يقضى بتعزيز الدفاعات لوصلات النقل والبنية التحتية للطاقة فى القرم، كما تم الإعلان عن حالة الطوارئ فى القرم ورفع درجة التأهب القصوى ضد الإرهاب.

 اتهامات

قال الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، إن النظام الأوكرانى يستعمل عمليات إرهابية ويقصف محطات نووية ويريدون تدمير السفن التركية وكافة هذه الأعمال موثقة، والذى يذهب بدوره لعدم الاستقرار وحدوث المزيد من المشكلات.

وأضاف أن أوكرانيا تستطيع فنيا القيام بهذه التفجيرات وقد فعلوا تخريبا ولم يتلقوا حتى عقاب ونحن نعلم من له المصلحة فى ذلك ولا نرغب فى الخوض فى التفاصيل بهذا الأمر.

وأشار إلى أن استهداف نورد ستريم، كان عملا إرهابيا هدفه حرمان قارة بأكملها من الطاقة، كما أنه يهدد البنية التحتية للطاقة، والأمر معروف من يفعل كل هذه الأمور، كما أن إجبار الدول الأوروبية على شراء الغاز من أمريكا بتكلفة مرتفعة، والذى لا ينافس إطلاقا الغاز الروسى، وهناك مخاطر إضافية تكمن فى ارتفاع الأسعار وذهاب إمدادات الغاز لمناطق أخرى من العالم.

 سيناريوهات التصعيد

وفق كثير من المراقبين كان لحادثة تفجير جسر القرم وما بعدها تأثير على صعيد الحرب الدائرة فى الجغرافيا الأوكرانية، فى وقت رأى فيه بعضهم الحادثة بأنها كانت بمثابة «إذلال لبوتين شخصيًا»، لما يمثله الجسر من رمزية كبيرة لديه.

وبحسب إيغور سابوتين، الباحث والمحلل الروسى، فإن استهداف جسر القرم يدفع بالحرب والعالم كله إلى الاصطدام بتهديدات أمنية متزايدة، موضحًا فى حديثه لـ«إندبندنت عربية» أن «الحرب بدأت تأخذ مسارًا مغايرًا تخرق فيه القواعد، وتتجاهل أخلاقيات العمليات العسكرية، ما ينذر بتأجيج الصراع»، فى إشارة إلى اغتيال ابنة الفيلسوف الروسى ألكسندر دوغين، وعمليات التخريب التى شهدتها خطوط الغاز الروسية «نورد ستريم 1 و2»، فضلًا عن تفجير جسر القرم.

ويتابع سابوتين: «عندما يكون استهداف البنية التحتية الأساسية المدنية بمثابة قاعدة فى هذا الصراع، فهذا يعنى أن العالم بأسره سيواجه أخطارًا أمنية متزايدة، ستضاف إلى التداعيات غير المسبوقة التى خلفتها الحرب إلى الآن على صعيد الأمن والغذاء والطاقة».

ووفق ما كتبه جيمس كيلنر فى صحيفة الـ«صنداى تليغراف» البريطانية فإن «فلاديمير بوتين سيصعد هجومه على أوكرانيا بعد الإذلال الأخير»، مشيرًا إلى تحذيرات سابقة أطلقها بوتين من أن أى هجوم على مضيق كيرتش سيكون خطًا أحمر ويطلق «يوم القيامة».. وبينما نقل كيلنر عن ألكسندر باشكين السيناتور الروسى قوله «كان ذلك (تفجير الجسر) إعلان حرب بلا قواعد»، مضيفًا أن رد الكرملين سيكون «مناسبًا وواعيًا وربما غير متماثل»، نقل عن محللين آخرين قولهم إن الخطر الأكبر يكمن فى تزامن حملة التصعيد مع تزايد خطر الحرب النووية.

كذلك نقلت الصحيفة عن الجنرال ريتشارد دانات، رئيس أركان الجيش البريطانى السابق، قوله إنه «يتوقع مزيدًا من القصف العشوائى للأهداف فى المدنية الأوكرانية»، وإن هناك أيضًا «تهديدًا بأن بوتين قد يصبح نوويًا لا سيما أنه يتعامل مع الهجوم على الجسر باعتباره استهدافًا لشخصه».