الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

النسوية الإسلامية (لا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ): المرأة فى الإسلام.. وحرية العقيدة! "38"

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخـرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.



فى العاصمة الإيرانية طهران، ألقت الشرطة القبض على فتاة اسمها «مهسا أمينى»، فى 13 سبتمبر الماضى؛ لأنها لم تكن تُغَطى شَعْرَها كاملًا، وتم احتجازها، ثم دخلت فى غيبوبة، وماتت بعد 3 أيام.

رفضت الحكومة الإيرانية اعتبارها مسئولة عن وفاة «مهسا أمينى»، وعمرها 22 عامًا، لكن ما حدث دفع آلاف النساء الإيرانيات للتظاهر اعتراضًا على ما واجهن من قهر من مسئولى شرطة الأخلاق فى الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

وشرطة الأخلاق هى قوة لها السُّلطة وحق استخدام الأسلحة والوصول إلى مراكز الاحتجاز، كما أنهم يتحكمون فى مراكز إعادة التأهيل، التى يتم فيها التعامل مع النساء غير الملتزمات فى مظهرهن كمجرمات، ويتم حجزهن.

وتعمل هذه المراكز كمراكز احتجاز؛ حيث يتم احتجاز النساء لعدم امتثالهن لقواعد الدولة بشأن الاحتشام. داخل هذه المراكز، يتم إعطاء المحتجزين دروسًا عن الإسلام وأهمية الحجاب، ثم يجبرون على التوقيع على تعهد بالالتزام بلوائح الملابس التى وضعتها الحكومة قبل إطلاق سراحهم.

وقد أظهرت نتائج أبحاث لمركز مرتبط بالبرلمان الإيرانى، أن هناك انخفاضًا فى عدد الأشخاص الذين يعتقدون أن على الحكومة فرض الحجاب، وأظهر تقرير لوكالة أنباء الطلبة الإيرانية ارتفاعًا فى عدد الذين يعتقدون أن الحجاب يجب ألا يكون إجباريًا.

 لا إكراه فى الدين:

قد يتساهل المجتمع فى الغش وشهادة الزور والرشوة، ويتشدد فى الصلاة والصوم والحجاب، مع أن الدين علاقة بين الإنسان وربه: (لاَ إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، البقرة 256، ولذلك يوجد الاختلاف بين الناس: (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ)، هود 118، وفى الآخرة يحاسبهم على اختياراتهم،

فلا ثواب ولا عقاب دون حرية.

وعلاقة الإنسان مع الله حالة خاصة، لا يتدخل بها أحد، وكل إنسان مسئول عن نفسه: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ)، المدثر 38، والعلاقة بالآخرين تكون من خلال المعاملات والأخلاق لا من خلال العبادات والشعائر، والنبى عليه الصلاة والسلام لم يجبر أحدًا على الإيمان: (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِى الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ)، يونس 99، وليس لأحد أن يتدخل فى إيمان غيره، والنبى لم يثبت عنه أنه عاقب أحدًا على ترك إقامة الصلاة أو عدم الصيام.

لقد فهم البعض من آية (لا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ) أن غير المسلمين لا يجبرون على الدخول فى الإسلام، وأن لهم الحق بأن يبقوا على دينهم، مع أن الإكراه فى الدين هو الغى والفساد، وأن (لا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ) هو الصلاح والرشد.

والقرآن يدعو إلى التسامح الدينى، فالإنسان يصل إلى الإيمان من خلال المحاولة والاختيار، والإكراه يفسد ذلك، والإسلام لا يقبل الإكراه؛ لأن الإكراه هو حالة من حالات الإجبار التى تجعل الفرد ينطق بشىء أو يفعل شيئًا من غير رضاه وضد إرادته الحُرّة.

والإرادة الحُرة هى قدرة الإنسان على توجيه نفسه إلى عمل معين أو الامتناع عنه، وهنا يأتى الإكراه المادى بالعنف الذى يؤثر فى حرية الاختيار، وقد يكون الإكراه معنويًا بالتهديد لتوجيه الإنسان إلى اختيار محدد.

وبالإكراه يفقد الفعل قيمته الحقيقية؛ لأن الحرية هى التى تعطى الفعل قيمته، فما قيمة الصلاة لمُصَلٍّ يأتيها كرهًا، وإن تم إجبار شخص على تأدية الصلاة، فلا يمكن إجباره على الالتزام بها، وما قيمة حجاب لامرأة تلتزم به كرهًا، وقد تتمرد كرد فعل تجاه القهر والعنف والتهميش لا ضد الحجاب نفسه.

 العبادة بالاختيار:

والعبادة الحقيقية هى العبادة القائمة على اختيار الإنسان، فمن يقول الصدق مكرهًا ليس بصادق، والمرأة التى تضع الحجاب مكرهة ليست محجبة طوعًا، وما فائدة العبادة التى يؤديها الإنسان كرهًا لا طوعًا، فالأساس هو حرية الإنسان فى القبول أو الرفض بكامل إرادته واختياره.

وتأتى كلمة «الدين» مجردة لتدل على أن يكون الدين لله وحده: (وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ. وَلَهُ مَا فِى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ)، النحل 51 -52، (وَاصِبًا) أى خالصًا.

لم يقل تعالى «لا إكراه على الدين»، بمعنى لا إكراه فى دخول الدين، ولكنه تعالى قال (لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ) يعنى أنه لا إكراه فى كل ما يخص الدين، والقرآن يؤكد على الحرية فى الدين؛ لأن للدين يومًا هو يوم الدين يتم فيه حساب الناس.

وفى قوله تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) البقرة 256، (لا) نافية للجنس، للدلالة على كل أنواع الإكراه، فالدين هو الرشد، والغَىّ هو الطغيان والظلم، والرُّشد هو الاتفاق مع الفطرة، والاتفاق مع الحق، وهذا يتفق مع آيات حرية العقيدة: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ)، الكهف 29، وفى قوله تعالى: (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِى الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ)، يونس99.

فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر وليس لنا إكراه أحد، فالحساب مع الله وليس معنا نحن: (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ. لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ)، الغاشية 21-22، فلست عليهم بمصيطر وحسابهم على الله.

وفى قوله تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ)، البقرة 193، فالآية تأمر بقتال مَن يجبر الناس على اتخاذ أو ترك الدين، ويكون الدين كله لله بالاختيار الحُر، فإذا انتهوا عن فتنة الناس فلا يكون هناك عدوان إلا على الذين يفتنون الناس.

حرية الاختيار:

وتبدأ الحُرية فى الإسلام بحُرية العقيدة، وحُرية الاعتقاد من حقوق الإنسان التى أقرها القرآن، فالله تعالى أعطى الإنسان حرية الاختيار بين الإيمان والكفر: (فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)، الكهف 29، ويوجّه النبى إلى ترك حرية اختيار العقيدة للإنسان: (أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)، يونس 99.

وما جاء به القرآن فى حرية الاعتقاد هو تقدير لعقل الإنسان وضميره، فالإنسان دائمًا فى موقف الاختيار، ولذلك فهو مسئول عما يفعل ويتحمل نتيجة اختياره: (مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا)، فصلت 46.

وفى القرآن تأتى حرية الاعتقاد فى رفض أسلوب الإكراه على العقائد؛ حيث يقرر تعالى: (لا إكراه فى الدين)، فلا يجوز وفق تعاليم القرآن إرغام أحد على ترك دينه واعتناق دين آخر، فحرية الإنسان فى اختيار دينه هى أساس الاعتقاد وإقرار الحرية الدينية فى الإسلام يعنى الاعتراف بالتعددية الدينية.

 احترام العقل:

تعاليم القرآن تبرهن على احترامه لعقل الإنسان وإرادته واختياره، فالدعوة إلى الإسلام تقوم على الاقتناع: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ)، النحل 125، فهى دعوة لا تقوم على الإجبار والإرغام.

ومنهج القرآن فى الدعوة يعطى لكل إنسان الحرية فى اعتقاد ما يشاء، وأن يتبنى لنفسه من الأفكار ما يريد، فلا يستطيع أحد أن يمنعه من ذلك طالما أنه يحتفظ بهذه الأفكار لنفسه، ولا يؤذى بها أحدًا من الناس.

والقرآن يكفل حرية الاعتقاد، مما يؤكد رفض الإسلام للجماعات المتشددة التى تحاول إكراه الناس على الإسلام، فالإسلام لم يجعل لأحد حق إكراه الناس على أداء فريضة أو تنفيذ أمْر تشريعى، ولم يجعل لأحد حق العقاب على إهمال واجب من الواجبات الدينية. 

وبموجب تلك الحرية الممنوحة من الله تعالى فى الدين لكل الناس؛ فقد أصبح من حق كل إنسان اختيار الإيمان أو الكفر، وحسابه على الله تعالى.

والناس جميعًا أمام الله سواء لا فضل لأحد على آخر إلا بالتقوى والعمل الصالح، والدين يتم بالاقتناع ولا يتفق مع الإكراه، فالإكراه فى الدين يولد منافقين لا مؤمنين، ولذلك قرر القرآن مبدأ حرية العقيدة، وأنه لا يوجد تسلط أو سيطرة على عقائد الناس، ولا حتى للنبى عليه الصلاة والسلام: (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ)، الغاشية 22.

والقرآن يؤكد على حرية العقيدة، فاعتناق الإسلام بالإكراه من دون اقتناع يعتبر نفاقًا، ولا يكون الإيمان صحيحًا إلا إذا تم من دون إكراه، فإقرار الحرية فى الاعتقاد يجعل على الناس مسئولية اختيار عقيدتهم: (فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوا وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)، آل عمران 20.

وفى قوله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)، النحل 125، تقريرٌ بالحرية الفكرية فى الدين، وكل إنسان حُر فيما يعتقد، وحساب الجميع يوم القيامة على الله تعالى وحده لا شريك له فى ذلك أحد من خَلْقِه.